صفات النبى صل الله عليه وسلم


صفة كلامه صل الله عليه وسلم

ورد في حديث متفق عليه أنَّه عليه الصلاة والسلام : كان يُحَدِّث حديثاً لو عَدَّه العادُّ لأحصاه
كان صل الله عليه وسلم يعيد الكلمة ثلاثاً لِتُعقَل عنه رواه البخاري
ورُوِيَ أنه صل الله عليه وسلم يُعرِض عن كل كلام قبيح و يُكَنِّي عن الأمور المُستَقبَحَة في العُرف إذا اضطره الكلام إلى ذكرها
وكان صل الله عليه و سلم يذكر الله تعالى بين الخطوتين

صفة ضحكه و بكائه صل الله عليه وسلم

كان رسول الله صل الله عليه وسلم لا يضحك إلا تَبَسُّماً وكنتَ إذا نظرتَ إليه قُلتَ أكحل العينين وليس بأكحل حسن رواه الترمذي

عن عبد الله بن الحارث قال : "ما رأيتُ أحداً أكثر تبسماً من الرسول صل الله عليه وسلم وكان رسول الله صل الله عليه وسلم لا يُحَدِّث حديثاً إلا تبَسَّم وكان ضَحِك أصحابه صل الله عليه وسلم عنده التبسُّم من غير صوت اقتِداءً به وتَوقيراً له
وكان صل الله عليه وسلم إذا جرى به الضحك وضع يده على فمه
وكان صل الله عليه وسلم مِن أضحك الناس وأطيَبَهم نَفساً
وكان صل الله عليه وسلم إذا ضحك بانت نواجذه أي أضراسه من غير أن يرفع صوته وكان الغالب من أحواله التَّبَسُّم
وبكاؤه صل الله عليه وسلم كان من جنس ضحكه لم يكن بشهيق و رفع صوت كما لم يكن ضحكه بقهقهة ولكن تدمع عيناه حتى تنهملان ويُسمَع لصدره أزيز ويبكي رحمة لِمَيِّت وخوفاً على أمَّته وشفقة من خشية الله تعالى وعند سماع القرآن وفي صلاة الليل.
وعن عائشة قالت : ما رأيت رسول الله صل الله عليه وسلم مُستَجمِعاً قط ضاحكاً حتى أرى منهلهاته (أي أقصى حَلقِه)

صفة لباسه صل الله عليه وسلم

عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : كان أحب الثياب إلى رسول الله صل الله عليه وسلم القميص ( وهو اسم لما يلبس من المخيط ) رواه الترمذي في الشمائل وصححه الحاكم
ولقد كانت سيرته صل الله عليه وسلم في ملبسه أتَم و أنفع للبدن وأخَفَّ عليه فلم تكن عمامته بالكبيرة التي يُؤذيه حملها أو يضعفه أو يجعله عرضة للآفات ولا بالصغيرة التي تقصُر عن وقاية الرأس من الحر والبرد وكذلك الأردِيَة (جمع رداء) والأزُر (جمع إزار) أخَفّ على البدن من غيرها ولم يكن لرسول الله صل الله عليه وسلم نوعاً مُعيَّناً من الثياب فقد لبس أنواعاً كثيرة وذلك أنه صل الله عليه وسلم كان يلبس ما يجده
وكان عليه الصلاة والسلام يلبس يوم الجمعة والعيد ثوباً خاصاً وإذا قدِمَ عليه الوفد لبس أحسن ثيابه وأمر أصحابه بذلك
وعن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صل الله عليه وسلم إذا استجد ثوباً سماه باسمه (عمامة أو قميصاً أو رداء) ثم يقول : اللهم لك الحمد كما كسوتنيه أسألك خير ما صنع له وأعوذ من شره وشر ما صنع له رواه الترمذي في الشمائل
والسنن في اللباس وأبو داود كان أحب الثياب إليه البيضاء
وكان صل الله عليه وسلم لا يبدو منه إلا طيب كان آية ذلك في بدنه الشريف أنه لا يتَّسِخ له ثوب أي كانت ثيابه لا يصيبها الوسخ من العرق أو ما سوى ذلك وكان الذباب لا يقع على ثيابه


صفة عمامته صل الله عليه وسلم

كان رسول الله صل الله عليه وسلم يلبس قلنسوة بيضاء والقلنسوة هي غشاء مبطَّن يستر الرأس
كان صل الله عليه وسلم يلبس القلانس (جمع قلنسوة) أحياناً تحت العمائم وبغير العمائم ويلبس العمائم بغير القلانس أحياناً
كان صل الله عليه وسلم إذا اعتَمَّ ( أي لبس العمامة ) سدل عمامته بين كتفيه
كان عليه الصلاة والسلام لا يُوَلّي والياً حتى يُعَمِّمه و يرخي له عذبة من الجانب الأيمن نحو الأذن ولم يكن صل الله عليه وسلم يُطَوِّل العمامة أو يُوَسِّعها
قال ابن القيم : لم تكن عمامته صل الله عليه وسلم كبيرة يؤذي الرأس حملها و لا صغيرة تقصر عن وقاية الرأس بل كانت وسطاً بين ذلك وخير الأمور الوسط
وكان الرسول صل الله عليه وسلم يعتم بعمامة بيضاء وأحياناً خضراء أو غير ذلك
وعن جابر رضي الله عنه قال : دخل النبي صل الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء ولقد اعتم صل الله عليه وسلم بعد بدر حيث رأى الملائكة تلبسها
وصحة لبس المصطفى للسواد ونزول الملائكة يوم بدر بعمائم صُفر لا يعارض عموم الخبر الصحيح الآمر بالبياض لأنه لمقاصد اقتضاها خصوص المقام كما بيّنه بعض الأعلام

صفة نعله و خُفِّه صل الله عليه وسلم

كان لنعل رسول الله صل الله عليه وسلم قِبالان مُثَنَّى شراكهما أي لكلٍ منهما قِبالان والقِبال هو زِمام يوضع بين الإصبع الوسطى و التي تليها ويُسمَّى شِسعاً و كان النبي صل الله عليه وسلم يضع أحد القِبالين بين الإبهام و التي تليها والآخر بين الوسطى و التي تليها و الشِّراك للسير (أي النعل) وكان يلبس النعل ليس فيها شعر كما رُؤيَ بنعلين مخصوفتين أي مخروزتين مُخاطتين ضُمَّ فيها طاق إلى طاق وطول نعله شِبر وإصبعان و عرضها مِمَّا يلي الكعبان سبع أصابع وبطن القدم خمس أصابع ورأسها مُحَدَّد وكان عليه الصلاة والسلام يقول موصياً الناس : إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين و إذا نزع فليبدأ بالشمال

صفة خاتمه صل الله عليه وسلم

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : لما أراد رسول الله صل الله عليه وسلم أن يكتب إلى العجم قيل له : إن العجم لا يقبلون إلا كتاباً عليه ختمٍ فاصطنع خاتماً فكأني أنظر إلى بياضه في كفه رواه الترمذي في الشمائل والبخاري و مسلم
ولهذا الحديث فائدة أنه يندب معاشرة الناس بما يحبون وترك ما يكرهون و استئلاف العدو بما لا ضرر فيه ولا محذور شرعاً والله أعلم
ولقد كان خاتم رسول الله صل الله عليه وسلم من فضة و فَصُّه (أي حجره) كذلك
وكان عليه الصلاة و السلام يجعل فَصَّ خاتمه مِمَّا يلي كفه نقش عليه من الأسفل إلى الأعلى (( محمد رسول الله )) و ذلك لكي لا تكون كلمة "محمد" صل الله عليه وسلم فوق كلمة {الله} سبحانه و تعالى
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : اتخذ رسول الله صل الله عليه وسلم خاتماً من ورِق (أي من فضة) فكان في يده ثم كان في يد أبي بكر ويد عمر ثم كان في يد عثمان حتى وقع في بئر أريس نَقشُهُ ((محمد رسول الله )) رواه الترمذي في الشمائل و مسلم و أبو داود وأريس بفتح الهمزة وكسر الراء هي بئر بحديقة من مسجد قباء
و لقد ورد في بعض الروايات أن النبي صل الله عليه وسلم كان يلبس الخاتم في يمينه و في روايات أخرى أنه كان يلبسه بيساره و يُجمع بين روايات اليمين و روايات اليسار بأن كُلاّ منهما وقع في بعض الأحوال أو أنه صل الله عليه وسلم كان له خاتمان كل واحد في يد و قد أحسن الحافظ العراقي حيث نظم ذلك فقال : يلبسه كما روى البخاري في خنصر يمين أو يسار كلاهما في مسلم و يجمع  بأن ذا في حالتين يقعأ و خاتمين كل واحد بيد كما بفص حبشي قد ورد ولكن الذي ورد في الصحيحين هو تعيين الخنصر فالسُنَّة جعل الخاتم في الخنصر فقط والخنصر هو أصغر أصابع اليد و حكمته أنه أبعد عن الامتهان فيما يتعاطاه الإنسان باليد و أنه لا يشغل اليد عمّا تزاوله من الأعمال بخلاف ما لو كان في غير الخنصر

صفة سيفه صل الله عليه وسلم

عن سعيد بن أبي الحسن البصري قال : كانت قبيعة سيف رسول الله صل الله عليه وسلم من فضة
والمراد بالسيف هنا ذو الفقار وكان لا يكاد يفارقه ولقد دخل به مكة يوم الفتح والقبيعة كالطبيعة ما على طرف مقبض السيف يعتمد الكف عليها لئلا يزلق
وفي رواية ابن سعد عن عامر قال : أخرج إلينا علي بن الحسين سيف رسول الله صل الله عليه وسلم فإذا قبيعته من فضة وحلقته من فضة
وعن جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان نعل سيف رسول الله صل الله عليه وسلم أي أسفله وحلقته وقبيعته من فضة


صفة درعه صل الله عليه وسلم

عن الزبير بن العوام قال : كان على النبي صل الله عليه وسلم يوم أُحُد درعان فنهض إلى الصخرة فلم يستطع ( أي فأسرع إلى الصخرة ليراه المسلمون فيعلمون أنه عليه الصلاة و السلام حيّ فيجتمعون عليه فلم يقدر على الارتفاع على الصخرة قيل لما حصل من شج رأسه و جبينه الشريفين واستفراغ الدم الكثير منهما) فأقعد طلحة تحته (أي أجلسه فصار طلحة كالسلم) وصعد النبي صل الله عليه وسلم (أي وضع رجله فوقه و ارتفع) حتى استوى على الصخرة (أي حتى استقر عليها) قال : سمعت النبي صل الله عليه وسلم يقول : أوجبَ طلحة ( أي فعل فعلاً أوجب لنفسه بسببه الجنة وهو إعانته له صل الله عليه وسلم على الارتفاع على الصخرة الذي ترتب عليه جمع شمل المسلمين وإدخال السرور على كل حزين ويحتمل أن ذلك الفعل هو جعله نفسه فداء له صل الله عليه وسلم ذلك اليوم حتى أصيب ببضعٍ وثمانين طعنة و شلَّت يده في دفع الأعداء عنه ) و قوله (كان عليه يوم أُحُد درعان) دليل على اهتمامه عليه الصلاة و السلام بأمر الحرب وإشارة إلى أنه ينبغي أن يكون التوكل مقروناً بالتحصن لا مجرداً عنه  و لقد ورد في روايات أخرى أنه كان للنبي صل الله عليه وسلم سبعة أدرعٍ

صفة طيبه (أي عطره) صل الله عليه وسلم

كان رسول الله صل الله عليه وسلم يأخذ المِسك فيمسح به رأسه و لحيته و كان صل الله عليه و سلم لا يردُّ الطيب رواه البخاري
 وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : " طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه ورواه الترمذي في الأدب باب ما جاء في طيب الرجال والنساء والنسائي في الزينة باب الفصل بين طيب الرجال والنساء وهو حديث صحيح

صفة كُحله صل الله عليه وسلم

عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبي صل الله عليه وسلم قال : اكتحلوا بالإثمد فإنّه يجلو البصر و يُنبِت الشعر وزعم أنّ النبي صل الله عليه وسلم له مكحلة يكتحل منها كلَّ ليلةٍ ثلاثةً في هذه وثلاثة في هذه قوله (اكتحلوا بالإثمد) المخاطَب بذلك الأصِحّاء أمّا العين المريضة فقد يضُرَّها الإثمِد والإثمِد هو حجر الكحل المعدني المعروف ومعدنه بالمشرق وهو أسود يضرب إلى حمرة وقوله (فإنّه يجلو البصر) أي يقوّيه و يدفع المواد الرديئة المنحدرة إليه من الرأس لاسيما إذا أُضيف إليه قليل من المسك وأمّا قوله (يُنبت الشعر) أي يقوّي طبقات شعر العينين التي هي الأهداب وهذا إذا اكتحل به من اعتاده فإن اكتحل به من لم يعتده رمدت عينه


صفة عيشه صل الله عليه وسلم


عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما شَبِعَ آل محمد صل الله عليه وسلم منذ قَدِموا المدينة ثلاثة أيام تِباعاً من خبز بُرّ حتى مضى لسبيله أي مات صل الله عليه وسلم
قال رسول الله صل الله عليه وسلم : اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً (أي ما يسدُّ الجوع) متفق عليه

صفة شرابه صل الله عليه وسلم

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : دَخَلتُ مع رسول الله صل الله عليه وسلم أنا و خالد بن الوليد على ميمونة فجاءتنا بإناء من لبن فشرب رسول الله صل الله عليه وسلم وأنا على يمينه و خالد عن شماله فقال لي : الشَّربة لك فإن شئتَ آثرتَ بها خالداَ فقُلتُ ما كنتُ لأوثِرَ على سؤرك أحداً ثم قال رسول الله صل الله عليه وسلم : من أطعَمَهُ الله طعاماً فليقُل : اللهم بارِك لنا فيه وأطعِمنا خيراً منه ومن سقاه الله عزّ و جلّ لبَناً فليقُل : اللهم بارك لنا فيه وزِدنا منه ثم قال رسول الله صل الله عليه وسلم : ليس شيء يُجزىء مكان الطعام والشراب غير اللبن

صفة شُربه صل الله عليه وسلم

عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبي صل الله عليه وسلم شرب من زمزم وهو قائم
عن أنَس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النبي صل الله عليه وسلم كان يتنفَّس في الإناء ثلاثاً إذا شرب ويقول هو أمرَاُ و أروى قوله (كان يتنفس في الإناء ثلاثاً) وفي رواية لمسلم (كان يتنفس في الشراب ثلاثاً ) المراد منه أنه يشرب من الإناء ثم يزيله عن فيه (أي فمه) ويتنفس خارجه ثم يشرب وهكذا لا أنه كان يتنفس في جوف الإناء أو الماء المشروب وكان عليه الصلاة والسلام غالباً ما يشرب وهو قاعد

صفة تكأته صل الله عليه وسلم

عن جابر بن سَمُرَة قال : رأيت رسول الله صل الله عليه وسلم مُتَّكئاً على وسادة على يساره
وعن عبد الرحمن بن أبي بَكرَة عن أبيه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : ألا أحدِّثكم بأكبر الكبائر قالوا بلى يا رسول الله قال : الإشراك بالله و عقوق الوالِدَين قال وجلس رسول الله صل الله عليه وسلم وكان مُتَّكِئاً قال وشهادة الزور أو قول الزور قال فما زال رسول الله صل الله عليه وسلم يقولها حتى قلنا لَيته سكت

صفة فراشه صل الله عليه وسلم

لرسول الله صل الله عليه وسلم فراش من أدم (أي من جلد مدبوغ) محشو بالليف
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : دخلت على رسول الله صل الله عليه وسلم وهو نائم على حصير قد أثَّر بجنبه فبكيت فقال : ما يُبكيك يا عبد الله؟ قلت : يا رسول الله صل الله عليه وسلم كسرى وقيصر قد يطؤون على الخز والديباج والحرير وأنت نائم على هذا الحصير قد اثَّر في جنبك فقال : لا تبكِ يا عبد الله فإن لهم الدنيا و لنا الآخرة

صفة نومه صل الله عليه وسلم

كان عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم ينام أول الليل و يُحيي آخره و كان إذا أوى إلى فِراشه قال (باسمك اللهم أموت و أحيا)
و إذا استيقظ قال : (الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا و إليه النُّشور)
عن البراء بن عازب رضي الله عنه : أن النبي صل الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه وضع كفه اليمنى تحت خده الأيمن وقال :
(ربِّ قِني عذابك يوم تبعث عبادك)
رواه أحمد في المسند و النسائي في عمل اليوم والليلة و ابن حبان وصححه الحافظ في الفتح
عن عائشة رضي الله عنها : كان رسول الله صل الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه فنفث فيهما وقرأ فيهما :
قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ثم مسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يصنع ذلك ثلاث مرات رواه البخاري في الطب و الترمذي والظاهر أنه كان يصنع ذلك في الصحة والمرض وقال النووي في الأذكار : النفث نفخ لطيف بلا ريق
ويستفاد من الحديث أهمية التعوذ والقراءة عند النوم لأن الإنسان يكون عرضة لتسلط الشياطين
وعن أبي قتادة أن النبي صل الله عليه وسلم كان إذا عرَّس بليل اضطجع على شقه الأيمن وإذا عرَّس قبيل الصبح نصب ذراعه ووضع رأسه على كفه رواه أحمد في المسند و مسلم في الصحيح كتاب المساجد باب قضاء الصلاة والتعريس هو نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة قاله في النهاية لعل ذلك تعليماً للأمة لئلا يثقل بهم النوم فتفوتهم الصبح في أول وقتها
ويستفاد من الحديث أن من قارب وقت الصبح ينبغي أن يتجنب الاستغراق في النوم وأن يستلقي على هيئة تقتضي سرعة انتباهه إقتداءً بالمصطفى صل الله عليه وسلم

صفة عطاسه صل الله عليه وسلم

عن أبي هريرة رضي عنه : أن النبي صل الله عليه وسلم كان إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه وخفض بها صوته رواه أبو داود و الترمذي وصححه الحاكم وأقره الذهبي

صفة مشيته صل الله عليه وسلم

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ما رأيتُ شيئاً أحسن من رسول الله صل الله عليه وسلم كأنَّ الشمس تجري في وجهه وما رأيت أحداً أسرع من رسول الله صل الله عليه وسلم كأنَّما الأرض تطوى له إنَّا لَنُجهد أنفسنا وإنَّه غير مكترث عن أنس رضي الله عنه أنَّ النبي صل الله عليه وسلم كان إذا مشى تَكَفَّأ ( أي مال يميناً و شمالاً و مال إلى قصد المشية ) ويمشي الهُوَينا ( أي يُقارِب الخُطا )
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صل الله عليه وسلم كان إذا مشى مشى مجتمعاً ليس فيه كسل (أي شديد الحركة قوي الأعضاء غير مسترخ في المشي) رواه أحمد
كان صل الله عليه وسلم إذا التفت التفت معاً أي بجميع أجزائه فلا يلوي عنقه يمنة أو يسرة إذا نظر إلى الشيء لما في ذلك من الخفة و عدم الصيانة وإنّما كان يقبل جميعاً و يُدبِر جميعاً لأن ذلك أليَق بجلالته ومهابته هذا بالنسبة للاتفاته وراءه أمّا لو التفت يمنة أو يسرة فالظاهر أنه كان يلتفت بعنقه الشريف

صفة دُعائه صل الله عليه وسلم

كان النبي صل الله عليه وسلم يُحب الجوامع من الدعاء و يدع ما بين ذلك حديث صحيح رواه أحمد
و من دعاء الرسول صل الله عليه وسلم في الأخلاق :
اللهم اهدني لأحسن الأعمال وأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت و قني سيء الأعمال و سييء الأخلاق لايقي سَيِّئها إلا أنت أخرجه النسائي

صفة تسبيحه صل الله عليه وسلم

كان يعقد التسبيح بيمينه حديث صحيح رواه البخاري و الترمذي و أبو داود
أي يسبِّح على عقد أصابع يده اليمنى

من أخلاق الرسول صل الله عليه وسلم

عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما خُيِّرَ رسول الله صل الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً فإن كان إثماً كان أبعد ما يكون عنه
وما انتقم رسول الله صل الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط إلا أن تُنهَكَ حُرمة الله فينتقم للّه بها
عن عائشة أيضاً قالت : ما ضرب رسول الله صل الله عليه وسلم شيئاً بيده قط و لا امرأة و لا خدماً إلاّ أن يجاهد في سبيل الله و ما نيلَ من شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيئاً من محارِم الله فينتقم لله
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه (خادم رسول الله صل الله عليه وسلم) قال : كان رسول الله صل الله عليه وسلم من أحسن الناس خُلُقاً فأرسلني يومأً لِحاجة فقلت : والله لا أذهب وفي نفسي أن أذهب لِما أمرني به نبي الله صل الله عليه وسلم فخرجتُ حتى أمُرَّ على صبيان وهم يلعبون في السوق فإذا برسول الله صل الله عليه وسلم بقفاي (من ورائي) فنظرتُ إليه وهو يضحك قال رسول الله صل الله عليه وسلم : يا أُنَيس ذهبتَ حيث أمرتُك فقلت : أنا أذهب يا رسول الله قال أنس رضي الله عنه : والله لقد خدمته تسع سنين ما عَلِمته قال لشيء صنعتُه لم فعلتَ كذا وكذا؟ ولاعاب علَيّ شيئاً قط والله ما قال لي أُف قط رواه مسلم
قلت فكم من مرة قلنا لوالدينا أفٍّ أما رسول الله صل الله عليه وسلم فما قال لخادمه أفٍّ قط
عن أبي هالة عن الحسن بن علي قال أن النبي صل الله عليه وسلم كان خافض الطرف (من الخفض ضد الرفع فكان إذا نظر لم ينظر إلى شيء يخفض بصره لأن هذا من شأن من يكون دائم الفكرة لاشتغال قلبه بربه) نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء وكان جل نظره الملاحظة (المراد أنه لم يكن نظره إلى الأشياء كنظر أهل الحرص والشره بل بقدر الحاجة) يسوق أصحابه أمامه (أي يقدمهم أمامه ويمشي خلفهم تواضعاً أو إشارة إلى أنه كالمربي فينظر في أحوالهم وهيئتهم أو رعاية للضعفاء وإغاثة للفقراء أو تشريعاً وتعليماً وفي ذلك رد على أرباب الجاه وأصحاب التكبر والخيلاء ) وكان صل الله عليه وسلم يبدر من لقي بالسلام لقد كان النبي صل الله عليه وسلم من أكمل الناس شرفاً وألطفهم طبعاً وأعدلهم مزاجاً وأسمحهم صلة وأنداهم يداً لأنه مستغن عن الفانيات بالباقيات الصالحات

من تواضع الرسول صل الله عليه وسلم

قوله صل الله عليه وسلم : أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً و خِياركم خِياركم لِنسائه خُلُقا
قوله صل الله عليه وسلم : إن المؤمن لَيُدرك بِحُسن خُلُقه درجة الصائم القائم صحيح رواه أبو داود
العفو عند الخصام :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رجلاً شتم أبا بكر والنبي صل الله عليه وسلم جالس يتعجب و يبتسم فلما أكثر ردّ عليه بعض قوله فغضب النبي صل الله عليه وسلم فلحقه أبو بكر قائلاً له : يا رسول الله كان يشتمني وأنت جالس فلما رددت عليه بعض قوله غضبتَ وقُمتَ فقال له رسول الله صل الله عليه وسلم : كان معك مَلَك يرد عليه فلما رددتَ عليه وقع الشيطان (أي حضر) يا أبا بكر ثلاث كلهن حق : ما من عبد ظُلِمَ بمظلمة فيُغضي (أي يعفو) عنها لله عز و جل إلا أعزَّ الله بها نصره و ما فتح رجل باب عطِيَّة ( أي باب صدقة يعطيها لغيره) يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة و ما فتح رجل باب مسألة (أي يسأل الناس المال يريد بها كثرة إلا زاده الله بها قِلَّة عن أنس رضي الله عنه قال : ما كان شخص أحب إليهم من رسول الله صل الله عليه وسلم وكانو إذا رأوه لم يقوموا له لِما يعلمون من كراهيته لذلك رواه أحمد و الترمذي بسند صحيح
كان يزور الأنصار ويُسَلِّم على صبيانهم و يمسح رؤوسهم حديث صحيح رواه النسائي
كان عليه الصلاة والسلام يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم وكان يجلس على الأرض و يأكل على الأرض ويجيب دعوة العبد كما كان يدعى إلى خبز الشعير فيجيب
عن أنس رضي الله عنه قال : كانت ناقة رسول الله صل الله عليه وسلم لا تُسبَق أو لا تكاد تُسبَق فجاء أعرابي على قعود له (أي جمل) فسبقها فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه فقال الرسول صل الله عليه وسلم : حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه رواه البخاري

من رِفق الرسول صل الله عليه وسلم

قال الله تعالى : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عَنِتُّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}
عن أنس رضي الله عنه قال : بينما نحن في المجلس مع رسول الله صل الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد فصاح به أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم : مَه مَه ( أي اترك ) قال النبي عليه الصلاة و السلام : لا تُزرموه (لا تقطعوا بوله) فترك الصحابة الأعرابي يقضي بَوله ثم دعاه الرسول صل الله عليه وسلم و قال له إن المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر إنَّما هي لِذِكر الله والصلاة و قراءة القرآن ثم قال لأصحابه صل الله عليه وسلم : إنَّما بُعِثتم مُبَشِرين ولم تُبعَثوا معسرين صُبّوا عليه دلواً من الماء عندها قال الأعرابي : اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً
فقال له الرسول صل الله عليه وسلم : لقد تحجَّرتَ واسعاً (أي ضَيَّقتَ واسعاً) متفق عليه
عن عائشة رضي الله عنها رَوَت أنَّ اليهود أتوا النبي صل الله عليه وسلم فدار بينهم الحوار الآتي

اليهود : السَّام عليك أي الموت عليك
الرسول صل الله عليه وسلم : وعليكم
عائشة : السَّام عليكم ولعنكم الله وغَضِبَ عليكم
الرسول صل الله عليه وسلم : مهلاً يا عائشة عليكِ بالرِّفق و إيَّاكِ و العنف و الفُحش
عائشة : أوَلم تسمع ما قالوا ؟
الرسول صل الله عليه وسلم : أوَلم تسمعي ما قُلت رددتُ عليهم فيُستَجاب لي ولا يُستَجاب لهم فيَّ
وفي رواية لمسلم : (لا تكوني فاحشة فإنَّ الله لا يحب الفُحش والتَّفَحُّش

من الرحمة عند الرسول صل الله عليه وسلم

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قَبَّل رسول الله صل الله عليه وسلم الحَسَن بن عليّ وعنده الأقرع بن حابس التيمي فقال الأقرع : إنَّ لي عشرة من الولد ما قَبَّلتُ منهم أحداً فنظر إليه رسول الله صل الله عليه وسلم ثم قال : من لا يَرحم لا يُرحم متفق عليه

من سعة قلبه منذ طفولته إلى لحظة وفاته صل الله عليه وسلم

روى ابن اسحق و ابن هشام أنَّ حليمة لمَّا جاءت كان على صدرها ولد لا يشبع من ثديها و لا من ناقتها فناقتها عجفاء وثديها جاف وراحت تبحث عن طفل تُرضِعه وتأخذ من المال من أهله ما تأكل به طعاماً فيفيض حليباً بحثت في الأطفال فلم تَرَ إلا اليتيم (محمد صل الله عليه وسلم) فأعرضت عنه و سألت عن غيره فما جاءها غيره فعادت إليه أخذته ومشت تقول حليمة فيما رواه ابن اسحق : فلمَّا وضعته على ثديي ما أقبل عليه وقد شعرتُ أن ثديي قد امتلأ بالحليب أعطيه الثدي لا يقبله انتبهت إلى أن أخاه يبكي من الجوع فوضعته فأخذت أخاه فأرضعته فشرب فشبع ثم حملتُ ابني محمداً فوضعته على ثديي فأخذه ما أخذ ثديها وله أخ جائع و هو طفل صغير إن الله تعالى جعله محبوباً من اللحظة الأولى فما كان يقبل أن يأكل حتى يأكل أخاه وما كان يقبل أن يأكل حتى يفيض الطعام وما ثبت أن رسول الله صل الله عليه وسلم أكل من إناء وانتهى الطعام الذي فيه أبداً قال عنه عمه أبو طالب : كان إذا جاء الأولاد للطعام امتنع حتى يأكل الأولاد جميعاً و لا يقترب حتى يأكلوا لأنه لا يريد أن يُقَلِّل على أحد غذاءه فهو يصبر ليشبع الآخرون فما كان يوماً يُجاذِب الدنيا أحداً فهو يعلم أن الحب ينبع من إعراضك عن الدنيا فإذا أحببتَ الدنيا أعرض الناس عنك وإذا أحببتَ الله أقبَلَ الناس إليك
من منَّا إذا دخلَت عليه ابنته يقوم لها؟ كان إذا دخلت فاطمة قام لها وقال : مرحباً بمن أشبهَت خُلُقي وخلقي و تعالوا نرى كيف عبَّر عليه الصلاة والسلام عن حبه للزهراء هل كان ذلك بمال أو بأثاث؟ أبداً و لكن بقربان إلى الله تعالى فكانت كلما جاء جبريل عليه السلام بكنز فيه قربة من الله يقول صل الله عليه وسلم : " يا فاطمة جاءني جبريل بكنز من تحت العرش تعالي أعطيكِ إيَّاه فأنت أحبُّ الناس إلَيّ يا فاطمة ولمَّا شَكَت له يوماً من أعمال المنزل وطلبت منه خادمة قال لها عليه الصلاة والسلام : ألا أعطيكِ ما هو خير من ذلك؟ قالت : نعم فقال لها : تقولي بعد كل فريضة سبحان الله ثلاثاً وثلاثين والحمد لله ثلاثاً وثلاثين و الله أكبر ثلاث و ثلاثين وتمام المئة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير فهذا خير لها من الخادمة في الدنيا والآخرة فهو يُعينها في دنياها وينفعها في آخرتها وقد قبلت فاطمة ما أعطاها والدها وهي مسرورة فرِحَة

حبه لأمَّته صل الله عليه وسلم

بعد أن عُرِجَ بالنبي صل الله عليه وسلم و كَرَّمه ربه سأله رب العزة : يا محمد أبَقِيَ لكَ شيء؟ قال : نعم ربي فقال سبحانه وتعالى : سَل تُعط فقال : أمَّتي أمَّتي
لم يقل أبنائي لم يقل أصحابي لم يقل أهلي قال أمَّتي و قد ورد في بعض كتب التفسير عند قوله تعالى : {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}[الضحى: 5] أنه لمَّا نزلت عليه هذه الآية قال : اللهم لا أرضى يوم القيامة و واحد من أمَّتي في النار لقد أرسل لنا عليه الصلاة والسلام نحن الذين نعيش في هذا الزمن ولكل الذين عاشوا بعده : بلِّغوا السلام عني من آمن بي إلى يوم القيامة سَلَّمَ علينا قبل أن نكون شيئاً مذكوراً و عرفنا قبل أن نعرفه فكيف لا نكافىء هذا الحب بحب؟‍‍‍‍‍
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه عدد خلقك ورضاء نفسك و زنة عرشك ومداد كلماتك كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكرنا الغافلون


من كرم الرسول صل الله عليه وسلم

عن أنس رضي الله عنه أنَّ رجلاً سأل النبي 
صل الله عليه وسلم فأعطاه غنماً بين جبلين فأتى قومه فقال أي قوم أسلِموا فإنَّ محمداً يُعطي عطاء ما يخاف الفاقة فإنه كان الرجل لَيجيء إلى رسول الله صل الله عليه وسلم ما يريد إلا الدنيا فما يُمسي حتى يكون دينه أحَبُّ إليه و أعَزُّ عليه من الدنيا و ما فيها ولقد كان الرسول صل الله عليه وسلم أجود الناس صدراَ أي أن جوده كان عن طيب قلب وانشراح صدر لا عن تكلف وتصنع
وورد في رواية أخرى أنه عليه الصلاة والسلام كان أوسع الناس صدراَ وهو كناية عن عدم الملل من الناس على اختلاف طباعهم وتباين أمزجتهم

جامع صفاته صل الله عليه وسلم


عن إبراهيم بن محمد من ولد علي بن أبي طالب قال : كان علي رضي الله عنه إذا وصف النبي 
صل الله عليه وسلم قال : أجود الناس صدراً وأصدق الناس لهجة وألينهم عريكة وأكرمهم عشيرة من رآه بديهةً هابه ومن خالطه معرفةً أحبه يقول ناعِته لم أر قبله ولا بعده مثله صل الله عليه وسلم أخرجه الترمذي و ابن سعد و البغوي في شرح السنة و البيهقي في شعب الأيمان
و ما ألطف قول ابن الوردي رحمه الله تعالى : يا ألطف مرسل كريم ما ألطـف هذه الشمائل

عراقة أصله صل الله عليه وسلم 

هو خير أهل الأرض نسباً على الإطلاق فلِنَسَبِهِ من الشرف أعلى ذروة وأعداؤه كانوا يشهدون له بذلك ولهذا شهد له به عدوه إذ ذاك أبو سفيان بين يدي ملك الروم فأشرف القوم قومه وأشرف القبائل قبيلته وصدق الله تبارك وتعالى إذ يقول : {فَإنَّهُمْ لاَ يُكَذَّبُونكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ} ويؤيد ذلك ما جاء على لسان أبي جهل عدو الله وعدو رسوله إذ قال للنبي 
صل الله عليه وسلم قد نعلم يا محمد أنك تصل الرحم وتصدق الحديث ولا نكذبك ولكنّ نكذب الذي جئت به أخرجه الحاكم في مستدركه هذا صحيح على شرط الشيخين
فأنزل الله عز وجل : {قَد نَعْلَمُ إنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذَّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِنَ بآيَاتِ الله يَجحَدُونَ} [الأنعام: 33]
 ولهذا ورد أنهم عرضوا عليه الجاه والسيادة والملك وجمع الأموال والمغريات الأخرى مقابل ترك هذه الدعوة أو جزءاً منها كحل وسط ولكنهم لم ينجحوا فيها لأنّ موقف الرسول 
صل الله عليه وسلم كان ثابتاً وعرض هذه الأمور عليه يدل على سمو مكانة النبي صل الله عليه وسلم من جهة النسب عند قومه قريش الذين كانوا يأنفون أن يخضعوا للوضيع مهما كان الأمر وخاصة إذا جاء بأمر يخالف عاداتهم وتقاليدهم مثل ما جاء به رسول الله صل الله عليه وسلم من الدين الحنيف والدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك والأوثان وما كان سائداً في مجتمع مكة من عادات وتقاليد جاهلية

عادة الصحابة في تعظيمه وتوقيره وإجلاله 
صل الله عليه وسلم

عن ابن شُمَاسَةَ المهَرِيِّ قال حضرنا عمرو ابن العاص فذكر لنا حديثاً طويلاً فيه : وما كان أحدٌ أحب إليَّ من رسول الله 
صل الله عليه وسلم ولا أجلَّ في عيني منه وما كنت أطيقُ أن أملأ عيني منهُ إجلالاً له ولو سئلتُ أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن املأ عيني منه وروى الترمذي عن أنس أن رسول الله صل الله عليه وسلم كان يخرج على أصحابه من المهاجرين والأنصار وهم جلوس فيهم أبو بكر وعمر فلا يرفع أحدُ منهم إليه بصره إلا أبو بكر وعمرُ فإنهما كانا ينظران إليه وينظر إليهما ويبتسمان إليه ويبتسمُ لهما ولما أذنت قريش لعثمان في الطواف بالبيت حين وجهه النبي صل الله عليه وسلم إليهم في القضية أبى وقال : ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صل الله عليه وسلم
وروى أسامة بن شريك قال : أتيت النبي صل الله عليه وسلم وأصحابه حوله كأنما على رؤوسهم الطير
وفي رواية أخرى : إذا تكلم أطرق جلساؤه وكأنما على رؤوسهم الطير
وقال عروة بن مسعود حين وَجَّهَتْهُ قريش عام القضية إلى رسول الله 
صل الله عليه وسلم ورأى من تعظيم أصحابه له ما رأى وأنه لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوئه وكادوا يقتتلون عليه ولا يبصق بصاقاً ولا يتنخم نخامة إلا تلقوها بأكفهم فدلكوا بها وجوههم وأجسادهم ولا تسقط منه شعرة إلا ابتدروها وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يُحِدَّونَ إليه النظر تعظيماً له فلما رجع إلى قريش قال يا معشر قريش إني جئتُ كسرى في ملكه وقيصر في ملكه والنجاشي في ملكه وإني والله ما رأيت ملكاً في قوم قط مثل محمد في أصحابه وقد رأيت قوماً لا يسلمونه أبداً

غض الصوت وقت مخاطبته صل الله عليه وسلم


من المعلوم أنَ الرسول 
صل الله عليه وسلم هو المصدر الوحيد الذي يتلقى عنه المسلمون تعاليم الله سبحانه وتعالى سواء كان قرآنا أو سنة أو حديثاً قدسياً لذلك يجب عليهم أن يتأدبوا معه صل الله عليه وسلم أثناء كلامه معهم أو كلامهم معه وذلك بخفض الصوت وترك الجهر العالي كما يكون بين الإنسان وصديقه لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذينَ ءامنوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ولاَ تَجْهَرُوا لَهُ بالقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2]
 يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية : هذا أدب ثان أدّب الله تعالى به المؤمنين أن لا يرفعوا أصواتهم بين يدي النبي 
صل الله عليه وسلم فوق صوته والأدب هنا يحصل بمجانبة أمرين أثنين : أولاهما : رفع الصوت فوق صوتهصل الله عليه وسلم أخذا من النهي الوارد في قوله {لاَ تَرْفَعُوا أّصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتَ النَّبيِّ } ثانيهما : الجهر بالقول له صل الله عليه وسلم كالجهر بعضكم بعضاً أخذا من النهي الوارد في قوله تعالى : ولاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ}
 وقد فرق المفسرون بين النهيين الواردين في الآية حيث قالوا : إن الأول يتعلق برفع الصوت فوق صوته 
صل الله عليه وسلم أثناء كلامه معهم وأما الثاني فيتعلق بالجهر له صل الله عليه وسلم وقت صمته ومنهم من يقول : إن النهي الأول يتعلق وقت خطابه معهم أو خطابهم معه أو صمته وأنّ الثاني يتعلق بندائه صل الله عليه وسلم باسمه المجرد أو بكنيته مثل يا محمد أو يا أبا القاسم وقد أجمل النيسابوري رحمه الله تعالى في ما ورد في التفريق بين هذين النهيين قائلاً :
والجمهور على أن بين النهيين فرقاً ثم اختلفوا فقيل :
 الأول : فيما إذا نطق ونطقتم أو أنصت ونطقوا في أثناء كلامه فنهوا أن يكون جهرهم باهر الجهر
 والثاني : فيما إذا سكت ونطقوا ونهوا عن جهر مقيد بما اعتادوه بما بينهم وهو الخالي عن مراعاة أبهة النبوة وقيل : النهي الأول أعم مما إذا نطق ونطقوا أو أنصت ونطقوا والمراد بالنهي الثاني أن لا ينادى وقت الخطاب باسمه أو كنيته كنداء بعضكم لبعض فلا يقال : يا أحمد يا محمد يا أبا القاسم ولكن يا نبي الله يا رسول الله والأدب الثاني هو أدبهم مع نبيهم في الحديث والخطاب وتوقيرهم له في قلوبهم توقيراً ينعكس على نبراتهم وأصواتهم ويميز شخص رسول الله 
صل الله عليه وسلم بينهم ويمييز مجلسه فيهم والله يدعوهم إلى ذلك النداء الحبيب ويحذرهم من مخالفة ذلك التحذير الرهيب والتحذير الرهيب هو إحباط العمل الصالح بدون شعور صاحبه أخذاً من قوله تعالى أّنْ تَحْبَطَ أَعْمِالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ
وأحسن ما قيل في تأويل هذه الآية ما ذكره ابن المنير رحمه الله حيث يقول 
القاعدة المختارة أنّ إيذاءه عليه الصلاة والسلام يبلغ مبلغ الكفر المحبط للعمل باتفاق فورد النهي عما هو مظنّة لأذى النبي صل الله عليه وسلم سواء وجد هذا المعنى أو لا حمايةً للذريعة وحسماً للمادة وهذا على غرار قوله تعالى في قضية الإفك :{... وَتَحْسَبُونَهُ هَيَّناً وَهوَ عِندَ اللهِ عَظِيمٌ} وقوله صل الله عليه وسلم" إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوى بها في جهنم صحيح البخاري
 وقد التزم الصحابة رضوان الله عليهم بهذا الأدب مع رسول الله 
صل الله عليه وسلم في عهده كما ورد في الآثار : منها قول أبي بكر رضي الله عنه لرسول الله صل الله عليه وسلم : والذي أنزل عليك الكتاب يا رسول الله لا أكلمك إلا كأخي السرار حتى ألقى الله عز وجل أورده الحاكم في مستدركه وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي
 هكذا ارتعشت قلوبهم وارتجفت تحت وقع ذلك النداء الحبيب وذلك التحذير الرهيب وهكذا تأدبوا في حضرة رسول الله 
صل الله عليه وسلم خشية أن تحبط أعمالهم وهم لا يشعرون وتداركوا أمرهم ولكنّ هذا المنزلق الخافي عليهم كان أخوف عليهم فخافوه واتقوه
{إنَّ الذينَ يَغُضُّونَ أَصوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولَئِكَ الَّذِيْنَ امتَحَنَ اللهُ قُلوبَهُمْ للِتَّقْوَى لَهُم مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} [الحجرات3]
 هكذا كان الأمر في حياته 
صل الله عليه وسلم وأمَا بعد مماته فكذلك يجب على المسلم أن يتأدب مع رسول الله صل الله عليه وسلم بحيث لا يرفع صوته عند سماع أحاديثه صل الله عليه وسلم لأن حرمته ميتاً كحرمته حياً سواءً بسواء وأن أحاديثه تقوم مقامه و يقول ابن العربي رحمه الله تعالى حرمة النبي صل الله عليه وسلم ميتاً كحرمته حياً وكلامه المأثور بعد موته في الرفعة مثل كلامه المسموع من لفظه فإذا قُرِيء كلامه وجب على كل حاضر ألا يرفع صوته عليه ولا يعرض عنه كما كان يلزمه ذلك في مجلسه عند تلفظه به وقد نبّه الله تعالى على دوام الحرمة المذكورة على مرور الأزمنة بقوله تعالى
{وإذا قُرِىءَ القُرْآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأَنصِتُوا } [الأعراف: 204]


 وكلام النبي 
صل الله عليه وسلم من الوحي وله الحرمة مثلما القرآن إلا معاني مستثناة بيانها في كتب الفقه والله أعلم
ويُراعى هذا الأدب وهو عدم رفع الصوت أيضا في مسجده 
صل الله عليه وسلم لما أخرجه البخاري بسنده عن السائب بن يزيد قال: كنتُ قائماً في المسجد فحصبني رجل فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب فقال : اذهب فأتِني بهذين فجئته بهما قال : من أنتما؟ أو من أين أنتما؟ قالا : من أهل الطائف قال : لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صل الله عليه وسلم صحيح البخاري
 كما أن هذا الأدب المستفاد من الآية يكون مع العلماء لأنهم ورثة الأنبياء وكذلك مع الأبوين وغيرهما لمن له فضل على الإنسان المسلم فلا شك أنّ هؤلاء الأشخاص يأخذون هذا الحكم وينبغي التأدب معهم وتوقيرهم بالشكل اللائق بهم مع مراعاة الفرق بينهم وبين رسول الله 
صل الله عليه وسلم لأنَ مقامه أرفع من هؤلاء جميعاً وهو صل الله عليه وسلم المعنيُّ بالآية أصلاً وهؤلاء تبعاً وليس الفرع كالأصل وإن اشتركا في أمور
والله تعالى يقول : {النَّبيُّ أَوْلَى بالمُؤْمِنِيْنَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } [الأحزاب: 6]
بل ينبغي أن يحترم العبد النبي 
صل الله عليه وسلم أكثر من سيده وفي مجال التأدب مع الرسول صل الله عليه وسلم جاء التنبيه في القرآن الكريم على ضرورة عدم مناداته بطريقة جافة ومزعجة بل لا بد من مراعاة مقامه وقدره وبالأخص عندما يكون في بيته مع نسائه وأولاده يقول تعالى : {إنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الحُجُرَاتِ أَكْثَرُهم لاَ يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ واللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 4]
 عن الأقرع بن حابس رضي الله عنه أنه أتى النبي 
صل الله عليه وسلم فقال : يا محمد أخرج إلينا فلم يجبه فقال : يا محمد إن حمدي زين وانّ ذمي شين
فقال الله تعالى : {إنَّ الَّذِيْنَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} وقد تضمنت الآية أمرين : أولهما: عدم إزعاج الرسول 
صل الله عليه وسلم في وقت خلوته في بيته مع نسائه بالنداء غير اللائق به وثانيهما : الإرشاد إلى ما ينبغي أن يفعل في هذه الحالة وهو الانتظار إلى أن يحين وقت خروجه و في ذلك
قال الله عز وجل : {وّلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} أي : لكان في ذلك الخير والمصلحة في الدنيا والآخرة وهذا لا يعني أنه لا يجوز مناداته 
صل الله عليه وسلم بتاتاً وإنما المحظور مناداته في وقت خلوته مع نسائه في بيته كما في هذه الحالة وكذلك مناداته بصوت مرتفع خالٍ من الاحترام والتقدير بل ينبغي أن ينادى بصوت منخفض وبصيغة معينة تتناسب مع قدره وعظمته ووقاره مثل : يا رسول الله يا نبي الله لا مجرد اسمه مثل : يا محمد ويا أحمد ويا أبا القاسم كما ينادي الناس بعضهم بعضاً وهذا ما أشار إليه قوله تعالى: {لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} [النور: 63]
 ومما تدل عليه هذه الآية أنه نهي لهم عن الإبطاء إذا أمرهم والتأخر إذا دعاهم يجب على المسلم أن يدع هذه النداءات السوقية في لفظها وكيفيتها مثل : يا محمد ويا أحمد أو كنيته مثل: يا أبا القاسم كما كانوا يفعلونه من قبل وأن يناديه 
صل الله عليه وسلم نداءً يتناسب مع مقامه ومكانته مثل : يا رسول الله ويا نبي الله اقتداءً بما في القرآن من نداء الله سبحانه وتعالى له صل الله عليه وسلم بحيث لم يناد رسوله في القرآن بمجرد اسمه ولو مرة واحدة وإنما ناداه بصفة النبوة والرسالة وغيرها من الصفات الثابتة له في القرآن الكريم كقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبيُّ قُلْ لأزْوَجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا} [الأحزاب: 28]
و {يا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ قمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً }

هناك تعليقان (2):

  1. [جزاك الله عن الاسلام والمسلمين وعن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خير الجزاء

    ردحذف