قصة سيدنا نوح عليه السلام

كان سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام أول نبي أرسله الله سبحانه بعد إدريس عليه الصلاة والسلام وكان نجار في وقت الإنسان يعيش طويلا فبعث الله سبحانه نبيا و عمره ثمان مائة و خمسون سنة و لما رأى قومه ضلو عن عبادة الله و راحو يعبدون الأصنام و الأوثان ، دعاهم إلى عبادة الله الواحد و التقوى والصلاح {وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين} (الشعراء : 109) فكانت ردة فعلهم على دعوته تلك أن ظلو يضربونه كل مرة حتى يفقد وعيه و كلما أفاق من غيبوبته توجه إلى الله سبحانه و قال : " اللهم اهد قومي فإنهم لا يعملون " فيعيدون إلى ضربه حتى تسيل الدماء من أذنيه و يغمى عليه من جديد فيلقونه في بيته أو على باب داره فاقدا وعيه {وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا} (نوح : 23)
{لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين} [ الأعراف : 59 - 64 ]
غضب الله سبحانه على قوم نوح لما رآهم ما يفعلونه من أذى و تنكيل بنبيه وهم يعبدون أصناما سموها آلهة و أطلقو عليها أسماء مختلفة
فأعقم الله نسائهم و جعلهم غير قادرين على إنجاب الأطفال لمدة أربعين سنة و كذلك قد إبتلاهم الله بالجفاف و قلة المطر فيبس زرعهم و قل المال و الرزق فإفتقرو و كادو يهلكون
فقال لهم سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام "استغفرو ربكم إنه غفار " و أخبرهم أن الله سبحانه سيغفر لهم تابعو إليه و ينزل عليهم المطر و يعطيهم الخير و الرزق الكثير و أن هذه الأصنام التي يعبدونها لا تملك من أمرها شيئا
لكن قومه رغم كل ذلك لم يستجيبو لدعوته و قد رأو أن كل من آمن معه و إتبعه كان من فقراء القوم فتكبرو عليه ووصفوه بالجنون بل دعوه إلى أن يطرد الذين آمنو و يكف عن مصاحبتهم لكن سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام ظل يدعو و يدعو على أمل أن يهتدي قومه و يؤكد لهم أنه لا يدعي كونه ملكا و لا يملك خزائن الله و لا يمكنه أن يتخلى عن أولئك المؤمنين الذين يحتقرونهم و يزدرونهم ففي ذلك ظلم و هو لن يكون من الظالمين {وما أنا بطارد المؤمنين} (الشعراء : 114)
بعد ذلك قام قوم سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام بتهديده إن استمر في دعوته إلى عبادة الله الواحد و قالو له "لئنلم تكف يا نوح فلسوف نرجمك بالحجارة"
و لكن سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام تحداهم و قال لهم : " إن أردتم إيذائي فإفعلو ما تشاؤون"
و ظل نوح عليه الصلاة والسلام يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاما و بعد كل هذا العمر المديد من حياة نبي الله بينهم ظلو على جهلهم و قالو : "لن نترك عبادة أصنامنا و لن نتبع نوح"
و قالو لسيدنا نوح عليه الصلاة والسلام : "إن كنت صادقا فأتنا بالعذاب الذي حدثتنا عنه"
فأجابهم عليه السلام : "إنما يأتيكم به الله سبحانه"
وهنا نجى سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام ربه يشكو إليه ما يعانيه في محاولة إرشاد قومه و هدايتهم
إنه لم يترك وسيلة في دعوتهم إلا استعملها : ليلاو نهارا ، سرا و علنا ، ترغيبا و تخويفا و لم يتركو وسيلة في صده إلا استعملوها : إنذارا و تهديدا و فرارا و عنادا و إصرارا حتى أنهم حولو إغلاق آذانهم كي لا يسمعوه و أخيرا نوو أن يرجموه بالحجارة
فأوحى الله سبحانه إلى نوح عليه الصلاة والسلام بأن لا يحزن من أفعالهم وأنه لن يؤمن منهم غير الذين قد آمنو من قبل و حبن علم نوح عليه الصلاة والسلام ذلك دعا على الكافرين جميعا و طلب من الله سبحانه أن ينجيه و أن لا يترك الكافرين على الأرض أحدا لأن من بقي منهم سيضل الأخرين و لن يكون أولاده إلا فجارا و كافرين وإستجاب الله لدعاء سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام
فأمره بزراعة النخل و كان قومه يسخرون منه ولكن سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام كان ينتظر أمر الله و بعد خمسين سنة أمره الله سبحانه أن يصنع سفينة كبيرة و أمر جبرائيل عليه السلام أن يعلمه صنعها . فكان طولها في الأرض ألفا و مائتي دراع و عرضها ثمانمائة ذراع و طولها في السماء ثمانين ذراع
واحتاج نوح عليه الصلاة والسلام إلى من يساعده على صنعها ، فأوحى إليه الله سبحانه : {كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر فدعا ربه أني مغلوب فانتصر ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر ولقد تركناها آية فهل من مدكر فكيف كان عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} [ القمر : 9 - 17 ]
و بذلك أعانه الناس على صنعها إلا انهم لم يكفو عن السخرية منه و هم يعجبون من أمره إذ يبني سفينة في الصحراء أما السفينة قد صنعها بدقة رائعة و كان فيها درتان عظيمتان إحداهما تضيء في النار ضوء الشمس و الثانية تضيء في الليل ضوء القمر كي يعرف مواقيت الصلاة {قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم} (هود : 48)
{فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون * ثم أغرقنا بعد الباقين * إن في ذلك لآية وما أكثرهم مؤمنين} (الشعراء : 119-121)
كان نوح عليه الصلاة والسلام قبل ذلك تزوج من إمرأتين إحداهما مؤمنة و إسمها عمورة بنت ضمران و الثانية كافرة لم تؤمن رغم كل ما بينه لها من الآيات وكل ماحمله من نور
أما عمورة فلقد أمر الله تعالى بالزواج منها و بشره بأنها ستكون أول من يؤمن به و رغم أن قومها عذبوها و سجنوها كي لا تتبعه إلا أنها أصرت على إيمانها وتزوجت بعد ذلك و أنجبت ولده سام عليه السلام
كانت امرأة نوح تخبز في التنورة حين نبع منه الماء وتفجرت عيون الأرض و بدأت السماء ترسل المطر الغزير
و إلتقى ماء السماء و ماء الأرض فارتفع الماء و كثرت السيول واهتزت الأرض و انكسفت الشمس
أخيرا جاء أمر السفينة و أمر الله سبحانه نوح بأن ينادي الناس و سائر الحيوانات
و لما حضرت جميع أنواع الحيونات أدخل نوح عليه الصلاة والسلام فيها كل نوع زوجين أما البشر فلبى منهم دعوة نوح ثمانون شخصا
وكان سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام قد اتخد لكل نوع من أجناس الحيوانات موضعا خاصا في السفينة وأعد لهم ما يحتاجون إليه من مؤون و الطعام و الشراب و كذلك لجميع أنواع الطيور ، فقال عليه السلام لمخلوقات سفينته : "إركبو فيها على إسم الله تجري و ترسو ، إن ربي لغفور رحيم"
ثم تحركت السفينة بركابها و كان لنوح إبن إسمه كنعان نظر إليه و هو خائف عليه لأن البلاء يحيط به من كل جانب فأشفق عليه و ناداه قائلا : "يا بني اركب معنا و لا تكن من الكافرين" فقال : "سآوي إلى جبل يحميني من الماء"
فقال له لن ينجو اليوم من أمر الله إلا من رحمه الله " فغرق . حينها دعا نوح عليه الصلاة والسلام ربه يرجو منه أن ينجي ولده من الغرق قائلا "رب أنت وعدتني ان تنجيني مع أهلي و إن إبني من أهلي و إن وعدك الحفكق و أنت أحكم الحاكمين " فقال سبحانه له : {قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح} (هود : 46) و بعد ذلك إعتدر سيدنا نوح ربه قائلا : "ربي لا تجعلني أسألك ما ليس لي به علم فاغفر لي و ارحمني"
و ظل الماء يرتفع حتى وصل إلى عشرات الأمتار بل مئات و سارت السفينة في موج كالجبال حتى وصلت إلى مكة المكرمة و طافت بالبيت و قد غرق كل من على الأرض حتى الجبال العالية جدا و لم يسلم من الغرق سوى البيت الكريم الذي سمي بالبيت العتيق واستمر فيض الماء أربعين صباحا حتى غرق كل البشر و كل الحيونات و ماتو جميعا . فدعا سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام الله وقال : "يارب رحماك ، ارحمنا و ألطفن بنا"
فإنقطع المطر و أمر الله سبحانه السماء بأن تكف عن إنزاله و هدت الرياح و العواصف وصحا الجو و لكن الأرض كلها صارت بحرا واحدا كبيرا لا ينتهي ، فأمرها الله أن تبتلع الماء الذي نبع منها ، و بقي ماء السماء على وجهها فكانت منه بحار الدنيا بعد أن أمر اللهه سبحانه جبرائيل عليه السلام أن يسقوها لتكون كما هي عليه الأن من بحار الأرض
بعد أن بلعت الأرض ماءها و ظهرت اليابسة ، قال الله تعالى لسيدنا نوح عليه الصلاة والسلام "اهبط من السفينة بسلام و بركة أنت ومن معك"
وكانت السفينة قد توقفت على جبل في الموصل إسمه الجودي ونزل من عليها من بشر وما عليها من حيونات فما كان على الأرض سواهم"
وانتشر نوح عليه السلام و أبناؤه و أصحابه المؤمنون في أرجاء الأرض و عمروها و أنشأو فيها المزارع و البساتين مستعينين بما أتاهم الله من قوة و ما سخر لهم من الحيوانات و الدواب إلى ما شاء الله
ليست هناك تعليقات