حقيقة زرارة بن اعين

وردت مرويات الأئمة بإعداد لا تحصى فكان ولا بد من تمحيص هذه المرويات ومعرفة صحيحها من سقيمها والتعرف على ما كان قد قيل حقاً وعلى ما نسب زوراً وكذباً إليهم, وكيف لا يكذب عليهم وقد كذب على إمامهم محمد صل الله عليه وسلم ولذلك نستعرض هنا مواقف وكلمات حول أحد الرواة بل هو من أعظم رواة الشيعة ونرى قدره ومكانته
هذا الراوي هو زرارة فمن زرارة ؟!

هو زرارة بن أعين بن سنسن ويكنى أبا الحسن وأبا علي أيضاً وكان سنن عبداً رومياً كما ورد في الفهرست للطوسي ص104


وقد وقع زرارة في إسناد كثير من الروايات تبلغ ألفين وأربعة وتسعين مورداً (2094) كما في معجم رجال الحديث جـ8 ص254 ولذلك كان يلقب بـ (خزينة أحاديث الأئمة) كما في رجال حول أهل البيت جـ2 ص94


وقد وثق زرارة شيوخ الشيعة كـالطوسي و النجاشي و ابن المطهر وغيرهم

ولكن الغرابة تكمن في أن زرارة الذي وُصف بما سبق من كثرة المرويات وتوثيق علماء الشيعة له واعتماد كثير من الأخبار عليه حين نقلها قد تم جرحه وذمة فهذا سيفان الثوري يقول كما في لسان الميزان جـ2 ص474 عن زرارة "ما رأى أبا جعفر" وحين قيل له روى زرارة بن أعين عن جعفر كتاباً قال : "ما هو؟ ما رأى أبا جعفر لكنه كان يتتبع حديثه"


وقد جاء بعض شيوخ الشيعة المعاصرين كالموسوي في المراجعات ص313 بكلام منه :
"لم تجد أثراً مما نسبوه إلى كل من زرارة بن أعين ومحمد بن سليم ومؤمن الطاق وأمثالهم مع أنا قد استفرغنا الوسع والطاقة بالبحث عن ذلك وما هو إلا البغي والعدوان" مشيراً بذلك إلى أنه لا أهل لما ذُكر عن زرارة من ذم

وأنا أحسن الظن وأقول : لعل وسعه وطاقته مع إطلاعه الواسع لم يمكنه من الوصول إلى هذه المرويات التي تقدح في زرارة والتي رأيت منها قرابة 36 رواية ذكرها صاحب معجم رجال الحديث وضعف بعضها وبحث عن مخارج الأخرى وسكت عن ثالثة لم يعلق عليها إلا بتعليق عام حين حملها على التقية وأنا أورد لك أيها الباحث الكريم بعضها وأذكّرك أنها مروية عن الأئمة الذي يعتقد الشيعة فيهم العصمة وسأعلق عليها وأترك لك مزيداً من التعليق والتأمل فيها فإنك أهلٌ لذاك وفقني الله وإياك للهدى والحق وأبعد عنا الهوى وإتباع الشهوات... آمين

الرواية الأولى :
"نقل الكشي عن زرارة قالت سألت أبا عبدالله عليه السلام عن التشهد.. قلت التحيات والصلوات.. فسألته عن الشهر فقال كمثله قال التحيات والصلوات فما خرجت ضرطت في لحيته وقلت لا يفلح أبداً" معرفة أخبار الرجال ص106
فأي إهانة أعظم من هذه فيحق شخص من عامة الناس فكيف بإمام جليل كجعفر الصادق رحمه الله وربما قال هذا الكلام زرارة من عنده أما الجرأة على هذا العمل وعلى الإمام جعفر فلا توجد عن أحد وهذه الرواية تكفي حكايتها والعاقل خصيم نفسه

الرواية الثانية :
أيها المطّلع الكريم لا تستغرب الرواية السابقة إذا عرفت هذه الرواية الصحيحة عن الإمام جعفر حيث يروي زياد بن أبي الحلال قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام : إن زرارة روى عنك في الاستطاعة شيئاً فقبلنا منه وصدقناه وقد أحببت أن أعرضه عليك فقال : هاته فقلت : يزعم أنه سألك عن قول الله عز وجل : {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} فقلت : من ملك زاداً وراحلة فقال لك : كل من ملك زاداً وراحلة فهو مستطيع للحج وإن لم يحج؟ فقلت : نعم؟ : فقال (أي أبوعبدالله) : ليس هكذا سألني ولا هكذا قلت كذب علي والله كذب علي والله العن الله زرارة لعن زرارة لعن الله زرارة إنما قال لي : من كان له زاد وراحلة فهو مستطيع للحج؟ قلت : قد وجب عليه قال : فمستطيع هو؟ فقلت : لا حتى يؤذن له قلت : فاخبر زرارة بذلك؟ قال : نعم قال زياد : فقد من الكوفة فلقيت زرارة فأخبرته بما قال أبوعبدالله وسكت عن لعنة قال : أما إنه قد أعطاني الاستطاعة ما حيث لا يعلم وصاحبكم هذا ليس له بصر بالرجال
وهذه الرواية نقلها الكشي كما ذكر الخوئي في معجم رجال الحديث جـ8 ص246ـ 247 ولم يعلق عليها


ولا يخفى عليك عزيزي الزائر بأن اللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله وهو صادر ممن عقيدة الشيعة فيه العصمة فهل يُقبل بعد هذا توثيق من وثق زرارة مع لعن الإمام له وبيان كذبه عليه إلا أن يقال أنها التقية كما ذكر ذلك بعض علماء الشيعة ولكن السؤال : أليس المحاور لأبي عبدالله من الشيعة؟! أعني زياد بن أبي الحلال الذي قال فيه النجاشي : كوفي مولى ثقة روى عن أبي عبدالله عليه السلام. فكيف يتقيه أبوعبدالله؟‍
ثم إن كان كلام أبوعبدالله تقيه فما تخريج قدح زرارة في أبي عبدالله حين قال : وصاحبكم هذا ليس له رصد بكلام الرجال فتأمل يرعاك الله وتتبع الروايات تجد تناقضاً عجيباً
ثم إن بعض شيوخ الشيعة روى أن الإمام عاب زرارة دفاعاً منه عنه وحفظاً له من أذى الأعداء وهذا مروي عن عبدالله بن زرارة ولا يخفى عليك أن رواية الابن مجروحة لأنه يدافع عن والده فتأمل وتدبر

الرواية الثالثة :
نقل الكشي رواية ذكرها صاحب معجم رجال الحديث جـ8 ص243 بعد أن ساق الإسناد عن زرارة قال : قال لي أبو جعفر : حدث عن بني إسرائيل ولا حرج قال : قلت : جعلت فداك والله إن في أحاديث الشيعة ما هو أعجب من أحاديثهم قال : وأي شيء هو يا زرارة؟ قال : فاختلس من قلبي فمكثت ساعة لا أذكر شيئاً مما أريد قال : لعلك تريد الغيبة؟ قالت : نعم قال: فصدق بها فإنها حق
أليست هذه الرواية تدل على شك في عقيدة الغيبة عند زرارة ولم يكن موقناً بها والعقائد لا يجوز الشك فيها فكيف إذا كان الشك من خزينة أحاديث الأئمة؟!

الرواية الرابعة :
ذكرها الخوئي في معجم رجال الحديث جـ8 ص243 ـ 244 بعد أن ساق إسناده إلى عيسى بن أبي منصور وأبي أسامة الشحّام ويعقوب الأحمر (جميعاً) قالوا : كنا جلوساً عند أبي عبدالله عليه السلام فدخل عليه زرارة فقال : إن الحكم بن عيينة حدّث عن أبيك أنه قال : صل المغرب دون مزدلفة فقال أبوعبدالله عليه السلام : أنا تأملته ما قال أبي هذا قط كذب الحكم على أبي قال فخرج زرارة وهو يقول ما أرى الحكم كذب على أبيه
فتأمل قول زرارة وكيف يكذّب الإمام المعصوم ويعتبره مخطئاً حين عارضه في كلامه ونقض حديثه فهل مثل هذا يوثق؟!

الرواية الخامسة :
جاء في معجم رجال الحديث جـ8 ص239 نقلاً عن الكشي عن جميل بن دراج وغيره قال : وجّه زرارة عبيداً ابنه إلى المدينة ليستخبر له خبر أبي الحسن عليه السلام و عبدالله بن أبي عبدالله فمات قبل أن يرجع إليه عبيد
يا سبحان الله خزينة أحاديث الأئمة لا يعرف إمام زمانه وهو أقرب الناس إلى والده فهل يجهل مثل هذا من قد نُص عليه بالإمامة وجاء الوحي بذلك فأي مثلبة هذه إلا أن لا يكون نُص على أئمة فهنا مُعّذر زرارة أما القول بأنه كان يعرف إمام زمانه الكاظم ولكنه أرسل ابنه ليتعرف من الإمام يجوز له أن يرفع التقية في إظهار أمره فهذا تنقضه الرواية حين قال : ليستخبرله خبر أبي الحسن عليه السلام وعبد الله بن أبي عبدالله أي أيهما الإمام فتأمل أجوبة بعض مشايخ الشيعة ترى فيها تناقضاً مع ما ورد في الروايات التي صححوها كهذه الرواية

الرواية السادسة :
ورد في الفروع من الكافي للكليني جـ5 ص105 عن الوليد بن صبيح قال : دخلت على أبي عبدالله عليه السلام فاستقبلني زرارة خارجاً من عنده فقال لي أبوعبدالله عليه السلام : يا وليد أما تعجب من زرارة سألني عن أعمال هؤلاء أيُ شُيء وكان يريد أيريد أن أقول له : لا فيروي ذلك عني ثم قال : يا وليد متى كانت الشيعة تسأل عن أعمالهم إنما كانت الشيعة تقول : يؤكل من طعامهم ويُشرب من شرابهم ويُستظل بظلهم متى كانت الشيعة تسأل عن هذا
تأمل هذه الرواية وانظر ما ذا قال الإمام عن زرارة وأنه يروي ما يهوى ويوافق هواه أليس في هذا قدح في زرارة؟!

أيها القارئ الكريم
هذه بعض الروايات وتركت أكثر منها حتى لا أطيل عليك ولكني رأيت عجباً حين قرأت بعض التعليقات على بعض الروايات في ذم زرارة ورأيتها تضّعف الرواية لبعض الرواة مثل محمد بن عيسى بن عبيد الذي وثقه بعض علماء الشيعة وبالمقابل يأتي من ضعّف هذه الرواية التي تقدح في زرارة لوجود محمد بن عيسى فيها ويروي مرويات فيها ثناء على زرارة ومن طريق محمد بن عيسى كما ورد في حاوي الأقوال في معرفة الرجال جـ1 ص393 حين أثنى على زرارة في رواية عن أبي عبدالله

عزيزي القارئ :
هذه بعض الروايات أضعها بين يديك وانتظر منك التمحيص فيها والنظر إليها بنظرة الناقد البصير فإن أصبت فيما أتيت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان وإياك من نظرة المقلد ثم إياك بل أَعِمل عقلك ولنقل سوياً هذا خطأ وذاك صواب حيث وجدناه حتى نتفق أكثر وأكثر والله الموفق لكل خير

بقلم : محمد بن عبد الرحمن

ليست هناك تعليقات