الإمام أبن حجر العسقلاني رضي الله عنه


في نهايات القرن الثامن من الهجرة كانت الحركة العلمية نشطة ومزدهرة ولد في القاهرة العالم الأديب أحمد بن حجر العسقلاني بن العالم علي بن حجرٍ العسقلاني
ولقد توفي والد الإمام أحمد بن حجر وابنه من العمر الصِغرَ وتربى على يدِ شخصٍ صالحٍ من أصدقاءِ أبوه الذي توفي وتركَه عنده
وحفظ أحمد بن حجر العسقلاني حِفظَ القرآن الكريم وقبل أن يصلِ للثانية عشرة من عُمُرِه
وكان يقول وهو صغير لصديقِ والده الذي يُربِيه بعد والده يا عمي أخشى أن أكون عبئاً ثقيلاً عليكَ
فيقولُ له صديق والده : لا عليك يا بُني فصداقتي لوالدك تقتضي ذلك

وكان يقول أحمد : ولكن أحتاجُ للمالِ الكثيرِ كي أكونَ مثلَ ماكان يقولُ والدي وأن أُسافِر للبلدان وأسمعَ من العُلَماء
فيقول صديق والده : ما شاء الله أنت نشيطٌ ومجِدٌ وتعرف قيمة العلم وطريقة الحصول عليه كوالِدك ويبدو أنَّك لن تخيب أملَ والدك فيك وبالنسبة للمال فلا تقلق فقد تَركَ لك أبوكَ ثروةً كبيرةً ستكفيك في رحلة طلبك للعلم إن شاء الله وإن لم تكن كافية وكما تعلم أنا من أكبر تجار البهار في مصر وهي تجارة تجلب لي الربح الوفير ولله الحمد وكما أنَّك تتلعم فكل علمٍ يُساوي كلَّ ما أملك
ومضى أحمد وتعلَّم العلم كما كان يُريده والده فسافر إلى مكة المكرمة ليستمع للعلماء هناك وسافر للشام والتقى بأئمة عصره في مختلف العلوم وكان سريع البديهة ومتوقد الذَّكاء حتى لمع اسمه بين طُلابِ العلم ليبدأ اسمه الظهور بين العُلَماء
وهو جالسٌ في حلقة علم إذ أتاهُ رسولٌ من عند الخليفة وقال له : ياسيدي إنَّ الخليفة يدعوكَ إليه
فقال له الإمام أحمد بن حجر هيا بنا لنذهب
وفي طريق خروجهما رأته امرأة وقالت له أنت أحمد بن حجر العسقلاني ؟
قال لها نعم أنا هو تفضلي وأكملي كلامك
قالت : لتعلم أولاً أنني لستُ مُسلِمَة ؟ وهل تقبل أن تكمل الكلام معي ؟
فقال لها : لابأس
فقالت : كما ترى إنني امرأة فقيرة وأعاني في الدُنيا كثيراً وأما أنت فترتدي أجمل الملابس وتعيش في أفضلِ البيوت وفوق كل ذلك تسير الآن بموكبٍ من الجنود إلى السلطان وبلغني أنكم تقولون إن الدنيا جنة الكافر وسجن المؤمن وأن الآخرة جنة المؤمن وسجن الكافر فكيف ذلك !! وأنا بهذه الحال أنا فقيرة وأنت غني !!
فقال : لا عجب من ما قلتي فما أنا من نعيمٍ وترفٍ في الدُنيا إنما إذا قورنَ في الجنَّة ونعيمها وما أعده الله للمؤمنين في الآخرة وإن دخلتها بإذنه فأنا بسجنٍ في الدُنيا وما أنت فيه من ضيق الحال هو كالجنَّة ويوم الآخرة إن أدخلك الله في النار فأنت في جنة في الدنيا وإن ظللت على ضلالك ولم تؤمني بالله الواحد الأحد فستدخلين النار والعياذُ بالله وإن آمنتِ بالله فسيدخلك الله الجنة بإذن الله
وأعطاها الإمام أحمد بن حجر مالاً وأسلمت وقالت : أوهذا المال وأنا كافرة !!
فقال لها : هذا ما علمني إياهُ المسلمين
فقالت : أشهدُ أن لا إله إلا الله محمد رسول الله


فوصل إلى الملك وقال له الملك : إمام المسلمين وقاضي القضاة والمفتي في زمانه وعصره أحمد بن حجر العالمُ الكبير سمعت أنَّك ألَّفت شرحاً على صحيح الإمام البخاري رحمه الله
أليس كذلك ؟
فقال الإمام ابن حجر : نعم يا مولاي ولكن ليس تماماً لقد بدأت بالفعل ولم أنتهِ من تأليفه منذ سنوات وهو يحتاج لجهدٍ كبير
فقال الملك : لقد أرسل لي ملك الشرق شاه بن رخو تيمور يطلب هدايا ومن ضمنها كتابُ فتح الباري وكيف وصلته أخبارُ الكتاب قبل ان تنتهي من تأليفه !
فقال ابن حجر : وأنا أتعجبُ أيضاً يا مولاي !!
فقال له الملك : عجباً والله أخبارُك تصل للمشرق والمغرب بإذن الله وما أحسنك في علمك
وبعد مرور عشرين عاماً أتمم الإمام ابن حجر بفضلِ الله كتابَه فَتْحُ الباري على شرحِ صحيح البخاري أصحِ الكتب عن رسول الله صل الله عليه وآله وصحبه من حديث وضمنَّ فيه أحاديث ومسائل في الفقه واللغة وعلَّقَ عليها ووضحها
ولُقِبَ الكتاب بديوانِ السُنَّة النبوية الشريفة ولُقِبَ الإمام ابن حجر الحافظ وترك المؤلفاتِ الكثيرة العديدة وراءه فرحمه الله رحمةً واسعة

ليست هناك تعليقات