القاضي الكوفة القاسم بن معن بن عبد الرحمن رضي الله عنه
لقد حفظ التاريخ لنا قصصاً كثيرةً عن الصالحين وسمعنا قصصاً عن أوْلائك الذين تولوا مناصب في الحياة وحكموا بين الناس بالعدل وعن أناسٍ كانوا زاهدين في الحياةِ راضين بما قسم الله لهم من الرزق والعيش
وشاكرين الله لهم على كل ماقدره لهم
ومن هؤلاء الصالحين اجتمعت فيه كل هذه الصفات الكريمة إنَّه العالم القاضي الزاهد الكريم القاسم بن معن
فذات مرة آنذاك طلب الوالي عيسى بن موسى أن يَحضُرَ القاضي القاسم بن معن ليقابله لأمرٍ مهم
فقال له الوالي : سمعنا عن علمك ومعرفتك ولذلك قررنا توليتك منصب القضاء
فقال له : أنا ! شكرا يا مولاي ولكن
فقال الوالي : لا تقل شيئاً فلن أسمح لأي اعتذار وإن لم تقبل أجلِدُك
لأنك تمتنع عن أداء واجباً أحسبُكَ لهذه المهمة كُفأً لها
فقال له : إذاً أريد ان أخبرك أنه لا اريد أجراً على القضاء وأقبل المهمة وأقوم بها لوجه الله
فقال الوالي : أنا مؤتمن على أموال الدولة وفي هذه الأموال حصة لكل ذي منصب وأنا مؤتمن على ان أعطي كل ذي حقٍ حقَه
وستأخذ راتبك مقابل توليك منصب القضاء وانت حر بما تفعل في هذا المال بعد أن تأخذه
فقال القاسم : بإذن الله يا مولاي والآن هل تسمح لي بالذهاب
فقال الوالي : نعم ومن الغد إن شاء الله ستبدأ بمنصبك والحُكمَ بين الناس
وبالفعل بدأ القاسم بن معن بالتولي منصبَ القضاء
فأتته امرأة وقالت له : سيدي القاضي إنني أجرت حماراً لهذه الشخص لمدة يومين وأعاده لي هزيلاً ضعيفاً وهو لم يُطعِمهُ واضطررت أن أترك الحمار يرتاح ويأكل كي لايموت ولم أُأجِرهُ لأحد ذلك اليوم
ولذلك أطالب هذا الرجل ان يعطيني أجرة اليوم الثالث الذي لم يعمل الحمار فيه
فقال القاضي للرجل : ما قولك في ما تَدَّعيهِ هذه المرأة ؟
فقال له الرجل : سيدي القاضي وما دخلي في طعام الحمار وأنا استأجرت الحمار فقط وهل ينبغي عليَّ إطعام الحمار
فقال له القاضي : اخبرني لو انك استاجرته لمدة شهر فهل ستتركه بدون طعام ؟
كان سيموت بالتأكيد , أليس كذلك
فقالت المرأة : الحمدُ لله أنني لم أُأجره لفترة طويلة
فقال القاضي : لو أنه أصيبَ بفترة إيجارِك له لوجب عليك مداواته والأكل من المتطلبات اليومية للعيش ولذلك بما انك قصرت سألزمك بدفع أجرة طعام الحمار ليومين
ودخل عليه رجل وقال له : السلام عليكم يا سيدي القاضي
فقال القاضي : وعليكم السلام ورحمة الله , ماشكواك ؟
فقال له الرجل : ليس لي أي شكوى يا سيدي القاضي
فقال له : لماذا دخلت إذاً؟
فقال الرجُل : أنا مبعوث من بيت المال وأتيت لأعطيك راتبك يا أيها القاضي
فقال له القاضي : حسناً , اتركه هنا وانصرف أنت
فقال القاضي للحاجب : خذ هذا المال الخاص بي والحقني
وتصدق القاسم بكل درهم أتاه من عمله كقاضٍ وكان يرى هذا من واجبه وفعل ما ألزم به نفسه وكان قد أقسم على ان لا يأخذ مالاً من عمله فكان قاضياً يحكم بين الناس لوجه الله تعالى ورغم أنه كان قاضي الكوفة فكان يأبى إلا ان ينصاع للحق من أي أبوابٍ أتاهُ
فرحم الله ذلك التقي النقي العابد الزاهد القاسم بن معن قاضي الكوفة
ليست هناك تعليقات