العالم الزاهد المُعافى بن عِمرانَ الدَوسِيّ رضي الله عنه
ما أجمل ان يتصف الإنسانُ بالزُهد والورع والتُقى وبالإضافة لذلك العلم والمعرفة وما بالنا لو كان صاحبها يتمتع بالأدب والتواضع وحُسن الأخلاق والكرم والجود والسَخاء
فالعالمِ الجليل المُعافى بن عمران جمع تلك الصِفاتُ كُلِّها التي قلَّما توجد في شخصٍ آخَرَ
وذات يومٍ كان في بيته وقال لزوجته : سأخرُج لطلاب العلم
فقالت له : أنت تقيم حلقةً للعلم في المسجد وفي البيتِ وألا تكتفي بواحدةٍ في المسجد ؟
فقال لها : أريد أن أُكافئ طلاب العلم بعد الحلقة وأن أدعوهم للغداء وهذا أمر لا يمكنني فِعلُه في المسجد
فقالت له زوجته : تضربُ لهم مثلاً في الكَرَمِ
فقال لها : كم أنا سعيد لأنك تفهمين عليَّ يا زوجتي العزيزة
فقالت له : وأعينُك على الخير إن شاء الله
فنادت عليه ابنتُه وقالت له : هُناك شخصٌ على الباب يُريد أن ينضم لحلقة العلم يا أبي
فقال لها : ومن ذلك الرجل يا ابنتي وهل تعرفين اسمه ؟
فقالت له : إنَّه بشر الحافي
فقال لها : ما شاء الله بشرٌ الحافي ذلك الرجل الزاهد يُريد الانضمام لمجلس العلم
وكان يقول بين طلابه : وينبغي علينا أن نسعى في طلبِ العلم فقد رَوَى أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال طلبُ العلم فريضةٌ على كُل مسلم
وقال له أحدُهُم : وماذا يفعل من لا يملك الوقت في طلبِ العلم
فقال له : لا يُكلف الله نفساً إلا وُسعَها يا بُني
وهناك من العلم عليكَ أن تعرفَه ولا تُعذرُ بجهله كأن تعرف أركان الإسلام وكيفية الصلاة والصوم وقراءة القرآن وتحفظ منه ما تسطتيع ومن حديث الرسول صل الله عليه وسلم ما يُفِيدُك
وها نحن نرى بشراً الحافي بيننا الذي كان في الدنيا يلهو ويلعب ويضحك وقرر تركها ليكون له حظٌ وافرٌ من العلم الكثير
أليس كذلك يا بشر ؟
فقال بشر : أرجو أن يكون عملي هذا خالصاً لوجه الله تعالى ومقبولاً عنده يا إمام
فقال الشيخ : بإذن الله يا بشر ما أن تكون مخلصاً لله تعالى في نِيَّتِك
والآن انتهى وقتُ حلقة العلم وهيا بنا لنتاول طعامَ الغدَاء
وكان كرمُ المعافى يمتد ليشمل كل من يِعرِفُه
فكان يتعب من حلقات العلم والتدريس ولكنه كان يشعر بسعادة لا توصف في تعليم الناس أمورَ دينِهِم
فوجد في بيته محصوله الزراعي الذي يملكه من أراضيه وكان قد حصده وقال لزوجته : هيا لنقوم به ما اعتدنا كل عام
فقالت له زوجته : هل ستوزع المحصول على أصدقائك من المحتاجين أولاً
فقال لها : نعم بالطبع فالخير كثير وما رزقني به الله أحب أن يكون للفقراء نصيب منه وأحب أن اكون مفيداً لمن حولي
واعتاد المُعافى أن يرسل لأصدقائه مما يأتيه ما يكفي كل واحدٍ منهم سنة كاملة وما أعظم كرمه وسخاءه
وكان حريصاً على طلب العلم وطاف كثيراً بالبلدان والتقى الكثير من الحافظين لحديث النبي صل الله عليه وسلم
وكتب الكثير من المؤلفات في الزهد والسُنن والأدب والحديث والفقه
وكان رحمه الله عالماً كما كان قد شهد له بذلك الكثيرُ من العلماء
وكان يقول عنه سفيان الثوري رحمه الله : إنَّه ياقوتَةُ العلماء والحمدُ لله أن جعل بين علماء هذه الامة رجلاً كالمعافى بن عمران
ليست هناك تعليقات