قصة توبة بشرُ الحافي
كان في بغداد كما يكون في حال البلاد الأخرى أُناس غافلون عن الآخرة وحقيقتها منغمسين بالدنيا وملذاتها ومن هؤلاء بشرُ بن الحارث الذي اشتُهر ببشرٍ الحافي وكانَ ماجناً لاهياً
وكان ذات مرة يمشي في السوق صباحاً إذ رأى ورقةً على الأرض مُلقاةٌ
فقال : ما هذه الورقة لربما سقطت من طلاب العلم
فضحك وقال : لقد أصبح العلم يُلقى في الطرقات
وفتحها ورأى مكتوباً بها : بسم الله الرحمنِ الرحيم
فقال : أستغفر الله العظيم وأتوبُ إليه , أستغفر الله العظيم
وقال : كيف تلقى ورقة فيها اسم الله هكذا على الطريق ؟ وأخذها ومشى إلى شخصٍ يبيعُ العُطور وقال له : أريد عطراً ثميناً يا أخي
فقال له : عندي عطر ولكنه غالٍ بعضَ الشيء
فقال له بِشر : لاعليك فأنا املك المال وأريد أن يكون مرتفعاً سعرُه
فقال له بائع العطور : انتظر هنا ريثما أعد لك قارورة عطرٍ رائعة
فبينما هو ينتظر إذ مرَّ به رجلٌ مسنٌ فقير وقال له :
هل ستسخرُ مني إن قلت لك أعطني مما أعطاك الله
فقال له بِشر : لا ياسيدي وأعتذر إليك مما عملت معك
واعطاه مالاً وقال له الرجل المسن : جزاك الله خيراً
وأخذ بشر الورقة التي وجدها وسار بها حتى وصل إلى منزله بعد ان اخذ قارورة العطر وقال هذا أقل ما أفعله مع هذه الورقة من تعطيرها
وإذ هو ذات مرة يرى بشخصٍ صالحٍ يمر من أمام بيته فقذف الله في قلبه حب هذا الشخص وخرج من بيته مسرعاً إليه
حتى رآه الشخص الصالح وقال له : لم خرجت من بيتك حافياً ؟
قال له بشر : لم يكن لدي حذاء أرتديه وأنا أريد التوبة يا سيدي ولا أريد أن يعطلني عنها شيء
فقال له : أنا ذاهب لصلاة الفجر فهل تذهب معي وتعلن توبتك النصوح لله عز وجل
فقال له : بالطبع يا سيدي
فلقب بعد هذا الموقف بالحافي
وعندما انتهيا من الصلاة انكبَّ بشرٌ يبكي
فقال له الشيخ : ما الذي يبكيك يا ولدي
فقال : ذنوبي يا شيخ ولم أفعل شيئاً طِوال عُمري
شيئاً يفيد الناس سوى اللهو والسهر والسخرية من الآخرين ولم اكن شخصاً يفيد الآخرين حوله
فقال له الشيخ : وها قد جاء الوقت لكي تفيد الناس عليك أن تكون صالحاً وتتخلى عن رفقاء السوء وتركهم وأن تتوكل على الله في كل صغيرة وكبيرة
وامتنع بشر عن كل ما كان يفعله من قبل وأصبح مثالاً في التقوى والورع ولقد أدرك بعقله أن ماكان فيه يبعده عن الطريق المستقيم وعن الله عز وجل وتخلى رفاق السوء
فرحم الله العابد الزاهد بشرَ الحافي بن الحارث
الذي قيل عنه :
ما أخرجت بغداد أتم عقلا منه ولا أحفظ للسانه منه وما عرف له غيبة لمسلم وكان في كل شعرة منه عقل ولو قسم عقله على أهل بغداد لصاروا عقلاء وما نقص من عقله شيء
ليست هناك تعليقات