سيدنا عبدالله بن رواحه رضى الله عنه
هو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الخزرجي
ويكنى أبا محمد وقيل : أبو رواحة وقيل : أبو عمرو
وأمه كبشة بنت واقد بن عمرو بن الإطنابة من بني الحارث بن الخزرج أيضا
حاله في الجاهلية :
وكان ابن رواحة رضي الله عنه كاتبا في بيئة لا عهد لها بالكتابة الا يسيراً وكان شاعرا ينطلق الشعر من بين ثناياه عذبا قويا
ومنذ أسلم وضع مقدرته الشعرية في خدمة الإسلام
قصة إسلامه :
وُلد سيدنا عبد الله في مدينة يثرب في الحجاز وقد صار اسم هذه المدينة بعد هجرة رسول الله صل الله عليه وسلّم إليها : المدينة المنوّرة وأسلم عبد الله على يد الداعية العظيم مصعب بن عُمير رضي الله عنه وعندما هاجر الرسول الكريم صل الله عليه وسلّم إلى المدينة المنوّرة صار سيدنا عبد الله بن رواحة شاعر الرسول صل الله عليه وسلّم يلازمه ويمدحه ويشيد بالإسلام ومبادئه السامية ويردّ على شعراء المشركين وكان يدعو إلى الله تعالى بكل ما أوتي من قوة وكان إذا رأى واحداً من إخوانه يمسك بيده ويجلسه إلى جانبه ويقول له : اجلس بنا يا أخي نؤمن ساعة
وبايع الرسول صل الله عليه وسلّم في بيعة العقبة الأولى والثانية وكان واحدا من النقباء الذين اختارهم الرسول الكريم
أثر الرسول في تربيته :
عندما كان رسول الله صل الله عليه وسلّم يجلس مستخفيا من كفار قريش مع الوفد القادم من المدينة هناك عند مشترف مكة يبايع اثني عشر نقيبا من الأنصار بيعة العقبة الأولى كان هناك عبدالله بن رواحة واحدا من هؤلاء النقباء حملة الاسلام الى المدينة والذين مهدّت بيعتهم هذه للهجرة التي كانت بدورها منطلقا رائعا لدين الله والاسلام
وعندما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يبايع في العام التالي ثلاثة وسبعين من الأنصار أهل المدينة بيعة العقبة الثانية كان ابن رواحة العظيم واحدا من النقباء المبايعين
وبعد هجرة الرسول وأصحابه الى المدينة واستقرارهم بها كان عبدالله بن رواحة من أكثر الأنصار عملا لنصرة الدين ودعم بنائه وكان من أكثرهم يقظة لمكايد عبد الله بن أبيّ الذي كان أهل المدينة يتهيئون لتتويجه ملكا عليها قبل أن يهاجر الاسلام اليها والذي لم تبارح حلقومه مرارة الفرصة الضائعة فمضى يستعمل دهاءه في الكيد للاسلام في حين مضى عبدالله بن رواحة يتعقب هذا الدهاء ببصيرة منيرة أفسدت على ابن أبيّ أكثر مناوراته وشلّت حركة دهائه !!
ولقد كان لتربية الرسول صل الله عليه وسلّم أثراً واضحاً وملموساً في حياته فإذا أمره سارع ونفذ وإذا نهاه عن أمر اجتنبه وتركه فروي أن عبد الله بن رواحة أتى النبي صل الله عليه وسلّم وهو يخطب فسمعه يقو ل: اجلسو فجلس مكانه خارجا من المسجد حتى فرغ النبي صل الله عليه وسلّم من خطبته فبلغ ذلك النبي صل الله عليه وسلّم فقال له : " زادك الله حرصا على طواعية الله وطواعية رسوله"
ومن أثر النبي صل الله عليه وسلّم فيه ما يرويه دابر بن عبد الله
قال : كنت رفيق عبد الله بن رواحة في غزوة المريسيع فاقبلنا حتى انتهينا إلى وادي العقيق في وسط الليل فإذا الناس معرسون
قلنا : فأين رسول الله صل الله عليه وسلّم؟
قالوا : في مقدم الناس قد نام فقال لي عبد الله بن رواحة : يا جابر هل لك بنا في التقدم والدخول على أهلنا؟
فقلت : يا أبا محمد لا أحب أن أخالف الناس لا أرى أحداً تقدم قال ابن رواحة : والله ما نهانا رسول الله صل الله عليه وسلّم عن تقدم قال جابر : أما أنا فلست ببارح فودعني وانطلق إلى المدينة فأنظر إليه على ظهر الطريق ليس معه أحد فطرق أهله بلحارث بن الخزر فإذا مصباحٌ في وسط بيته وإذا مع امرأته إنسانٌ طويل فظن أنه رجل وسقط في يديه وندم على تقدمه وجعل يقول الشيطان مع الغر فاقتحم البيت رافعاً سيفه قد جرده من غمده يريد أن يضربهما ثم فكر واذكر فغمز امرأته برجله فاستيقظت فصاحت وهي توسن فقال : أنا عبد الله فمن هذا؟ قالت : رجيلة ماشطتي سمعنا بمقدمكم فدعوتها تمشطني فباتت عندي فبات فلما أصبح خرج معترضاً لرسول الله صل الله عليه وسلّم فلقيه ببئر أبي عتبة ورسول الله صل الله عليه وسلم يسير بين أبي بكر وبشير بن سعد فالتفت رسول الله صل الله عليه وسلّم إلى بشير فقال : يا أبا النعمان فقال : لبيك قال : إن وجه عبد الله ليخبرك أنه قد كره طروق أهله فلما انتهى إلى رسول الله صل الله عليه وسلّم قال رسول الله : خبرك يا ابن رواحة فأخبره كيف كان تقدم وما كان من لك فقال رسول الله صل الله عليه وسلّم : لا تطرقوا النساء ليلاً قال جابر : فكان ذلك أول ما نهى عنه رسول الله صل الله عليه وسلّم قال جابر : فلم أر مثل العسكر ولزومه والجماعة لقد أقبلنا من خيبر وكنا مررنا على وادي القرى فانتهينا إلى الجرف ليلاً فنادى منادي رسول الله صل الله عليه وسلّم : لا تطرقوا النساء ليلاً
كان النبي صل الله عليه وسلّم لا يترك موقفاً أوحدثاً يمر على أصحابه دون أن يربيهم أو يعلمهم فيقول ابن عباس : بعث النبي صل الله عليه وسلّم عبد الله بن رواحة في سرية فوافق ذلك يوم الجمعة فغدا أصحابه وقال : أتخلف فأصلي مع رسول الله صل الله عليه وسلّم ثم ألحقهم فلما صلى مع النبي صل الله عليه وسلّم رآه فقال : ما منعك أن تغدو مع أصحابك؟ قال : أردت أن أصلي معك ثم ألحقهم فقال : لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما أدركت فضل غدوتهم
أهم ملامح شخصيته
كان عبد الله بن رواحة ممن انعم الله عليهم بالجهاد بالسيف واللسان فهو الذي جاهد مع النبي في بدر وأحد وحفر الخندق مع الصحابة وبايع بيعة الرضوان وكان أحد القواد الثلاثة في غزوة مؤتة التي استشهد فيها وكما جاهد بسيف جاهد بلسانه فكان شعره سيفاً مصلتاً على رقاب المشركين ولا يقل أهمية عن السيف في المعركة
وكان يحمل سيفه وشعره في كل الغزوات : فكان يقول :
خلُّوا بني الكفار عن سبيله ***** خلوا فكل الخير في رسوله
واستخلفه الرسول صل الله عليه وسلّم على المدينة حين خرج إلى غزوة بدر الموعد وبعثه في سرية في ثلاثين راكباً إلى أسير بن رازم اليهودي بخيبر فقتله
وكان عبد الله بن رواحة صواماً قواماً فيقول أبو الدرداء : خرجنا مع رسول الله صل الله عليه وسلّم في بعض غزواته في حر شديد حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه أو كفه على رأسه من شدة الحر ما فينا صائم إلا رسول الله صل الله عليه وسلّم وعبد الله بن رواحة وتزوج رجل امرأة عبد الله بن رواحة فسألها عن صنيعه فقالت كان إذا أراد أن يخرج من بيته صلى ركعتين وإذا دخل بيته صلى ركعتين لا يدع ذلك
وكان عادلاً ورعاً ذا أمانة يخاف الله ويتقه فعن سليمان بن يسار : أن رسول الله صل الله عليه وسلّم كان يبعث عبد الله بن رواحة إلى خيبر فيخرص بينه وبين يهود خيبر قال فجمعوا له حليا من حلي نسائهم فقالوا له هذا لك وخفف عنا وتجاوز في القسم فقال عبد الله بن رواحة يا معشر اليهود والله انكم لمن ابغض خلق الله الي وما ذاك بحاملي على ان أحيف عليكم فأما ما عرضتم من الرشوة فإنها سحت وإنا لا نأكلها فقالوا بهذا قامت السماوات والأرض
بعض المواقف من حياته مع الرسول :
كان لعبد الله بن رواحة مواقف جمة مع النبي صل الله عليه وسلّم ففي ليلة العقبة قال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه لرسول الله صل الله عليه وسلّم : اشترط لربك ولنفسك ما شئت فقال [ أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم ] قالوا فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال [ الجنة ] قالو : ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل فنزلت
{ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم }
ولما كان يوم بدر وانتصر المسلمون وأُسر المشركون شاور الرسول الله صل الله عليه وسلّم أصحابه في شأن هؤلاء الأسرى فقال : [ ما تقولون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر : يا رسول الله قومك وأهلك استبقهم واستتبهم لعل الله أن يتوب عليهم وقال عمر يا رسول الله كذبوك وأخرجوك فقدمهم فاضرب أعناقهم وقال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله أنت في واد كثير الحطب أضرم الوادي عليهم نارا ثم ألقهم فيه قال فسكت رسول الله صل الله عليه وسلّم فلم يرد عليهم شيئا ثم قام فدخل فقال ناس : يأخذ بقول أبي بكر وقال ناس : يأخذ بقول عمر وقال ناس : يأخذ بقول عبد الله بن رواحة
وكان عبد الله حريصاً على أن يقتبس من هدي النبي صل الله عليه وسلّم فعن عطاء بن أبي مسلم قال : لما ودع رسول الله صل الله عليه وسلّم عبد الله بن رواحة قال ابن رواحة : يا رسول الله مرني بشيءٍ أحفظه عنك! قال : إنك قادمٌ غداً بلداً السجود به قليلٌن فأكثر السجود قال عبد الله : زدني يا رسول الله!
قال : اذكر الله فإنه عون لك على ما تطلب فقام من عنده حتى إذا مضى ذاهباً رجع إليه فقال : يا رسول الله إن الله وتر يحب الوتر!
قال : يا ابن رواحة ما عجزت فلا تعجزن إن أسأت عشراً أن تحسن واحدةً فقال ابن رواحة : لا أسألك عن شيءٍ بعد
وأخبر عبادة بن الصامت : أن رسول الله صل الله عليه وسلّم عاد عبد الله بن رواحة قال فما تحوز له عن فراشه فقال أتدرون من شهداء أمتي قالوا قتل المسلم شهادة قال ان شهداء أمتي إذا لقليل قتل المسلم شهادة والطاعون شهادة والمرأة يقتلها ولدها جمعاء
وجلس الرسـول صل الله عليه وسلّم مع نفر من أصحابه فأقبل عبد الله بن رواحة فقال له الرسـول الكريـم : ( كيف تقول الشعر إذا أردت أن تقول؟) فأجاب عبد الله : ( أنظُر في ذاك ثم أقول ) ومضى على البديهة ينشد : يا هاشم الخير إن الله فضلكم على البرية فضلاً ما له غير
إني تفرَّستُ فيك الخير أعرفه فِراسة خالَفتهم في الذي نظروا
ولو سألت أو استنصرت بعضهمو في حلِّ أمرك ما ردُّوا ولا نصروا
فثَّبت الله ما آتاك من حَسنٍ تثبيت موسى ونصرا كالذي نُصِرُوا
فسُرّ النبي صل الله عليه وسلّم ورضي وقال : ( وإياك فثبَّت الله ) ولكن الشاعر حزن عندما نزل قوله تعالى (والشُّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغَاوُون )
سورة الشعراء آية (224)
ولكنه عاد وفرح عندما نزلت آية أخرى :
(إلا الذينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالحَات ، وذَكَروا اللهَ كَثِير ، وانْتَصَروا مِنْ بَعْد مَا ظُلمُوا)
وكان عبد الله بن رواحة من المنافحين عن النبي صل الله عليه وسلّم
ومن ذلك ما رواه عروة أن أسامة بن زيد أخبره : أن النبي صل الله عليه وسلّم ركب على حمار على إكاف على قطيفة فدكية وأردف أسامة وراءه يعود سعد بن عبادة قبل وقعة بدر فسار حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي ابن سلول وذلك قبل أن يسلم عبد الله وفي المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود وفي المجلس عبد الله بن رواحة فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه قال لا تغبروا علينا فسلم النبي صل الله عليه وسلّم ووقف ونزل فدعاهم إلى الله فقرأ عليهم القرآن فقال له عبد الله بن أبي يا أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا فلا تؤذنا به في مجالسنا وارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه قال ابن رواحة بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون فلم يزل النبي صل الله عليه وسلّم يخفضهم حتى سكتوا فركب النبي صل الله عليه وسلّم دابته حتى دخل على سعد بن عبادة فقال له ( أي سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب ) يريد عبد الله بن أبي قال سعد يا رسول الله اعف عنه واصفح فلقد أعطاك الله ما أعطاك ولقد اجتمع أهل هذه البحرة أن يتوجوه فيعصبوه فلما رد ذلك بالحق الذي أعطاك شرق بذلك فذلك الذي فعل به ما رأيت
بعض المواقف من حياته مع الصحابة
يقول أبو الدرداء : أعوذ بالله أن يأتي عليّ يومٌ لا أذكر فيه عبد الله بن رواحة كان إذا لقيني مقبلاً ضربَ بين ثدييّ وإذا لقيني مدبراً ضربَ بين كتفيّ ثم يقول : ( يا عُويمر اجلس فلنؤمن ساعة ) فنجلس فنذكر الله ما شاء ثم يقول : ( يا عويمر هذه مجالس الإيمان )
وقال ابن إسحاق : كان زيد بن أرقم يتيما في حجر عبد الله بن رواحة فخرج به معه إلى مؤتة يحمله على حقيبة رحله فسمعه زيد بن أرقم من الليل وهو يتمثل أبياته التي يقول فيه :
إذا أدنيتني وحملت رحلي... مسيرة أربع بعد الحساء
فشأنك فأنعمي وخلاك ذم... ولا أرجع إلى أهلي ورائي
وجاء المؤمنون وغادروني... بأرض الشام مشتهى الثواء
فبكى زيد بن أرقم فخفقه عبد الله بن رواحة بالدرة وقال : ما عليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة وترجع بين شعبتي الرحل
ومن مواقفه مع زوجته ما يرويه عكرمة قال : بينا عبد الله بن رواحة مع أهله إذ خطرت جارية له في ناحية الدار فقام إليها فواقعها فأدركته امرأته وهو عليها فذهبت لتجيء بالسكين فجاءت وقد فرغ وقام عنها فقالت : لم أرك حيث كنت!
قال : فقلت : إن رسول الله صل الله عليه وسلّم نهانا أن يقرأ أحدنا القرآن جنب قالت : فإن كنت صادقا فاقرأ قال : نعم وقال :
أتانا رسول الله يتلو كتابه... كما لاح مشهور من الصبح ساطع
أتى بالهدى بعد العمى فقلوبنا... به موقنات أن ما قال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه... إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
وقيل : إنما قال غير هذه الأبيات فقالت : آمنت بالله وكذبت بصري قال عبد الله : غدوت إلى رسول الله صل الله عليه وسلّم فذكرت ذلك له فضحك حتى بدت نواجذه
أثره في الآخرين
كان لعبد الله بن رواحة أثرًا واضحاً في الآخرين فعن أنس قال : كان عبد الله بن رواحة إذا لقي الرجل من أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلّم قال : تعال نؤمن بربنا ساعة
فقال ذات يوم لرجل فغضب الرجل فجاء إلى النبي صل الله عليه وسلّم فقال : يا رسول الله صل الله عليه وسلّم ألا ترى إلى ابن رواحة يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة؟
فقال النبي صل الله عليه وسلّم " يرحم الله ابن رواحة إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة "
وكان له الأثر الواضح في إسلام أبو الدرداء كان أبو الدرداء آخر أهل داره إسلاما فجاء عبد الله بن رواحة وكان أخا له في الجاهلية والإسلام فأخذ قدوما فجعل يضرب صنم أبي الدرداء وهو يقول
تبرا من أسماء الشياطين كله... ألا كل ما يدعى مع الله باطل
وجاء أبو الدرداء فأخبرته امرأته بما صنع عبد الله بن رواحة ففكر في نفسه فقال لو كان عند هذا خير لدفع عن نفسه فانطلق حتى أتى رسول الله صومعة عبد الله بن رواحة فأسلم
ويقول قيس ابن أبي حازم كان عبد الله بن رواحة واضعا رأسه في حجر امرأته فبكت امرأته فقال ما يبكيك قالت رأيتك تبكي فبكيت قال إني ذكرت قول الله تعالى وإن منكم إلا واردها ولا أدري أنجو منها أم لا
لقد كان عبد الله بن رواحة من هواة الجهاد يحفزه إليه عقيدته الإسلامية ورغبته الصادقة في نيل أجر المجاهدين في سبيل الله والشهداء لإعلاء كلمة الله فهو الذي شجع المسلمين في سرية مؤتة على لقاء الكفار وكان المسلمين ثلاثة آلاف والكفار مئتي ألف فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين يفكرون بأمرهم فشجع الناس عبد الله بن رواحة وقال : يا قوم والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون ـ الشهادة وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ولا نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين : إما ظهور وإما شهادة
كما أنه كان قادراً على إصدار القرار السريع الصحيح فهو من القلة النادرة التي تحسن القراءة والكتابة في المجتمع السائد حينذاك إلا القلائل الذين يعدون على الأصابع ويشار إليهم بالبنان مما يدل على ذكائه الألمعي
بعض كلماته :
يقول عبد الله بن رواحة وهو يأخذ بخطام ناقة النبي صل الله عليه وسلم في عمرة القضاء :
خلوا بني الكفار عن سبيله... خلوا فكل الخير مع رسوله
نحن ضربناكم على تأويله... كما ضربناكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله... ويذهل الخليل عن خليله
يا رب إني مؤمن بقيله
وكان النبي صل الله عليه وسلّم يرتجز بكلمة عبد الله بن رواحة
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلـت سكينة علينـا وثبت الأقدام إن لاقينا إن الألى قد بغوا علينا وإن أرادوا فتنة أبينا
موقف الوفاة
بعث رسول الله صل الله عليه وسلّم الحارث بن عمير الأزدي رسولاً إلى ملك بصرى من أرض الشام يدعوه إلى الإسلام فما كان من ملك بصرى إلا أن قتل رسول رسول الله صل الله عليه وسلّم فدعا النبي صل الله عليه وسلّم الناس للخروج ومقاتلة الروم فسرعان ما اجتمع عند النبي صل الله عليه وسلّم ثلاثة آلاف مقاتل فعقد الراية لثلاثة منهم وجعل إمرتهم بالتناوب فقال صل الله عليه وسلّم : (إن أصيب زيد بن حارثة فجعفر بن أبي طالب فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة) فتجهز الناس وخرجو وكان ذلك يوم الجمعة من السنة الثامنة للهجرة النبوية وودعهم المسلمون قائلين : " صحبكم الله ودفع عنكم وردكم إلينا صالحين فقال عبد الله بن رواحة :
لكنني أسأل الرحمن مغفرة
وضربة ذات فرع تقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حران مجهزة بحربة تنفذ الأحشاء والكبــدا
حتى يقال إذا مروا على جدثي يا أرشد الله من غاز وقد رشدا
وسار المسلمون حتى نزلوا معانا- اسم قرية - من أرض الشام فبلغهم أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم وانضم إليه مائة ألف أخرى من القبائل العربية الموالية له كلخم وجذام وبلقين وبهراء فاجتمع لهرقل مائتي ألف مقاتل فعقد المسلمون مجلسا للتشاور فقال بعضهم : نكتب للنبي صل الله عليه وسلّم نخبره بعدد عدونا فإما أن يمدنا بالرجال وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له فقام عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وقال لهم : يا قوم والله للذي تكرهون للذي خرجتم تطلبون الشهادة ما نقاتل الناس بعدد ولا عدة ولا كثرة ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة فقال الناس : صدق والله ابن رواحة فمضوا حتى إذا قاربوا البلقاء - منطقة بالشام - لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية يقال لها مشارف فدنا العدو وانحاز المسلمون إلى قرية يقال له : مؤتة وتسمى اليوم بالكرك فالتقى الناس عنده فتجهز المسلمون وجعلوا على ميمنة الجيش قطبة بن قتاة رجل من بني عذرة وعلى الميسرة عباية بن مالك رجل من الأنصار
والتحم الجيشان وحمي الوطيس واقتتلوا قتالا شديد، وقتل أول قادة المسلمين زيد بن حارثة رضي الله عنه مقبلاً غير مدبر فأخذ الراية جعفر بن أبي طالب بيمينه وأخذ ينشد : يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها
علي إن لا قيتها ضرابها
فقطعت يمينه رضي الله عنه فأخذ الراية بشماله فقطعت فاحتضنها بعضديه حتى قتل رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة فأثابه الله بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء ويقال إن رجلا من الروم ضربه يومئذ ضربة فقطعه نصفين فأخذ الراية عبد الله بن رواحة رضي الله عنه ثم تقدم بها على فرسه فجعل يستنزل نفسه ويقول :
أقسمت يا نفس لتنزلن لتنزلنه أو لتكرهنه
إن أجلب الناس وشدوا الرنة ما لي أراك تكرهين الجنة
قد طال ما قد كنت مطمئنة هل أنت إلا نطفة في شنة
ثم تقدم رضي الله عنه فقاتل حتى قتل
الرسول يتنبأ بما حدث :
قال ابن إسحاق ولما أصيب القوم قال رسول الله صل الله عليه وسلّم فيما بلغني أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدا ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قتل شهيدا قال ثم صمت رسول الله صل الله عليه وسلّم حتى تغيرت وجوه الأنصار وظنوا أنه قد كان في عبد الله بن رواحة بعض ما يكرهون ثم قال ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا ثم قال لقد رفعوا إلى الجنة فيما يرى النائم على سرر من ذهب فرأيت في سرير عبد الله بن رواحة ازورارا عن سريري صاحبيه فقلت عم هذا فقيل لي مضيا وتردد عبد الله بعض التردد ثم مضى
وكان استشهاده رضي الله عنه في العام الثامن الهجر
ودفن في بلدة مؤتة إلى الجنوب من مدينة الكرك وتبعد عنها حوالي 12 كيلو متر ويبلغ ارتفاعها عن سطح البحر حوالي 130م وموقعها تاريخيا ودينيا مشهور حيث حصلت على أرضها أول معركة إسلامية معركة مؤته ويوجد بها موقع اثري ديني وهو المشهد رمز معركة مؤته ويبين مكان استشهاد جعفر الطيار والى الجنوب منه بحـوالي 1000 متر يوجد مكان آخر يقال انه مكان استشهاد عبد الله بن رواحه والى الجنوب من مؤته بمسافة 2 كيلو متر توجد مدينة المزار التي تحتوي قبور الصحابه من شهداء معركة مؤته وهم : جعفر بن أبي طالب و زيد بن حارثة و عبد الله بن رواحة رضوان الله عليهم
المشهد :
يقع المشهد في مؤتة وعلى بُعد كيلو متر واحد إلى الشرق من الشارع العام المؤدي إلى بلدة المزار المشهد مقام على مساحة من الأرض قدرها 34375 متر مربع والموقع عبارة عن تلة صغيرة من الحجارة والتراب يظهر في أعلاها بقايا قوس في داخل قبة المقام بني ضريح من المرمر لجعفر الطيار كدليل على المكان الذي استشهد فيه (وهذا الضريح هو بناء رمزي) أمّا بالنسبة إلى رفات الشهيد جعفر الطيار فهي مدفونة في المزا وإلى الجنوب من المشهد بما يقرب من 500م يقع مسجد عبد اللّه بن رواحة في الموقع الذي استشهد فيه وكذلك قبر زيد بن حارثه
ليست هناك تعليقات