مهنة الجزار في الإسلام الجزء الأول


(التذكية الشرعية)

الذبح هو طريقة من طرق ثلاث لتذكية المذبوح وهي : الذبح والنحر والعقر :
1) الذبح
ويتحقق بقطع الحلقوم والمريء والودجين
وهي الطريقة المفضلة شرعًا في تذكية الغنم والبقر والطيور ونحوها وتجوز في غيرها

2) النحر
ويتحقق بالطعن في اللبة وهي الوهدة (الحفرة) التي في أسفل العنق
وهي الطريقة المفضلة شرعًا في تذكية الإبل وأمثالها وتجوز في البقر

3) العقر
ويتحقق بجرح الحيوان غير المقدور عليه في أي جزء من بدنه سواء الوحشي المباح صيده والمتوحش من الحيوانات المستأنسة فإن أدركه الصائد حيًا وجب عليه ذبحه أو نحره
[قرار مجمع الفقه الإسلامي المؤتمر العاشر 28/2/1418 الموافق 3/6/1997م]


(شروط صحة التذكية)

لكي تصبح الذبيحة مذكاة يشترط عدة شروط :

1) أن يكون المذكي بالغًا أو مميزًا مسلمًا أو كتابيًا (يهوديًا أو نصرانيًا)
فلا تؤكل ذبائح الوثنيين واللادينيين والملحدين والمجوس والمرتدين وسائر الكفار من غير الكتابيين

2) أن يكون الذبح بآلة حادة تقطع وتفري بحدها
سواء كانت من الحديد أم من غيره مما ينهر الدم ماعدا السن والظفر

3) أن يذكر المذكي اسم الله تعالى عند التذكية
ولا يكتفي باستعمال آلة تسجيل لذكر التسمية إلا أن من ترك التسمية ناسيًا فذبيحته حلال

4) قطع الحلقوم وهو : مجرى النفس
والمريء وهو : مجرى الطعام
والودجين أو أحدهما على الصحيح في الحيوان المذبوح
[انظر فتاوى اللجنة الدائمة - 1 (22/ 354)]


(آداب الذبح)

للذبح آداب نبهت إليها الشريعة الإسلامية للرفق والرحمة بالحيوان قبل ذبحه وفي أثناء ذبحه وبعد ذبحه ينبغي على المسلم مراعاتها

أولًا : آداب قبل الذبح

1) أن يحد الذابح شفرته
لحديث شداد بن أوس رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال :
إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَة واذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحَة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته
[رواه مسلم / 1955]
2) أن يكون إحداد الشفرة بعيدا عن أعين الذبيحة
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا أضجع شاة يريد أن يذبحها وهو يحد شفرته فقال له النبي صل الله عليه وسلم :
أتريد أن تميتها موتات؟ هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها
[رواه الحاكم / 7563 و صححه الألباني]
ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما :
أن رسول الله صل الله عليه وسلم أمر بحد الشفار وأن توارى عن البهائم
[رواه أحمد / 5864 و صححه الألباني]
3) تقديم الماء للحيوان قبل ذبحه
4) سوق الذبيحة إلى مكان الذبح برفق
رأى عمر رضي الله عنه رجلا يجر شاة ليذبحها فضربه بالدرة وقال : سقها - لا أم لك - إلى الموت سوقًا جميلًا
[السنن الكبرى للبيهقي / 19143]

ثانيا : آداب عند الذبح

1) أن تضجع الدابة لجنبها الأيسر برفق وتترك رجلها اليمنى تتحرك بعد الذبح لتستريح بتحريكها
لقوله صل الله عليه وسلم :
وليرح ذبيحته
[رواه مسلم / 1955]
واتفق العلماء على أن إضجاع الذبيحة يكون على جانبها الأيسر لأنه أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين وإمساك رأسها باليسار
[شرح النووي على مسلم : 13/ 122]
2) نحر الإبل قائمة معقولة ركبتها اليسرى
لقوله تعالى :
{فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ}
[الحج : 36]
أي : قيامًا على ثلاثة أرجل
ومر ابن عمر رضي الله عنهما على رجل قد أناخ بدنته لينحرها فقال :
(ابعثها قيامًا مقيدة سنة محمد صل الله عليه وسلم)
3) أن يكون الذابح مستقبل القبلة والذبيحة موجهة إلى القبلة بمذبحها لا بوجهها إذ هي جهة الرغبة إلى طاعة الله عز شأنه
4) أن يسمي الله ويكبر أي يقول : (بسم الله والله أكبر)
5) الإسراع في القطع لأن فيه إراحة للذبيحة
6) أن يكون الذبح باليد اليمنى
7) عدم المبالغة في القطع حتى يبلغ الذابح النخاع أو يبين رأس الذبيحة حال ذبحها أو يكسر عنقها حتى تفارق الروح الجسد

ثالثًا : آداب بعد الذبح

1) لا يقطع أي جزء من أجزائها ولا تسلخ ولا تغطس في الماء الحار ولا ينتف الريش إلا بعد التأكد من زهوق الروح
2) أن لا تحرك ولا تنقل من مكانها حتى تخرج روحها

(مكروهات الذبح)

1) يكره الذبح بآلة كَالَّة
أي : غير قاطعة
لأن ذلك تعذيب للحيوان لقوله صل الله عليه وسلم :
وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته

2) يكره كسر عنق الحيوان أو سلخه قبل زهوق روحه
لحديث : وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة
قال عمر رضي الله عنه :
(لا تعجلوا الأنفس أن تزهق)
[سنن الدارقطني / 4754]

3) يكره حد السكين والحيوان يبصره لحديث ابن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صل الله عليه وسلم أمر أن تحد الشفار وأن توارى عن البهائم

4) ويكره أن تذبح الذبيحة أمام أخرى
[انظر : الموسوعة الفقهية الكويتية : 21/ 196-197]


(حكم التسمية عند الذبح)

جمهور العلماء على أن التسمية شرط والذابح يجب عليه أن يسمي عند الذبح لقوله تعالى :
{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}
[الأنعام : 121]
وقال تعالى :
{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}
[الأنعام : 118]
وقول النبي صل الله عليه وسلم قال :
ما أنهر الدم وذُكر اسم الله عليه فكُل
[رواه البخاري / 3075]
[انظر : الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة : 1/ 408]


(حكم ترك التسمية عند الذبح)


ترك التسمية قسمان : 
الأول : أن تترك التسمية سهوًا
فجمهور العلماء على أنه لا بأس بالأكل منها لقوله تعالى :
{رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}
[البقرة : 286]
وقوله صل الله عليه وسلم :
{رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ...}
[رواه أبو داود وغيره]

الثاني : أن تترك التسمية عمدًا
وجمهور العلماء على عدم جواز الأكل منها لقوله تعالى :
{وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}
[الأنعام : 121]
وذهب الشافعية إلى جواز الأكل منه لأن التسمية عندهم مستحبة والراجح مذهب الجمهور
[انظر : الموسوعة الفقهية الكويتية : 21/ 189]

وقد سئل الشيخ ابن باز :
صار هناك خلاف بيننا في مسألة ما إذا أراد إنسان أن يذبح شاة هل يقول : بسم الله أو لا ومن لم يقل هل تكون ذبيحته مباحة؟
فأجاب : الواجب أن يسمي لأن الله أمر بالتسمية فالواجب أن يسمي الله عند الذبح يقول :
بسم الله الرحمن الرحيم أو بسم الله ويكفي
وإذا تعمد تركها وهو يعلم الحكم الشرعي لم تحل الذبيحة لكن إذا تركها ناسيًا أو جاهلًا فالذبيحة حلال
أما إن تركها عامدًا وهو يعلم الحكم الشرعي فالذبيحة لا تحل في أصح قولي العلماء لأن الرسول أمر من أراد الذبح أو الصيد أن يسمي الله
[موقع الشيخ ابن باز : فتوى/ 10977]

(حكم تدويخ الحيوان عند الذبح)

1) الأصل في التذكية الشرعية أن تكون بدون تدويخ للحيوان
لأن طريقة الذبح الإسلامية بشروطها وآدابها هي الأمثل رحمة بالحيوان وإحسانًا لذبحته وتقليلًا من معاناته

2) الحيوانات التي تذكى بعد التدويخ ذكاة شرعية يحل أكلها إذا توافرت الشروط الفنية التي يتأكد بها عدم موت الذبيحة قبل تذكيتها

3) لا يجوز تدويخ الحيوان المراد تذكيته باستعمال المسدس ذي الإبرة الواقذة أو بالبلطة أو بالمطرقة ولا بالنفخ على الطريقة الإنجليزية

4) لا يجوز تدويخ الدواجن بالصدمة الكهربائية
لما ثبت بالتجربة من إفضاء ذلك إلى موت نسبة غير قليلة منها قبل التذكية

5) لا يحرم ما ذكي من الحيوانات بعد تدويخه باستعمال مزيج ثاني أكسيد الكربون مع الهواء أو الأكسجين أو باستعمال المسدس ذي الرأس الكروي بصورة لا تؤدي إلى موته قبل تذكيته
[قرار مجمع الفقه الإسلامي المؤتمر العاشر 28/2/1418 الموافق 3/6/1997م]

(ذبح الحيوان الذي به مرض معدي)

إذا كان بالحيوان مرض معدٍ أو يتضرر منه آكله فلا يجوز ذبحه ولا يجوز بيعه أو إطعام الناس منه لأن النبي صل الله عليه وسلم قضى أن لا ضرر ولا ضرار
[رواه ابن ماجه / 2340 و صححه الألباني]

وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي : "ينبغي أن يكون الحيوان المراد تذكيتة خاليًا من الأمراض المعدية ومما يغير اللحم تغيرًا يضر بآكله ويتأكد هذا المطلب الصحي فيما يطرح في الأسواق أو يستورد"
[قرار مجمع الفقه الإسلامي المؤتمر العاشر 28/2/1418 الموافق 3/6/1997م]


(حكم بيع الحيوان الحي بالوزن)

بيع الحيوان بالوزن أجازها كثير من العلماء
فقد سئل الشيخ ابن باز :
"هناك أناس يبيعون الحيوانات - كالأبقار والأغنام ونحوها - وهي على قيد الحياة بالكيلو بثمن معلوم علمًا بأن المشتري يقصد بها أحيانًا أن يبقيها عنده أو يذبحها ليبيعها على الناس
ومثال ذلك :
بأن نذهب إلى صاحب حيوانات ونختار ما نريد شراءه ثم يأتي بها إلى ميزان عنده ويزنها حية ويبيعها بسعر الكيلو - مثلًا - عشرة ريالات
فما حكم ذلك البيع؟ أفيدونا أثابكم الله
فأجاب :
لا نعلم حرجًا في بيع الحيوان المباح بيعه - كالإبل والبقر والغنم - ونحوها بالوزن سواء كانت حية أو مذبوحة لعموم قوله سبحانه : 
{وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}
[البقرة : 275]
ولقول النبي صل الله عليه وسلم لما سئل : أي الكسب أطيب؟
قال : عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور
ولأن ذلك ليس فيه جهالة ولا غرر
والله ولي التوفيق
[مجموع فتاوى ابن باز : 19/ 39]


(التطفيف في الميزان)


لقد ذم الله عز وجل المطففين في القرآن الكريم وتوعدهم بالويل ويفهم ذلك من قوله تعالى :
{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}
[المطففين : 1 - 3]
فهذا وعيد شديد للذين يبخسون - ينقصون - المكيال والميزان
فكيف بحال من يسرقها ويختلسها ويبخس الناس أشياءهم ؟!
إنه أولى بالوعيد من مطففي المكيال والميزان

وقد حذر نبي الله شعيب عليه السلام قومه من بخس الناس أشياءهم والتطفيف في المكيال والميزان كما حكى الله عز وجل ذلك عنه في القرآن قال تعالى :
{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ * وَيَاقَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}
[هود : 84 - 85]

ليست هناك تعليقات