مهنة الإعلامي في الإسلام الجزء الأول

(حكم العمل في وسائل الإعلام)

من المعلوم أن لوسائل الإعلام - المرئي منها والمسموع - دورًا كبيرًا في صياغة المجتمع وتكوين ثقافته وحماية أخلاقه أو هدمها فمن استطاع المشاركة فيها لتكثير خيرها وتقليل شرها فيلزمه المشاركة ولكن دون أن يخوض مع الخائضين ويلهو مع اللاهين وإلا فقد وقع فيما حذر الله منه من النهي عن التعاون على الإثم والعدوان
قال الله تعالى :
{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}
[المائدة : 2]

وقال تعالى :
{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ}
[الأنعام : 68]

[انظر موقع إسلام ويب : فتوى/11401]

(حكم العمل في مجال التصوير التلفزيوني)

التصوير المرئي جائز على الراجح من أقوال أهل العلم لكن ينظر بعد ذلك فيما يصور وما هي الأغراض المقصودة من التصوير فإن كان ما يصور مباحًا والمقاصد محمودة كتصوير الدروس العلمية ونحوها أو الوقائع الإخبارية وغيرها مما يجوز نقله وبثه بين الناس للتعليم أو التثقيف أو الترفيه المباح فلا بأس بالتصوير حينئذ وإن كان العكس كتصوير المغنين والمغنيات والمسلسلات والأفلام وما تحويه من تبرج النساء واختلاطهن بالرجال وكشف العورات وتعليم الجريمة ونشر الرذيلة وبث الفساد فإن التصوير لا يجوز وفاعله آثم إثمًا مبينًا لأن في عمله هذا إعانة على المنكر ومشاركة فيه وتسهيلًا لنشره بين الناس ويتحمل جزءًا من وزر كل من ينجرف وراء هذه البرامج الفاسدة
والله جل وعلا يقول :
{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}
[المائدة : 2]

[انظر موقع إسلام ويب : فتوى/7896]


(حكم تمثيل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام)

إن تمثيل الأنبياء والرسل في الأفلام والمسلسلات ونحوها منكر كبير لما فيه من تقمص شخصيات هي أفضل البشر على الإطلاق اختارهم الله للنبوة والرسالة لما علم فيها من فضل ونقاء وكمال فمكانتهم أعز من أن يتمثل في صورتهم وقد ثبت عن النبي صل الله عليه وسلم أنه قال :
فإن الشيطان لا يتمثل بي
[متفق عليه]
والأنبياء مثله صل الله عليه وسلم في وجوب الاحترام لأنهم في منزلة ومرتبة واحدة وهي منزلة النبوة والرسالة وإن تفاوت فضلهم عليهم الصلاة والسلام
وإذا كان الشيطان لا يتمثل بهم صونًا من الله لهم وعصمة لسيرتهم بعد أن عصم ذواتهم ونفوسهم فمن يتقمص شخصيتهم بالتمثيل يفتري عليهم وينسب إليهم الكذب بحاله ومقاله ويشوه سيرتهم وإذا حرم التمثيل حرمت المشاهدة والاقتناء وذلك لما يترتب عليهما من ترويج هذه الأفلام مما يعد عونا لأصحابها على ما هم عليه من الإثم

مفاسد تمثيل الأنبياء
جاء في أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية :
"ومفاسد تمثيل الأنبياء كثيرة نكتفي منها بهذه الأمثلة :
1) تشكيك المؤمنين في عقائدهم وتبديد ما وقر في نفوسهم من تمجيد هذه المثل العليا إذ أنهم قبل رؤية هذه المشاهد يؤمنون حقا بعظمة الأنبياء ورسالتهم ويتمثلونهم حقا في أكمل مراتب الإنسانية وأرفع ذراها - إذا هم بعد العرض قد هانت في نفوسهم تلك الشخصيات الكريمة وهبطت من أعلى درجاتها إلى منازل العامة والأخلاط وقد تقمصهم الممثلون في صور وأشكال مصطنعة مما يتقلص معه ظل الدين والأخلاق

2) إثارة الجدل والمناقشة والنقد والتعليق حول هذه الشخصيات الكريمة وممثليها من أهل الفن والمسرح تارة ومن النظارة تارة أخرى وها نحن أولا نرى صفحات للفن والمسرح ومجادلات في التعليق والنقد وأنبياء الله ورسله مثل كلام الله عز وجل فوق النقد والتعليق

3) إلهاب المشاعر وتحزب الطوائف ونشوب الخصام والقتال بين أهل الأديان كما وقع بين المسلم واليهودي في العصر النبوي وما أحوجنا إلى الأمن والاستقرار وإطفاء الفتن وتسكينها لا إثارتها وإشعالها

4) الكذب على الله ورسله لأن التمثيل أو التخييل ليسا إلا ترجمة للأحوال والأقوال والحركات والسكنات ومهما يكن فيهما من دقة وإتقان فلا مناص من زيادة أو نقصان وذلك يجر طوعا أو كرها إلى الكذب والضلال والكذب على الأنبياء كذب على الله تعالى وهو كفر وبهتان مبين والعياذ بالله
وجملة القول :
أن أنبياء الله تعالى ورسله معصومون بعصمة الله لهم من النقائص الخَلقية والخُلقية وأن تمثيلهم تنقيص لهم أو ذريعة إلى التنقيص لا محالة وكلاهما مفسدة أو مؤد إلى المفسدة التي من شعبها إثارة العصبيات والفتن التي لا يعلم مداها إلا الله تعالى
وإن في الأدب والتاريخ وتصوير الفضائل ومكارم الأخلاق لميدانا فسيحا للفن والتمثيل فليتجه إليها الفن ما شاء له الاتجاه وليبتكر ما شاء له الابتكار وليدع أنبياء الله ورسله محفوفين - كما حفهم الله تعالى - بالجلال والوقار وليعمل على أن يكون مفتاحا للخير مغلاقا للشر فطوبى لمن كان كذلك والويل ثم الويل لمن يثير غضب الله وسخطه وانتقامه وغيرته لأنبيائه"
[أبحاث هيئة كبار العلماء : 3/ 315]

(حكم تمثيل شخصيات الصحابة في التمثيل)

قررت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية منع تمثيل الصحابة رضي الله عنهم :
"جاء فيه ما نصه :
نبعث إليكم مع الرسالة الواردة إلينا من طلال بن الشيخ محمود البني المكي مدير عام شركة لونا فيلم من بيروت بشأن اعتزام الشركة عمل فيلم سينمائي يصور حياة (بلال) مؤذن رسول الله صل الله عليه وسلم نرغب إليكم بعد الاطلاع عليها عرض الموضوع على كبار العلماء لإبداء رأيهم فيه وإخبارنا بالنتيجة وبعد اطلاع الهيئة على خطاب المقام السامي وما أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ذلك وتداول الرأي قررت ما يلي :
1) إن الله سبحانه أثنى على الصحابة وبين منزلتهم العالية ومكانتهم الرفيعة وفي إخراج حياة أي واحد منهم على شكل مسرحية أو فيلم سينمائي منافاة لهذا الثناء الذي أثنى الله عليهم به وتنزيل لهم من المكانة العالية التي جعلها الله لهم وأكرمهم بها

2) إن تمثيل أي واحد منهم سيكون موضعا للسخرية والاستهزاء ويتولاه أناس غالبا ليس للصلاح والتقوى مكان في حياتهم العامة والأخلاق الإسلامية مع ما يقصده أرباب المسارح من جعل ذلك وسيلة إلى الكسب المادي وأنه مهما حصل من التحفظ فسيشتمل على الكذب والغيبة كما يضع تمثيل الصحابة رضوان الله عليهم في أنفس الناس وضعا مزريا فتتزعزع الثقة بأصحاب الرسول صل الله عليه وسلم وتخف الهيبة التي في نفوس المسلمين من المشاهدين وينفتح باب التشكيك على المسلمين في دينهم والجدل والمناقشة في أصحاب محمد صل الله عليه وسلم ويتضمن ضرورة أن يقف أحد الممثلين موقف أبي جهل وأمثاله ويجري على لسانه سب بلال وسب الرسول صل الله عليه وسلم وما جاء به الإسلام ولا شك أن هذا منكر كما يتخذ هدفا لبلبلة أفكار المسلمين نحو عقيدتهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم محمد صل الله عليه وسلم

3) ما يقال من وجود مصلحة وهي إظهار مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب مع التحري للحقيقة وضبط السيرة وعدم الإخلال بشيء من ذلك بوجه من الوجوه رغبة في العبرة والاتعاظ فهذا مجرد فرض وتقدير فإن من عرف حال الممثلين وما يهدفون إليه عرف أن هذا النوع من التمثيل يأباه واقع الممثلين ورواد التمثيل وما هو شأنهم في حياتهم وأعمالهم

4) من القواعد المقررة في الشريعة أن ما كان مفسدة محضة أو راجحة فإنه محرم وتمثيل الصحابة على تقدير وجود مصلحة فيه فمفسدته راجحة فرعاية للمصلحة وسدا للذريعة وحفاظا على كرامة أصحاب محمد صل الله عليه وسلم منع ذلك وقد لفت نظر الهيئة ما قاله طلال من أن محمدا صل الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين هم أرفع من أن يظهروا صورة أو صوتا في هذا الفيلم لفت نظرهم إلى أن جرأة أرباب المسارح على تصوير بلال وأمثاله من الصحابة إنما كان لضعف مكانتهم ونزول درجتهم في الأفضلية عن الخلفاء الأربعة فليس لهم من الحصانة والوجاهة ما يمنع من تمثيلهم وتعريضهم للسخرية والاستهزاء في نظرهم فهذا غير صحيح لأن لكل صحابي فضلا يخصه وهم مشتركون جميعا في فضل الصحبة وإن كانوا متفاوتين في منازلهم عند الله جل وعلا هذا القدر المشترك بينهم وهو فضل الصحبة يمنع من الاستهانة بهم وصل الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه"
[مجموع فتاوى ابن باز : 1/415- 417]

ليست هناك تعليقات