مهنة الحرفي في الإسلام الجزء الخامس

(حكم خياطة ما يعين على المعصية)

س/ أعمل خيَّاطة وقد عملت أغطية لكراسي تستعمل في أعراس أغلبها ليست إسلامية وفيها ما فيها من المنكرات والمحرمات
هل أنا آثمة في فعلي هذا ؟
وهل المبلغ الذي تقاضيته في المقابل حرام ؟

ج/ الحمد لله
خياطة الثياب والستائر والأغطية للاستعانة بها على المحرمات : لا تجوز
كخياطة الستائر لقاعات الرقص والغناء أو خياطة ثياب الحرير للرجال أو خياطة الألبسة الضيقة والمتكشفة لمن يعلم - أو يغلب على ظنه - أنها ستلبسه أمام الرجال الأجانب عنها ونحو ذلك من صور الإعانة على فعل المحرم
والقاعدة التي تجمعها هي :
"تحريم بيع أو تصنيع أو الاستئجار على أي عمل يعين على معصية الله"
دليل ذلك قول الله عز وجل :
{ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }
[المائدة : 2]


قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
"وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى أي : ليُعن بعضكم بعضا على البر وهو اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال الظاهرة والباطنة من حقوق الله وحقوق الآدميين
والتقوى في هذا الموضع :
اسم جامع لترك كل ما يكرهه الله ورسوله من الأعمال الظاهرة والباطنة
وكلُّ خصلة من خصال الخير المأمور بفعلها أو خصلة من خصال الشر المأمور بتركها :
فإن العبد مأمور بفعلها بنفسه وبمعاونة غيره من إخوانه المؤمنين عليها بكل قول يبعث عليها وينشط لها وبكل فعل كذلك
وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ
وهو التجرؤ على المعاصي التي يأثم صاحبها
وَالْعُدْوَانِ وهو التعدي على الخَلْق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم فكل معصية وظلم يجب على العبد كف نفسه عنه ثم إعانة غيره على تركه
{ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }
على من عصاه وتجرأ على محارمه فاحذروا المحارم لئلا يحل بكم عقابه العاجل والآجل"
[تفسير السعدي (ص 218)]
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"إذا أعان الرجلَ على معصية الله :
كان آثمًا لأنه أعان على الإثم والعدوان ولهذا لعن النبي صل الله عليه وسلم الخمر وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومشتريها وساقيها وشاربها وآكل ثمنها
وأكثر هؤلاء كالعاصر والحامل والساقي إنما هم يعاونون على شربها ولهذا ينهى عن بيع السلاح لمن يقاتل به قتالا محرما :
كقتال المسلمين والقتال في الفتنة
ومن أخذ عِوضًا (الأجرة) عن عين محرمة أو نفع استوفاه مثل أجرة حَمَّال الخمر وأجرة صانع الصليب وأجرة البَغِيّ ونحو ذلك :
فليتصدق بها وليتب من ذلك العمل المحرم وتكون صدقته بالعوض (الأجرة) كفارة لما فعله فإن هذا العوض لا يجوز الانتفاع به لأنه عوض خبيث ولا يعاد إلى صاحبه لأنه قد استوفى العوض ويتصدق به
كما نص على ذلك مَن نَصَّ من العلماء
كما نَصَّ عليه الإمام أحمد في مثل حامل الخمر ونص عليه أصحاب مالك وغيرهم"
[مجموع الفتاوى (22/141 - 142)]
ونقل في
[شرح العمدة (4/385 - 387)]
عن الإمام أحمد تحريم خياطة الثياب للجنود الظلمة وأنه إذا فعل ذلك فقد أعانهم على الظلم

ثم قال شيخ الإسلام :
"وكل لباس يغلب على الظن أن يُستعان بلبسه على معصية :
فلا يجوز بيعه وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم وكذلك كل مباح في الأصل علم أنه يستعان به على معصية"
انتهى باختصار

وعلى هذا فما قمتِ به من خياطة أغطية لكراسي الأفراح التي ترتكب فيها المعاصي والآثام عملٌ محرم وكسبكِ منه محرَّم أيضًا والواجب عليكِ التوبة إلى الله تعالى منه والتصدق بالأجرة التي أخذتيها مقابل هذا العمل المحرم
ونسأل الله تعالى أن يخلف عليك خيرًا وأن يتقبل توبتك
والله أعلم
[موقع الإسلام سؤال وجواب فتوى رقم (103789)]


(خياطة الثياب التي تنزل عن الكعبين)

س/ هل يجوز للخياط أن يفصل للرجال ثيابًا تنزل عن الكعبين؟

ج/ لا يحل لصاحب محل الخياطة أن يفصل للرجال ثيابًا تنزل عن الكعبين لأن إسبال الثياب عن الكعبين من كبائر الذنوب
فقد صح عن النبي صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(أن ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار)
وهذا وعيد وتحذير وكل ذنب فيه وعيد فإنه من الكبائر ومن فصل للرجال ثيابًا تنزل عن الكعبين فقد شاركهم في هذه الكبيرة وله منها نصيب من ذلك
قال تعالى :
{ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }
[مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (12/ 310)]

(حكم بناء المرحاض في اتجاه القبلة)

س/ أنا حاليًا أقوم ببناء منزل وقد قيل لي إن المرحاض يجب وضعه في غير اتجاه القبلة فهل هذا صحيح ؟ حتى في وجود جدار أمامه

ج/ الحمد لله
صح عن النبي صل الله عليه وسلم النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة
وقد ذهب جمهور العلماء (منهم مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله) إلى أن هذا النهي إنما هو لمن كان في الفضاء بحيث لا يوجد ساتر بينه وبين القبلة أما في البنيان فأجازوا استقبالها واستدبارها عند قضاء الحاجة
وذهب آخرون (منهم أبو حنيفة واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله) إلى تحريم استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة مطلقًا في الفضاء والبنيان
انظر [المغني (1/ 107)]
حاشية ابن عابدين (1/ 554)]
[الموسوعة الفقهية (34/5)]

وما دمت في مرحلة البناء فالأحوط لك أن تبني المرحاض بحيث لا يقع عند قضاء الحاجة فيه استقبال القبلة أو استدبارها خروجا من الخلاف

وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء :
عن حكم استقبال أو استدبار القبلة وقت قضاء الحاجة في المباني أو الخلاء ثم ما حكم المباني المستعملة الآن والتي يوجد بها مراحيض تستقبل أو تستدبر القبلة ولا يمكن تعديله إلا بهدم الحمام كله أو جزء منه لإجراء التعديل وأخيرا إذا كان يوجد لدينا مخططات ولم تنفذ بعدُ وبعض المراحيض تستقبل القبلة أو تستدبرها هل يجب تعديلها أم أنها تنفذ ولا حرج في ذلك ؟
فأجابت :
أولًا :
الصحيح من أقوال العلماء أنه يحرم استقبال القبلة - الكعبة - واستدبارها عند قضاء الحاجة في الخلاء ببول أو غائط وأنه يجوز ذلك في البنيان وفيما إذا كان بينه وبين الكعبة ساتر قريب أمامه في استقبالها أو خلفه في استدبارها كرَحْل أو شجرة أو جبل أو نحو ذلك
وهو قول كثير من أهل العلم لما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صل الله عليه وسلم أنه قال :
(إذا جلس أحدكم لحاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها)
رواه أحمد ومسلم

ولما رواه أبو أيوب الأنصاري عن النبي صل الله عليه وسلم أنه قال :
(إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا)
رواه البخاري ومسلم

ولما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال :
(رقيت يوما على بيت حفصة فرأيت النبي صل الله عليه وسلم على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة)
رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن

وروى أبو داود والحاكم أن مروان الأصفر قال :
(رأيت ابن عمر رضي الله عنهما أناخ راحلته مستقبل القبلة يبول إليها فقلت : أبا عبد الرحمن أليس قد نُهي عن ذلك ؟
قال : (إنما نُهي عن هذا في الفضاء فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس)
وسكت عنه أبو داود
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح : إسناده حسن


وروى أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :
(نهى النبي صل الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يُقبض بعامٍ يستقبلها)
وإلى هذا ذهب كثير من أهل العلم جمعًا بين الأدلة بحمل حديث أبي هريرة ونحوه على ما إذا كان قضاء الحاجة في الفضاء بلا ساتر وحديث جابر بن عبد الله وابن عمر رضي الله عنهم على ما إذا كان في بنيان أو مع ساتر بينه وبين القبلة

ومن هذا يعلم جواز استقبال القبلة واستدبارها في قضاء الحاجة في المباني كلها

ثانيًا :
إذا كان هناك مخططات لمبانٍ لم تنفذ وبها مراحيض تستقبل القبلة أو تستدبرها فالأحوط تعديلها حتى لا تكون في قضاء الحاجة بها استقبال القبلة أو استدبارها خروجا من الخلاف في ذلك وإذا لم تعدل فلا إثم لما تقدم من الأحاديث"
[فتاوى اللجنة الدائمة (5/ 97)]
والله أعلم
[موقع الإسلام سؤال وجواب رقم الفتوى (69808)]

ليست هناك تعليقات