قصة إبراهيمُ بنُ أدهَم رضي الله عنه


كان إبراهيمُ بنُ أدهَمَ ابناً لأميرٍ من الأمراء وكان يعيشُ حياة المتفرفين إذ سمع صوتاً في داخله وهو في رحلة الصيد يقول له
بأن لا يغترَّ بالدنيا وفجأة انقلب الشاب من شاب مرفه إلى شابٍ زاهد وورع مجاهداً يدافع عن الإسلام وأهله ولا يخاف إلا الله
الزاهد العابد المُرابِطُ المُجاهد
وذات مرة كَتَب الله له ولمن معه في معركةٍ ما النصر من عنده
وقال له أحدهم هيا لنأخذ الغنائم يا إبراهيم فهي من حقّك
فقال له : لاحاجة لي فيها ولا أريد مالاً في سبيل الله وإنما شاركتُ في المعركة لتكون كلمةُ الله هي العُليا
ورغم زُهده يدعو إلى العمل وإلى الكسب الحلال وترك ثروة أبيه الوافرة وفضَّل العيش من كسبِ يده وكانت له مواقفه الكثيرة تظهر مدى زهده وورعه ورغبته في إصلاح الآخرين ممن حوله

ومن أمثلة ذلك الزُهد  أنه كانت يوماً ما يمشي مع أصحابه عائدون من العملِ
فقال أحدُهُم : الحمدُ لله كان عملُنا اليوم وفيراً وحصلنا على مالٍ من تعبِ يدِنا
وكما أننا نستمتع بالإقامة معك يا إبراهيم في منزلٍ واحد
وما أروع الإنسان أن يعمل من تعبه ويسترزق بعمله
فكان لم يحلق شعره هو وأصحابه منذ أن رجعوا من المعركة
فذهبوا إلى حلاقٍ في المدينة ورآهما فقيران فلم يرضى أن يحلق لهما وقال لهما : هذا ما كان ينقصني فقيران يُريدان أن يحلقا ويُفاصِلانِ في الأجرِ
فبينما كانا يتكلمان إذ أتى شخصٌ غنيٌ وقال : أريد الحلاقة
فرحبَ الحلاق به أشدَّ ترحيب وقال له تفضل
وقال له صديقه أما أنا فسأذهب لأحلق عند غيره
وقال إبراهيمُ اما انا فسأبقى وأنتظرُ حتى ينتهي
قال له صديقه : ماذا ستفعل ريثما ينتهي
قال له : سأذكر الله وأقرأ وردي اليومي من القرآن وهي فرصة لن أضيعها
وكان الحلاق يتكلم معهما بلهجة تكبرٍ
وما إن انتهى من ورده وأذكاره إبراهيمُ
إذ أتى إليه الحلاق وقال له : أما زلت هُنا ؟!
قال له إبراهيم : نعم يا أخي وأريد الحلاقة
فقال الحلاَّق : أريد ديناراً كاملاً منك إن أردت الحلاقة
فقال له إبراهيم : سأعطيك كما تطلب
فبدأ بالحلاقة وقُبيل أن ينتهي الحلاق من حلاقته
إذ أتى صديقُه وقال له : أما أنتهيت فإنني قد حلقت وذهبت للبيت واستحممتُ وعُدتُ
قال له إبراهيم : دقائق وننتهي إن شاء الله
فانتهى إبراهيمُ من الحلاقة وأعطاه صُرَّةً فيها مال قيمته عشرين ديناراً
فقال له صديقه : هو طلب ديناراً وانت أعطيته مالك كل الذي عملت به في المزرعة !!
فقال له إبراهيم : حتى يكونَ درساً له ولا يتكبر على الناس أو يحتقرهم فقيرهم قبل غنيِّهم وهذا غني خيرٌ من مال الدُنيا وكُلِه
فاعتذر الحلاق إلى إبراهيم وصاحبه
وقال له إبراهيم : أتمنى ان تحسن معاملتك مع الناس أياً كان مظهرهم ولا فرق بين فقير ولا غني يا أخير جميعنا عبيدٌ لله
فقال الحلاق : صدقت صدقت

فلم يكن المال يهم إبراهيم أبدا وكان على استعداد لينفق كل ماله ليجعل الآخرين سعداء وقليلون هم من يفعلون ذلك
وكان أيضاً ذات مرة مع أصحابه يمشون وكانوا يعملون ورجعوا عائدين من العمل متعبين كانوا صائمين
فيتمنون الوصول للبيت والاستراحة فيه من شدَّة تعبِهم
فقالوا له : هيَّا يا إبراهيم أسرع لنصل إلى البيت فقد أوشك المغرب على المجيء ويحين وقت الفطور
ولن ننتظرك إذ بقيت على هذه الحالة
فقال : إنني أحب أن أتأمل بديع خلق الله في السماوات والأرض وأذكر ربي وأحب أن أمشي على مَهَلٍ
فاذهبوا إن أردتم وأنا ألحق بكم إن شاء الله
وقد أذنَّ المغرب وكان الفطور موجوداً وقال قائلهم
سأجعل إبراهيم لا يتأخر في الحضور معنا إلى البيت
فقالوا كيف ذلك ؟
فقال : سننهي الطعام كله ثم ننام فإذا جاء وعرف أن الطعام قد انتهى فسيعرف أن سبب تأخره هو السبب في ذلك
قالوا : فكرة سديدة
وبينما هو قادم وداخل للبيت ولم يجد طعاماً
قال : يا إلهي ! لقد ناموا بدون طعام وناموا جائعين وسأذهب لأحضر لهم طعاماً وأقومَ بطهيه
وهكذا بدأ إبراهيم في إعداد الطعام لأصدقائه
فكانوا نائمين واستيقظوا وشموا رائحة الطعام فقالوا لنقم ونرى ما الذي يحصل هنا
فوجدوا إبراهيم يعد لهم الطعام
فقالوا : له لم تعد لنا الطعام
فقال : رأيتكم نائمين ولم أجد أثراً لطعامٍ في المنزل
فلم أرد إيقاظكم حتى أنتهي من إعداده
فقالوا : ياويحي نحن من أكلنا الطعام وفعلنا ذلك كي لا تتأخر معنا في المرة القادمة والرجوع معَنا

وكان حريصاً على أن يفعل الجميع الصواب ويستزيدوا في الخير وأصبح اسمه رمزاً للزهد والتقوى وحب العمل والإخلاص فيه
فرحمه الله رحمةً واسعة

ليست هناك تعليقات