قصة الإمام أحمد بن شعيب النسائي رضي الله عنه


مع اتساعِ الفتوحاتِ الإسلامية والدولة الإسلامية وصل الإسلام إلى كثيرٍ من المناطق وَعَرف أهلها ما في الإسلام من خير وما يدعو إليه من فضائل وحرصوا جاهدين وساعين على تطبيقِ تعاليمه وتعليمِ أولادهم ذلك وظهرت أجيال جديدة من طلاب العلم في بلاد لم تكن تعرف الإسلام من قبل ومن هؤلاء العلماء أحمدُ بنُ شعيب النَسَائيُ وبدأ بتعلم العلم ونشأ في تربيةٍ صالحة وبدا رحلته أيضاً بطلب العلم واشتُهِر بالنسَائي نسبة لبلدة نَسا حيث ولد في تركمنستان ومع مرور الوقت واشتغاله بالعلم صار معلماً ومحدثاً وياتي الطلابُ إليه لأخذ العلمِ عنه

وكان في مجلس علمٍ مع طلابه ويقول لهم فيه :
والصيام لا يكون في رمضان فقط فصوم رمضان هو الفرض ولكن يمكننا الصوم في غيره تقرُبا لله سبحانه وتعالى وقد ورد عن النبي صل الله عليه وسلم أنَّه قال :
شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر صومُ الدهر
أي أننا إذا صمنا رمضان وثلاثة أيام من كل شهر فكأننا صُمنا الدهر
وقال لطلابه : وفقنا الله لما فيه كل خير وموعدنا غداً إن شاء الله
وقال له طالبه : هل يمكن أن أذهب معك يا شيخي
فقال له الشيخ أحمد : على الرحب والسعة أهلاً وسهلاً بك
وذهبا في الطريق وهما يتحدثان قال له طالبه : بارك الله لنا في علمك يا شيخ أحمد ونفعنا به وأدمك الله فوق رؤوسنا وإننا نستفيد في كل درس معك

فقال الإمام : أرجو أن تكون دروساً مُستفادة إن شاء الله وأن تعملوا بكل ما تسمعون وترون وأن تبلغوا من وراءكم
وفي طريقهما وصلا إلى منزل الطالب وقال له الطالب : توقف يا شيخ أحمد فهذا منزلي وإنني ادعوك للطعام
فقال له الشيخ أحمد : شكراً لك على الدعوة ولكن إنني صائم والحمد لله
فقال له الطالب : منذ يومين بعد الدرس أعطيتُك تفاحة ولم تأكلها وقلت لي أنَّك صائم
والآن أيضاً أنت صائم وفي عدة مواقف تكونُ فيها صائماً يا شيخ
ألا تُفطِرُ يوماً يا شيخ ؟
قال الشيخ أحمد : أُفطِرُ يوماً وأصومُ يوماً
فقال له الطالب : ألا تتعب ياشيخ أحمد ؟
فقال له الشيخ أحمد : بالعكس ولله الحمد أشعر بنشاطٍ دائم ومادمت أستطيع تحمل هذا فلا شكَ في فعله
فقال له الطالب : ما السبب في حُبِكَ للصوم يا شيخ أحمد ؟
فقال له الشيخ أحمد : حديثٌ سَمعتُه عن النبي صل الله عليه وسلم
فقال له الطالب : هلا أخبرتني إياه يا شيخ أحمد
فقال له الشيخ : بالطبع ولاشك ولاريب
فقال الشيخ سأل أبو أمامة رضي الله عنه النبي 
صل الله عليه وسلم فقال له :أي العمل أفضل ؟
فقال له النبي 
صل الله عليه وسلم : عليك بالصوم فإنَّه لاعِدْلَ له
أي لايساويه شيء
فقال له الطالب : بالفعل أنت قدوةٌ في العلم والعمل يا شيخ بارك الله فيك

وهكذا كان الشيخ أحمد رحمه الله يضربُ المثل في العالم الذي عرفه وعمل به من العلم وليس كذلك فقط بل كان مجاهداً فارساً شجاعاً لا يخشى في الله لومة لائم
وكان ذات مرة بين الجند جالِساً يقرأ فاستغربَ الجُنُودُ منه وقالوا :
أليس هذا الشيخ أحمد العالم الذي نعرفه ؟
فقالوا : نعم إنَّه هو ولربما يجلس ليعلم الجنود ولكن هل يتطلب هذا أن يجلس ومعه درعه وسيفه وبلباس الحرب ؟!
والأغرب من ذلك لم يأتي إلى مصرَ من فترة قريبة !
واليوم تجده مع أمير الجيش في مصر منطلقاً للمعركة وهناك طريقة واحدة للحصول على الإجابة لهذه التساؤلات
وما هي ؟
أن نتوجه إليه ونسأله لنأخذ جواباً عن تساؤلاتنا
فذهبوا إليه وقالوا له : أي سبب يجعلك تنضم للجيش ؟
فقال لهم الشيخ أحمد : أي سبب يجعل المسلم ينضم للجيش وهو الجهاد وأقاتل في سبيل الله وبإذنه
وإن لم أعمل بما علمت فلا فائدة لعلي عندها
عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ- كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ وَتَوَكَّلَ اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِهِ بِأَنْ يَتَوَفَّاهُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرْجِعَهُ سَالِمًا مَعَ أَجْر أَوْ غَنِيمَة

وظل الإمام الشيخ أحمد شجاعاً فارساً مجاهداً لايخشى إلا الله وظل محباً للعلم ساعياً للاستزادة منه وكان متحرياً في الدقَّة عن رواية الأحاديث

ليست هناك تعليقات