مهنة الحرفي في الإسلام الجزء الأول

(فضل الإحتراف)

حض الإسلام على الكسب ورغب فيه يقول الرسول صل الله عليه وسلم :
ما أكل أحد طعاما قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده
[رواه البخاري 2072]

ومن تعظيم الله أمر العمل والصناعة باليد ما رواه كعب بن عجرة رضي الله عنه قال :
مر على النبي صل الله عليه وسلم رجل فرأى أصحاب النبي صل الله عليه وسلم من جلده ونشاطه ما أعجبهم
فقالوا يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله
فقال رسول الله صل الله عليه وسلم :
إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله
وإن خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله
وإن كان يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله
وإن كان خرج رياء وتفاخرا فهو في سبيل الشيطان
[رواه الطبراني في الأوسط 6835 وصححه الألباني]

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
"لأن أموت من سعي على رجلي أطلب كفاف وجهي أحب إليّ من أن أموت غازيًا في سبيل الله"
[تلبيس إبليس : ص 262]

يقول الراغب :
"الاحتراف في الدنيا وإن كان مباحاً من وجه فهو واجب من وجه لأنه لما لم يكن للإنسان الاستقلال بالعبادة إلا بإزالة ضروريات حياته فإزالتها واجبة إذ كل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب
فإذا لم يكن له بد إلا بتعب من الناس فلابد أن يعوضهم تعبًا له وإلا كان ظالماً لهم ومن تعطل وتبطل انسلخ من الإنسانية بل من الحيوانية وصار من جنس الموتى"
[فيض القدير : 2 / 293]


(إحتراف مهنة ليس عيبًا)

للعمل منزلة شريفة في الإسلام أيَّـاً كان ذلك العمل شرط أن يكون مباح الأصل نافعًا غير ضار
ولمكانته قدم القرآن الكريم في الذكر من يضرب في الأرض يبتغي الحلال على المجاهدين في الذكر
قال تعالى :
{ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ }
[المزمل : 20]


قال القرطبي :
"سوَّى الله تعالى في هذه الآية بين درجة المجاهدين والمكتسبين المال الحلال للنفقة على نفسه وعياله والإحسان والإفضال فكان هذا دليلا على أن كسب المال بمنزلة الجهاد لأنه جمعه مع الجهاد في سبيل الله"
[تفسير القرطبي : 19/ 55]

وحث الإسلام على الاحتراف والعمل ورغب فيه وصغر من شأن من يتهاون به أو يحتقره أو يزَّهِدُ فيه
فعن الزبير بن العوام رضي الله عنه عن النبي صل الله عليه وسلم أنه قال :
لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه
[البخاري 1471]

وقد قال عمر بن الخطاب :
"إني لأرى الرجل فيعجبني فأقول : له حرفة؟
فإن قالوا : لا
سقط من عيني"
[المجالسة وجواهر العلم : 7/ 117]

(من عمل فليتقن)

كل صاحب حرفة أو عامل مطالب بإتقان عمله وإحسان صنعته
يقول الله سبحانه وتعالى :
{ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }
[البقرة : 195]


وإتقان العمل عبادة وطاعة لله حتى لو كان العمل من أمور الدنيا
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صل الله عليه وسلم :
إن اللّه يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يُتقنه
[شعب الإيمان 4929 وصححه الألباني]

والمؤمن الحق إذا عمل عملًا أتقنه وأخرجه على أحسن حال وأكمل وجه أما التقصير في العمل والتهاون فيه أو التلاعب على أصحاب الحاجات فليس من صفات المؤمنين ولا من أخلاق المسلمين


(طهارة من على أعضائه دهانات (بوية) أو جص)

أثناء عمل بعض الحرفيين كالنقاش أو النجار أو الحداد قد يقع على أعضاء وضوئهم دهان (بوية) أو ما شابهها ويريدون أن يتطهروا للصلاة فماذا يصنعون؟
من المعلوم أن الوضوء شرط من شروط صحة الصلاة ومن شروط صحة الوضوء عموم البشرة بالماء الطهور ومن شروط صحته :
إزالة ما يمنع من وصول الماء إلى الجسد حتى يعم الماء جميع البشرة التي يفترض غسلها
وقد مثل العلماء والفقهاء لذلك المانع بالشمع والشحم لأنهما يستران البشرة ويحولان دون وصول الماء إليها
والقاعدة في ذلك : أن كل ما له جرم فإنه يمنع وصول الماء إلى البشرة فلا يصح معه الوضوء أو الاغتسال ولابد من إزالته وما ليس له جرم فوجوده لا يضر لأنه لا يمنع وصول الماء إلى البشرة
والأصل في ذلك قوله تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ }
[المائدة : 6]

إذن لابد من وصول الماء إلى جميع أعضاء فرائض الوضوء ولا يتساهل في أن هذه البقع صغيرة فإن ذلك كله يؤثر على الطهارة

وقد ورد سؤال للجنة الدائمة ونصه :
كثيرًا ما تردنا أسئلة حول تراكم الدهانات (البوية) على أماكن الوضوء إذ أن كثيرا من الناس وخاصة من يعمل في ذلك الاختصاص تتعرض أعضاؤهم للدهان ولا يمكن إزالة ذلك إلا بمواد كيماوية ويقولون :
إن استخدام تلك المواد الكيماوية المزيلة مثل التنر يؤثر على البشرة إذا استخدم بصفة مستمرة فهل تجوز صلاتهم إذا توضئوا؟ علمًا أن تلك الدهانات تحول دون وصل الماء إلى البشرة أم لابد من إزالة كل ما يمنع وصول الماء إلى البشرة لكل فريضة وإن كان هناك مشقة؟ آمل التكرم بطلب إصدار فتوى في ذلك لتتم إجابتهم هذا والله يحفظكم؟
فأجابوا : الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد :
يجب على المسلم أن يمس الماء بشرته عند الوضوء وعليه إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة وبإمكان العاملين في الدهانات والبوية ونحوها لبس ما يقي أيديهم من وصول الدهان إليها
[فتاوى اللجنة الدائمة : 5/ 238]

وسئلوا أيضا :
"الرجل الذي يعمل في دهان الأثاث بالكحول مذابًا فيه مادة تسمى "الجمالكا" مما يؤدي إلى ترسب طبقات منها على كفيه تمنع وصول ماء الوضوء للبشرة
ما حكم وضوء هذاالرجل وصلاته والصلاة خلفه؟
فأجابوا : الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد :
إذا كان الواقع كما ذكر من ترسب طبقة على جزء مما يجب غسله تمنع وصول الماء إلى البشرة لم يصح وضوءه ولا صلاته بهذا الوضوء ولا الاقتداء به في الصلاة"
[فتاوى اللجنة الدائمة : 5/ 236]

(التحرز من النجاسات)

بعض الأعمال قد يكون فيها ملامسة للنجاسات حسب طبيعة العمل كأعمال السباكين
فإنه أثناء عملهم في صيانة مواسير الصرف الصحي قد يقعون على نجاسة أو تقع على ثيابهم وهنا عليهم الآتي :
1) التحرز قدر الإمكان عن ملامسة النجاسات واستعمال الواقيات والثياب والمعدة لذلك

2) غسل الثياب أو البدن بالماء عند وقع النجاسة عليهما

3) عدم الصلاة في ثياب المهنة إلا بعد التأكد من خلوها من النجاسات

ليست هناك تعليقات