موسوعة الرد على الشيعة الجزء الحادى عشر أحداث تاريخية (أكاذيب و ردود 1)
لابد أن نقرأ التاريخ كما نقرأ أحاديث رسول الله صل الله عليه وسلم
ونحن إذا أردنا أن نقرأ أحاديث الرسول صل الله عليه وسلم لابد لنا أن نتثبت من الخبر أثابت هو عن رسول الله صل الله عليه وسلم أم لا؟
ولن نستطيع أن نعرف صحة الخبر عن رسول الله صل الله عليه وسلم من بطلانه إلا بالنظر إلى الإسناد مع الـمتن
لأن أهل العلم اعتنوا بالحديث ورجاله وتتبعوا أحاديثهم ومحصوها وحكموا عليها وبينوا الصحيح من الضعيف
وبالتالي نقيت هذه الأحاديث مما فيها أو مما أدخل عليها من كذب أو تدليس أو ما شابه ذلك
ولكن التاريخ يختلف فتارة نجد كثيرا من رواياته ليس لها إسناد وتارة أخرى نجد لها إسنادا ولكن قد لا نجد للرجال الذين في إسناد تلك الرواية ترجمة ولا نجد أحدا من أهل العلم تكلم فيهم جرحا أو تعديلا مدحا أو ذما
فيصعب علينا حينئذ أن نحكم على هذه الرواية لأننا لا نعرف حال بعض رجال السند
فالأمر أصعب من الحديث ولكن لا يعني هذا أبدا أن نتساهل فيه بل لابد أن نتثبت وأن نعرف كيف نأخذ تاريخنا
وقد يقول قائل : سيضيع علينا كثير من التاريخ بهذه الطريقة!
فنرد قائلين : لن يضيع الكثير كما تتصور فإن كثيرا من روايات التاريخ التي نحتاجها -خاصة في هذا البحث- مذكورة بالأسانيد سواء كانت هذه الأسانيد في كتب التاريخ نفسها كـ
« تاريخ الطبري » و « جامع الترمذي »
أو الـمصنفات كـ
« مصنف ابن أبي شيبة »
أو في كتب التفسير التي تذكر بعض الروايات التاريخية بالأسانيد كـ
« تفسير ابن جرير » و » تفسير ابن كثير »
وأحيانا في كتب خاصة تكلمت عن أوقات خاصة ككتاب « حروب الردة » للكلاعي مثلا
أو كتاب « تاريخ خليفة بن خياط » الـمختصر
القصد : أننا لا نعجز عن أن نجد سندا لرواية من الروايات
وإن عجزنا ولم نجد سندا فعندنا أصل عام نتبعه خاصة لـما وقع في عهد الصحابة –وهو موضوع حديثنا- ألا وهو ثناء الله تبارك وتعالى وثناء رسوله صل الله عليه وسلم -كما سيأتي- على الصحابة فالأصل فيهم العدالة
وكل رواية جاء فيها مطعن على أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم ننظر في إسنادها :
- فإن كان صحيحا ينظر بعد ذلك في تأويل هذه الرواية وفيما تدل عليه
- وإن وجد أن السند ضعيف أو لم نجد لها سندا فعندنا الأصل وهو عدالة أولئك القوم
إذا :
عند قراءة التاريخ لابد أن نقرأ بتمحيص كما نقرأ الحديث وأخص التواريخ هو تاريخ أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
« لا بد أن يكون مع الإنسان أصول كلية ترد إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات وجهل وظلم في الكليات فيتولد فساد عظيم »
« مجموع الفتاوى » (19/203)
للأسف شغف الكثيرون في زماننا هذا بقراءة الكتب الحديثة التي ألفت في التاريخ والتي تهتم بجمال القصة أو تشويه الصورة أو هما معا بغض النظر عن صحتها أو عدم صحتها :
ككتب (عباس العقاد ) و له سلسلة « العبقريات »
أو كتب (خالد محمد خالد ) وله كتاب « خلفاء الرسول » و « رجال حول الرسول »
أو كتب ( طه حسين ) وله كتاب : « موقعة الجمل » و « علي وبنوه » و « الفتنة الكبرى »
أو كتب ( جورجي زيدان النصراني ) وله كتاب « تاريخ التمدن الإسلامي »
أو غيرهم من الـمحدثين
فهؤلاء عندما يتكلمون عن التاريخ يهتمون بالسياق وجمال القصة وحسن السبك بغض النظر عما إذا كانت هذه القصة صحيحة أم لا وبعضهم يقصد التشويه لحاجة في نفسه الـمهم أن يقص عليك قصة جميلة
ومن الكتب التي يجب الحذر منها :
1- « الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني » :
وهو كتاب سمر وشعر وطرب ولكنه شابه بكثير من الأخبار الباطلة
2- « العقد الفريد لأبن عبد ربه » :
وهو كتاب أدب أيضا ولكنه لم يخل من طعن
3- « الإمامة والسياسة » الـمنسوب لابن قتيبة :
وهو مكذوب عليه
4- « مروج الذهب للمسعودى » :
وهو بلا أسانيد
قال ابن تيمية رحمه الله :
« في تاريخ الـمسعودي من الأكاذيب ما لا يحصيه إلا الله فكيف يوثق بحكاية منقطعة الإسناد في كتاب قد عرف بكثرة الكذب »
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
« وكتبه طافحة بأنه كان شيعيا معتزليا »
5- « شرح نهج البلاغة لعبدالحميد بن أبي الحديد المعتزلى » :
وهو ضعيف عند علماء الجرح والتعديل بل الناظر في سبب تأليف ابن أبي الحديد لكتابه هذا يجد نفسه ملزما بأن يشك في الكتاب وصاحبه فقد ألفه من أجل الوزير ابن العلقمي الذي كان سببا في مقتل ( مليون ) مسلم في بغداد على يد التتار
قال الخوانساري عن كتاب ابن أبي الحديد هذا :
« صنفه لخزانة كتب الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمي
(روضات الجنات للخوانساري 3/20-21)
حتى أن كثيرا من العلماء الشيعة ذموا صاحب الكتاب وكتابه
فقال الميرزا حبيب الله الخوئي (عالم شيعى) يصف ابن أبي الحديد :
« ليس من أهل الدراية والأثر وأن رأيه فاسد ونظره كاسد وأنه أكثر من اللجاج وأنه أضل كثيرا وضل عن سواء السبيل »
أما عن كتابه فوصفه الميرزا بصفات عدة منها :
« جسد بلا روح يدور على القشر دون اللباب ليس له كثير فائدة فيه تأويلات بعيدة تشمئز عنها الطباع وتنفر عنها الأسماع »
(انظر « منهاج البراعة شرح نهج البلاغة » للميرزا حبيب الله الخوئي (1/14)
6- « تاريخ اليعقوبي » :
وهو كتاب كله مراسيل لا أسانيد فيه وصاحبه متهم
لـمن نقرأ التاريخ؟
* إذا لـمن نقرأ؟
الجواب هو :
إذا كنت تستطيع أن تبحث في الأسانيد وتمحصها فاقرأ للإمام الطبري فهو العمدة بالنسبة للذين يكتبون في التاريخ
وإذا كنت لا تستطيع أن تمحص الأسانيد فاقرأ :
للحافظ ابن كثير في كتابه « البداية والنهاية »
وللحافظ الذهبي في كتابه « تاريخ الإسلام »
ولأبي بكر بن العربي في كتابه « العواصم من القواصم »
وهو من أفضل الكتب التي تكلمت عن هذه الفترة
ومن الكتب الـمفيدة في التاريخ في هذا الباب وهي مختصرة ولكنها نافعة مثل :
1- « مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري » للدكتور يحيى بن إبراهيم اليحيى
2- « الخلافة الراشدة والخلافة الأموية » من فتح الباري للدكتور يحيى بن إبراهيم اليحيى
3- « تحقيق موقف الصحابة من الفتن » للدكتور محمد أمحزون
4- « عصر الخلافة الراشدة » للدكتور أكرم ضياء العمري
5- « مرويات خلافة معاوية في تاريخ الطبري » لخالد الغيث
6- « الطبقات الكبرى » لابن سعد
وهو كتاب مهم جدا حيث إن الـمؤلف ينقل رواياته بالأسانيد
7- « تاريخ خليفة بن خياط » وهو كتاب مختصر لكنه مهتم بالإسناد
8- « تاريخ الـمدينة » لابن شبة
وهو أيضا كتاب مسند
9- « أحداث وأحاديث فتنة الهرج » للدكتور عبد العزيز دخان
10- « أخطاء يجب أن تصحح من التاريخ » للدكتور جمال عبد الهادي والدكتورة وفاء جمعة
مم نحذر عند قراءة كتب التاريخ؟
عندما نقرأ كتب التاريخ نحذر من أن نميل مع رأي الـمؤلف إذ لابد أن ننظر إلى أصل الرواية لا إلى رأيه وأن نتوخى الإنصاف عند القراءة ولابد أن نعتقد –ونحن نقرأ تاريخ أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم- أمرين اثنين :
الأمر الأول :
أن نعتقد أن أصحاب النبي صل الله عليه وسلم هم خير البشر بعد أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم وذلك لأن الله تبارك وتعالى مدحهم والنبي صل الله عليه وسلم كذلك مدحهم وبين في أكثر من حديث أنهم أفضل البشر بعد أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم
الأمر الثاني :
أن نعلم أن أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم غير معصومين
نعم نحن نعتقد العصمة في إجماعهم لأن النبي صل الله عليه وسلم أخبرنا أن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة
(أخرجه أحمد في مسنده 6/396 رقم 26682 وابن ماجه)
فهم معصومون من أن يجتمعوا على ضلالة ولكنهم كأفراد غير معصومين فالعصمة لأنبياء الله وملائكته أما غير الأنبياء والـملائكة فلا نعتقد عصمة أحد
ونحن في كتابنا هذا نسعى جاهدين إلى التفريق بين الحقائق والرقائق فحبنا لأصحاب النبي صل الله عليه وسلم لم ولن يكون أبدا سببا لطمس الحقائق وإغفالها ولا نرى عيبا بعد استشارتنا من نثق به من علمائنا ومشايخنا
أقول :
لا نرى عيبا في الخوض في هذا الـموضوع لـمجرد الخوض بل العيب في أن يخوض الإنسان بجهل أو سوء نية أو هما معا
أما إذا كان الخوض بعلم وعدل وإنصاف وتقوى فالذي ظهر لي أنه لا مانع منه
إذا :
لابد أن نعتقد أن الصحابة خير البشر وأن نعتقد أنهم غير معصومين وأن ما وقع من بعضهم خطأ لا خطيئة وشتان بين الأمرين
فإذا جاءتك رواية فيها طعن في صحابي فلا تقدم على ردها ولا تقبلها حتى تنظر فيها فإن وجدت السند صحيحا فهذا من الأشياء التي هم غير معصومين فيها
فهم يخطئون كسائر البشر وإن وجدت السند ضعيفا فابق على الأصل وهو أنهم خير البشر بعد أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم
أما مدح الله تبارك وتعالى لأصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم فهو في قول الله عز وجل :
[محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما]
{الفتح : 29}
في هذه الآية مدح الله تبارك وتعالى جملة أصحاب الرسول صل الله عليه وسلم
إذا الأصل فيهم الـمدح
وقد ثبت عن النبي صل الله عليه وسلم أنه قال :
« فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه »
(متفق عليه)
فهذا مدح من رسول الله صل الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم
وسيأتي تفصيل ذلك في الكلام عن عدالة الصحابة
قال أبو محمد القحطاني في « نونيته » :
لا تقبلن من التوارخ كل ما جمع الرواة وخط كل بنان
ارو الحديث الـمنتقى عن أهله سيما ذوي الأحلام والأسنان
كابن الـمسيب والعلاء ومالك والليث والزهري أو سفيان
أي إذا أردت تاريخا صحيحا فهو الذي يرويه هؤلاء وأمثالهم من الثقات لا كما يقول الكثيرون ممن يطعنون في سيرة أصحاب الرسول :
« إن تاريخنا أسود مظلم قاتم »!!
لا بل تاريخنا ناصع جميل طيب يستمتع الإنسان بقراءته
* ومن أراد التوسع فليرجع إلى كتب التاريخ :
كـ « تاريخ الأمم والـملوك » الـمشهور بـ « تاريخ الطبري »
أو « البداية والنهاية » لابن كثير
أو « تاريخ الإسلام » للذهبي
أو غيرها من كتب التاريخ الـمعتمدة
ويعتبر « تاريخ الإمام الطبري » أهم كتاب في التاريخ الإسلامي وكثيرا ما ينقل الناس عنه فأهل السنة والبدعة ينقلون ويحتجون بـ «تاريخ الطبري»
ولماذا يا ترى يقدمونه على غيره من التواريخ؟
يقدم « تاريخ الإمام الطبري على غيره لأمور كثيرة منها :
1- قرب عهد الإمام الطبري من تلك الحوادث
2- أن الإمام الطبري يروي بالأسانيد
3- جلالة الإمام الطبري رحمه الله ومنزلته العلمية
4- أن أكثر كتب التاريخ إنما تنقل عنه
وإذا كان الأمر كذلك فنحن إذا أردنا أن نقرأ فلنذهب مباشرة إلى الإمام الطبري ولكن كما ذكرت فأهل السنة يأخذون من « تاريخ الطبري »
وأهل البدع كذلك يأخذون ما يوافق مذهبهم
فكيف نوفق بين هذا وهذا؟
« تاريخ الطبري » كما ذكرنا من ميزاته أنه لا يحدث إلا بالأسانيد وأهل السنة يأخذون الصحيح من أسانيد الطبري بينما أهل البدع يأخذون الصحيح والغث والسمين
الـمهم أن يوافق أهواءهم
وإذا كان الأمر كذلك كان من الواجب علينا أن نتعرف على منهج الإمام الطبري في « تاريخه »
منهج الإمام الطبري في تاريخه :
لقد أراحنا الإمام الطبري رحمه الله في هذه الـمسألة بمقدمة كتبها في أول كتابه وليت الذين يقرؤون هذا التاريخ يقرؤون هذه الـمقدمة حتى يعرفوا منهج الـمؤلف
يقول الإمام الطبري رحمه الله في مقدمة تاريخه :
« وليعلم الناظر في كتابنا هذا أن اعتمادي في كل ما أحضرت ذكره فيه مما شرطت أني راسمه فيه إنما هو على ما رويت من الأخبار التي أنا ذاكرها فيه والآثار التي أنا مسندها إلى رواتها
فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الـماضين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه من أجل أنه لم يعرف له وجها في الصحة ولا معنى في الـحقيقة فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا وإنما أتي من قبل بعض ناقليه إلينا
إنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا »
أظن أن الإمام الطبري بهذه الـمقدمة التي قدم لكتابه ألقى العهدة عليك أيها القارئ!!
فهو يقول لك: إذا وجدت في كتابي هذا خبرا تستشنعه ولا تقبله فانظر عمن رويناه والعهدة عليه وعلي أن أذكر من حدثني بهذا فإن كان ثقة فاقبل وإن لم يكن ثقة فلا تقبل
وهذا الأمر قام به أكثر الـمحدثين فحين ترجع إلى كتب الحديث غير « الصحيحين » اللذين تعهدا بإخراج الصحيح فقط كأن ترجع إلى
« جامع الترمذي » أو « سنن أبي داود » أو « الدارقطني » أو « الدارمي » أو « مسند أحمد »
أو غيرها من الكتب تجدهم يذكرون لك الإسناد ولم يتعهدوا بذكر الصحيح فقط وإنما ذكروا لك الإسناد وواجبك أنت أن تنظر إلى الإسناد فإذا كان السند صحيحا فاقبل وإن لم يكن صحيحا فرده
والطبري هنا لم يتعهد بأن ينقل الصحيح فقط إنما تعهد أن يذكر اسم من نقل عنه
وقد أشار إلى هذا الـمنهج ابن حجر رحمه الله مبينا طريقة ومنهج أكثر الأقدمين حيث قال :
« أكثر الـمحدثين في الأعصار الـماضية من سنة مائتين وهلم جرا إذا ساقوا الحديث بإسناده، اعتقدوا أنهم تبرؤوا من عهدته »
( لسان الميزان 4/128)
فإذا كان الأمر كذلك فلا عهدة على الإمام الطبري رحمه الله
وقد أكثر الإمام الطبري في كتابه « التاريخ » النقل عن رجل اسمه ( لوط بن يحيى ) ويكنى بأبي مخنف
و ( لوط بن يحيى ) هذا روى عنه الطبري ( خمسمائة وسبعا وثمانين ) رواية
وهذه الروايات تبدأ من وفاة النبي صل الله عليه وسلم وتنتهي إلى خلافة يزيد وهي الفترة التي سنتكلم عنها ومن أهمها :
1- سقيفة بني ساعدة
2- قصة الشورى
3- الأمور التي من أجلها قام الخوارج على عثمان رضي الله عنه
4- ثم بعد ذلك مقتله
5- خلافة علي رضي الله عنه
6- معركة الجمل
7- معركة صفين
8- التحكيم
9- معركة النهراوان
10- خلافة معاوية رضي الله عنه
11- قتل الحسين رضي الله عنه
وفي كل هذه تجد لأبي مخنف رواية وهي التي يعتمدها أهل البدع ويحرصون عليها
وأبو مخنف هذا قال عنه ابن معين :
« ليس بشيء »
وقال أبو حاتم :
« متروك الحديث »
وسئل عنه مرة فنفض يده وقال :
« أحد يسأل عن هذا »
وقال الدارقطني :
« ضعيف »
وقال ابن حبان :
« يروي الـموضوعات عن الثقات »
وقال الذهبي :
« إخباري تالف لا يوثق به »
فأنت إذا فتحت « تاريخ الطبري » ووجدت رواية فيها مطعن على أصحاب الرسول صل الله عليه وسلم فوجدت أن الطبري إنما رواها عن أبي مخنف فعليك أن تلقيها جانبا
لماذا؟ لأنها من رواية أبي مخنف!
وأبو مخنف هذا جمع بين البدعة والكذب وكثرة الرواية
مبتدع كذاب مكثر من الرواية!!
والثانى : الواقدي
(سير أعلام النبلاء 9/172)
مثلا وهو متروك متهم بالكذب
ولاشك أنه مؤرخ كبير حافظ عالم بالتاريخ ولكنه غير ثقة
والثالث : سيف بن عمر التميمي
( انظر ترجمته في « ميزان الاعتدال » (2/255)
وهو أيضا مؤرخ معروف ولكنه متروك متهم أيضا
والرابع : الكلبي
( ميزان الاعتدال 3/556)
وهو كذاب مشهور
فإذا لابد أن يتثبت الـمرء من رواية هؤلاء وأمثالهم
وسائل الإخباريين في تشويه التاريخ
خلافة الـخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه
من سنة 11 إلى 13 هـ
1- الاختلاق والكذب :
يختلقون قصة ما كما اختلقوا مثلا أن عائشة رضي الله عنها لـما جاءها خبر موت علي رضي الله عنه سجدت لله شكرا
وهذه قصة مكذوبة
(ذكرها أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني ص 555 وأبو الفرج شيعي متهم بالكذب)
2- الزيادة على الـحادثة أو النقصان منها بقصد التشويه :
هنا يكون أصل الحادثة صحيحا كحادثة (السقيفة) فقصة السقيفة صحيحة ووقع هناك اجتماع بين أبي بكر وعمر وأبي عبيدة من جانب والحباب بن الـمنذر وسعد بن عبادة وغيرهما من الأنصار من جانب آخر فزادوا عليها أشياء كما سيأتي ذكره مما أرادوا به تشويه هذه الحقيقة
3- التأويل الباطل للأحداث :
وهو أن يجتهد في تأويل الحدث تأويلا باطلا يتماشى مع هواه ويتماشى مع معتقده وبدعته التي هو عليها
4- إبراز الـمثالب والأخطاء :
هنا تكون القصة صحيحة ولكن يبرزها إبرازا يركز فيه على الأخطاء ويغطي على أية محاسن
5- صناعة الأشعار لتأييد حوادث تاريخية :
يصنعون شعرا يؤلفه أحدهم ثم ينسبه إلى أمير الـمؤمنين علي رضي الله عنه أو ينسبه إلى أم الـمؤمنين عائشة رضي الله عنها أو ينسبه إلى الزبير أو إلى طلحة في الطعن في أحد الصحابة
كما نسبوا شعرا لابن عباس أنه قال في حق أم الـمؤمنين عائشة :
تبغلت تجملت ولو شئت تفيلت
(أي : ركبت البغل ثم الجمل وإن شئت ركبت الفيل
أي : للقتال وإثارة الفتنة)
6- وضع الكتب والرسائل الـمزيفة :
كما سيأتينا إن شاء الله تعالى في قصة مقتل عثمان رضي الله عنه حين زيفت كتب على لسان عثمان
زيفت كتب على لسان عائشة
زيفت كتب على لسان علي وطلحة والزبير
وهذا غير الكتب التي تؤلف وتزيف ككتاب
«نهج البلاغة » ونسب إلى علي بن أبي طالب
وكتاب « الإمامة والسياسة » الذي نسبوه لابن قتيبة
7- استغلال تشابه الأسماء :
فابن جرير مثلا اثنان :
الأول : محمد بن جرير بن يزيد أبو جعفر الطبري إمام من أئمة أهل السنة
الثاني : محمد بن جرير بن رستم أبو جعفر الطبري إمام من أئمة الشيعة
فينسبون كتب ابن جرير الشيعي لابن جرير السني مثل كتاب « دلائل الإمامة الواضحة ونور الـمعجزات » وتوفيا في نفس السنة 310 هـ
وابن حجر اثنان :
الأول : أحمد بن علي بن حجر العسقلاني من أئمة الحديث
الثاني : أحمد بن حجر الهيتمي إمام في الفقه وليس له بضاعة في الحديث
فيأخذون تصحيح الهيتمي وينسبونه للعسقلاني
متى بدأ منهج التثبت عند أهل السنة؟
بدأ لـما وقعت الفتنة كما يقول الإمام محمد بن سيرين التابعي الجليل رحمه الله تعالى ورضي عنه قال :
« لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا :
سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم »
وذلك أن الأصل في الناس الثقة ولأن ابن سيرين من كبار التابعين وأدرك حياة الصحابة وعاش مع كبار التابعين ومع صغارهم والفتنة الـمقصودة هنا هي خروج الفرق الضالة في آخر خلافة عثمان
ضرورة التثبت في نقل الأخبار :
لقد وضع الله تبارك وتعالى في كتابه قاعدة ذهبية قلما يتنبه لها الكثيرون ألا وهي قوله تعالى :
[يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين]
{الحجرات : 6 }
فوجب بذلك التثبت فى نقل الأخبار العامة
تمهيد
لـما أعلن أن رسول الله صل الله عليه وسلم قد توفي جاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه من السنح ( أي العوالي ) وهو مكان قريب من الـمدينة فيه زوجته حبيبة بنت خارجة
فكشف عن وجه رسول الله صل الله عليه وسلم فقبل بين عينيه وقال :
بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا
وغطى أبو بكر رضي الله عنه رسول الله صل الله عليه وسلم ثم قام فصعد المنبر فقال :
«من كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات
ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت»
قال تعالى :
[وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين]
{آل عمران : 144}
فنشج الناس يبكون وخرج أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم في الشوارع يرددون هذه الآية
يقول أنس :
« وكأننا لم نسمعها إلا في ذلك الوقت »
مع أن القرآن قد كمل في زمن رسول الله صل الله عليه وسلم وقبل وفاته ومع هذا فإن هذه الآية بدت وكأنها جديدة عليهم كأنهم لم يسمعوها قبل ذلك من شدة الصدمة وهي خبر وفاة النبي صل الله عليه وسلم
وقام العباس بن عبد الـمطلب وعلي بن أبي طالب والفضل بن عباس وآخرون بتغسيل وتكفين رسول الله صل الله عليه وسلم حتى يصلى عليه ويدفن (بأبي هو وأمي صل الله عليه وسلم) وذلك لأن العباس هو عم النبي صل الله عليه وسلم وعليا ابن عمه والفضل ابن عمه فكانوا هم أولى الناس برسول الله صل الله عليه وسلم
سقيفة بني ساعدة
في هذه الفترة التي انشغل فيها علي والعباس والفضل بتجهيز رسول الله صل الله عليه وسلم اجتمع بعض الأنصار في سقيفة بني ساعدة وسأذكر هذه الرواية من
«تاريخ الإمام الطبري»
أولا من رواية أبي مخنف الكذاب
ثم أذكرها من رواية الإمام البخاري
ثم نقارن بين الروايتين حتى نعرف الزيادات التي زادها أبو مخنف
ولعل كثيرا من هذه الزيادات الآن أمور مسلمة ومثل هذا سيأتينا أيضا في حادثتي الشورى والتحكيم
قال الإمام الطبري رحمه الله :
حدثنا هشام بن محمد عن أبي مخنف قال :
حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري أن النبي صل الله عليه وسلم لـما قبض اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة
فقالوا :
نولي هذا الأمر بعد محمد عليه الصلاة والسلام سعد بن عبادة
قام أحدهم فقال :
قد دانت لكم العرب بأسيافكم وتوفي رسول الله صل الله عليه وسلم وهو عنكم راض وبكم قرير عين استبدوا بهذا الأمر دون الناس
فأجابه الجميع :
أن قد وفقت في الرأي
فقال قائل منهم :
فإن أبت مهاجرة قريش
نقول :
منكم أمير ومنا أمير
فقال سعد بن عبادة :
هذا أول الوهن
ثم بلغ عمر بن الخطاب أن بعض الأنصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة
يقولون : منا أمير ومنكم أمير فذهب إلى أبي بكر فأخبره
فقال : إن إخواننا الأنصار اجتمعوا ويقولون كذا فهلم بنا إليهم (بلغه أحد الأنصار)
فخرج عمر وأبو بكر فوجدا أبا عبيدة فقالا : معنا
فذهب الثلاثة إلى الأنصار
يقول عمر :
فزورت كلاما في نفسي(أي جهزت) فلـما أردت أن أتكلم أشار إلي أبو بكر : أن اسكت
فبدأ أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه
ثم قال : إن الله بعث محمدا
(وذكر خطبة طويلة لأبي بكر) وذكر منها أن الـمهاجرين أولى بالخلافة
فقال الحباب بن الـمنذر :
يا معشر الأنصار! املكوا عليكم أمركم فإن الناس في فيئكم وفي ظلكم ولن يجترئ مجترئ على خلافكم ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم أنتم أهل العز والثروة وأولوا العدد والـمنعة فإن هم أبوا عليكم ما سألتموه فأجلوهم عن هذه البلاد وتولوا عليهم هذه الأمور فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم فإنه بأسيافكم دان لهذا الدين من دان ممن لم يكن يدين أنا جذيلها الـمحكك وعذيقها الـمرجب (أي : أنا أولى بها من غيري)
فقال عمر وأبو عبيدة لأبي بكر : ابسط يدك نبايعك
فلـما ذهبا ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه
قال : فقام أسيد بن حضير -وكان أحد النقباء- فقال : « والله لئن وليتها عليكم الـخزرج مرة لا زالت لـهم عليكم بذلك الفضيلة (يعني : أن أسيد بن حضير حسد سعد بن عبادة من الخزرج)
فقال سعد :
« أما والله! لو أن بي قوة ما أقوى على النهوض لسمعت مني في أقطارها وسككها زئيرا يجرحك وأصحابك أما والله! إذن لألحقنك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع احملوني من هذا الـمكان »
فحملوه فأدخلوه في داره فترك رضي الله عنه أياما ثم قال :
« أما والله! حتى أرميكم بما في كنانتي من نبلي وأخضب سنان رمحي وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من قومي »
فكان سعد بعد ذلك لا يصلي بصلاتهم ولا يجمع معهم ويحج ولا يفيض معهم بإفاضتهم فلم يزل كذلك حتى هلك أبو بكر رحمه الله تعالى
(« تاريخ الطبري » (2/455) بتصرف لطولها)
هذه رواية أبي مخنف لقصة السقيفة
ونورد الآن رواية الإمام البخاري لهذه القصة نفسها ونقارن
قال الإمام البخاري :
حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال :
حدثنا سليمان بن بلال عن هشام بن عروة أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صل الله عليه وسلم أن رسول الله صل الله عليه وسلم مات واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا :
منا أمير ومنكم أمير
فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح
فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر
وكان عمر يقول :
والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاما قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر
ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس فقال في كلامه :
نحن الأمراء وأنتم الوزراء
فقال حباب بن الـمنذر:
لا والله لا نفعل منا أمير ومنكم أمير
فقال أبو بكر :
لا ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء هم أوسط العرب دارا وأعربهم أحسابا فبايعوا عمر أو أبا عبيدة
فقال عمر :
بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صل الله عليه وسلم
فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس
فقال قائل :
قتلتم سعد بن عبادة
فقال عمر :
قتله الله ( « صحيح البخاري »، كتاب فضائل الصحابة باب لو كنت متخذا خليلا حديث (3667 - 3668)
* قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
« قوله : ( فقال قائل : قتلتم سعد بن عبادة )»
أي كدتم تقتلونه
وقيل : هو كناية عن الإعراض والخذلان ويرده ما وقع في رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب
« فقال قائل من الأنصار : أبقوا سعد بن عبادة لا تطئوه
فقال عمر : اقتلوه قتله الله »
نعم لم يرد عمر الأمر بقتله حقيقة
وأما قوله « قتله الله » فهو دعاء عليه وهو مشهور في كلام العرب ومنه قوله تعالى :
[قتل الإنسان ما أكفره]
وعلى الأول : هو إخبار عن إهماله والإعراض عنه
وفي حديث مالك :
« فقلت وأنا مغضب : قتل الله سعدا فإنه صاحب شر وفتنة » اهـ « الفتح » (7/384) دار الفكر)
هذه رواية الإمام البخاري وهي كما نرى مختصرة وقصيرة وهذه حقيقة السقيفة
أما ما زاده أبو مخنف من :
( أن سعد بن عبادة قال أقاتلكم وكان لا يصلي معهم ولا يجمع بجمعتهم ولا يفيض بإفاضتهم وأن الحباب بن الـمنذر رد على أبي بكر)
وغير ذلك من زيادات فكل ذلك أباطيل لا تثبت
فقصة السقيفة لم تستغرق نصف الساعة في ظاهرها وانظر كيف أصبحت الرواية أكبر مما هي عليه
وأما ما يتعلق بسعد بن عبادة
فقد أخرج أحمد في « مسنده عن حميد بن عبد الرحمن قال :
«... فتكلم أبو بكر ولم يترك شيئا أنزل في الأنصار ولا ذكره رسول الله صل الله عليه وسلم من شأنهم إلا وذكره
وقال : ولقد علمتم أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال :
« لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار واديا سلكت وادي الأنصار »
ولقد علمت يا سعد أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال -وأنت قاعد- :
« قريش ولاة هذا الأمر فبر الناس تبع لبرهم وفاجرهم تبع لفاجرهم »
فقال له سعد :
صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء
(مسند أحمد 1/18)
هذه الرواية أخرجها أحمد في « مسنده » بسند صحيح مرسل من رواية حميد بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ورحمه
وهي وإن كانت مرسلة إلا أنها أقوى بكثير من رواية ذلك الكذاب أبي مخنف
خلافة الـخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه
من سنة 11 إلى 13 هـ
وسائل الإخباريين في تشويه التاريخ
1- الاختلاق والكذب :
يختلقون قصة ما كما اختلقوا مثلا أن عائشة رضي الله عنها لـما جاءها خبر موت علي رضي الله عنه سجدت لله شكرا
وهذه قصة مكذوبة
(ذكرها أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني ص 555 وأبو الفرج شيعي متهم بالكذب)
2- الزيادة على الـحادثة أو النقصان منها بقصد التشويه :
هنا يكون أصل الحادثة صحيحا كحادثة (السقيفة) فقصة السقيفة صحيحة ووقع هناك اجتماع بين أبي بكر وعمر وأبي عبيدة من جانب والحباب بن الـمنذر وسعد بن عبادة وغيرهما من الأنصار من جانب آخر فزادوا عليها أشياء كما سيأتي ذكره مما أرادوا به تشويه هذه الحقيقة
3- التأويل الباطل للأحداث :
وهو أن يجتهد في تأويل الحدث تأويلا باطلا يتماشى مع هواه ويتماشى مع معتقده وبدعته التي هو عليها
4- إبراز الـمثالب والأخطاء :
هنا تكون القصة صحيحة ولكن يبرزها إبرازا يركز فيه على الأخطاء ويغطي على أية محاسن
5- صناعة الأشعار لتأييد حوادث تاريخية :
يصنعون شعرا يؤلفه أحدهم ثم ينسبه إلى أمير الـمؤمنين علي رضي الله عنه أو ينسبه إلى أم الـمؤمنين عائشة رضي الله عنها أو ينسبه إلى الزبير أو إلى طلحة في الطعن في أحد الصحابة
كما نسبوا شعرا لابن عباس أنه قال في حق أم الـمؤمنين عائشة :
تبغلت تجملت ولو شئت تفيلت
(أي : ركبت البغل ثم الجمل وإن شئت ركبت الفيل
أي : للقتال وإثارة الفتنة)
6- وضع الكتب والرسائل الـمزيفة :
كما سيأتينا إن شاء الله تعالى في قصة مقتل عثمان رضي الله عنه حين زيفت كتب على لسان عثمان
زيفت كتب على لسان عائشة
زيفت كتب على لسان علي وطلحة والزبير
وهذا غير الكتب التي تؤلف وتزيف ككتاب
«نهج البلاغة » ونسب إلى علي بن أبي طالب
وكتاب « الإمامة والسياسة » الذي نسبوه لابن قتيبة
7- استغلال تشابه الأسماء :
فابن جرير مثلا اثنان :
الأول : محمد بن جرير بن يزيد أبو جعفر الطبري إمام من أئمة أهل السنة
الثاني : محمد بن جرير بن رستم أبو جعفر الطبري إمام من أئمة الشيعة
فينسبون كتب ابن جرير الشيعي لابن جرير السني مثل كتاب « دلائل الإمامة الواضحة ونور الـمعجزات » وتوفيا في نفس السنة 310 هـ
وابن حجر اثنان :
الأول : أحمد بن علي بن حجر العسقلاني من أئمة الحديث
الثاني : أحمد بن حجر الهيتمي إمام في الفقه وليس له بضاعة في الحديث
فيأخذون تصحيح الهيتمي وينسبونه للعسقلاني
متى بدأ منهج التثبت عند أهل السنة؟
بدأ لـما وقعت الفتنة كما يقول الإمام محمد بن سيرين التابعي الجليل رحمه الله تعالى ورضي عنه قال :
« لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا :
سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم »
وذلك أن الأصل في الناس الثقة ولأن ابن سيرين من كبار التابعين وأدرك حياة الصحابة وعاش مع كبار التابعين ومع صغارهم والفتنة الـمقصودة هنا هي خروج الفرق الضالة في آخر خلافة عثمان
ضرورة التثبت في نقل الأخبار :
لقد وضع الله تبارك وتعالى في كتابه قاعدة ذهبية قلما يتنبه لها الكثيرون ألا وهي قوله تعالى :
[يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين]
{الحجرات : 6 }
فوجب بذلك التثبت فى نقل الأخبار العامة
خلافة الـخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه من سنة 11 إلى 13 هـ
تمهيد
لـما أعلن أن رسول الله صل الله عليه وسلم قد توفي جاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه من السنح ( أي العوالي ) وهو مكان قريب من الـمدينة فيه زوجته حبيبة بنت خارجة
فكشف عن وجه رسول الله صل الله عليه وسلم فقبل بين عينيه وقال :
بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا
وغطى أبو بكر رضي الله عنه رسول الله صل الله عليه وسلم ثم قام فصعد المنبر فقال :
«من كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات
ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت»
قال تعالى :
[وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين]
{آل عمران : 144}
فنشج الناس يبكون وخرج أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم في الشوارع يرددون هذه الآية
يقول أنس :
« وكأننا لم نسمعها إلا في ذلك الوقت »
مع أن القرآن قد كمل في زمن رسول الله صل الله عليه وسلم وقبل وفاته ومع هذا فإن هذه الآية بدت وكأنها جديدة عليهم كأنهم لم يسمعوها قبل ذلك من شدة الصدمة وهي خبر وفاة النبي صل الله عليه وسلم
وقام العباس بن عبد الـمطلب وعلي بن أبي طالب والفضل بن عباس وآخرون بتغسيل وتكفين رسول الله صل الله عليه وسلم حتى يصلى عليه ويدفن (بأبي هو وأمي صل الله عليه وسلم) وذلك لأن العباس هو عم النبي صل الله عليه وسلم وعليا ابن عمه والفضل ابن عمه فكانوا هم أولى الناس برسول الله صل الله عليه وسلم
سقيفة بني ساعدة
في هذه الفترة التي انشغل فيها علي والعباس والفضل بتجهيز رسول الله صل الله عليه وسلم اجتمع بعض الأنصار في سقيفة بني ساعدة وسأذكر هذه الرواية من
«تاريخ الإمام الطبري»
أولا من رواية أبي مخنف الكذاب
ثم أذكرها من رواية الإمام البخاري
ثم نقارن بين الروايتين حتى نعرف الزيادات التي زادها أبو مخنف
ولعل كثيرا من هذه الزيادات الآن أمور مسلمة ومثل هذا سيأتينا أيضا في حادثتي الشورى والتحكيم
قال الإمام الطبري رحمه الله :
حدثنا هشام بن محمد عن أبي مخنف قال :
حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري أن النبي صل الله عليه وسلم لـما قبض اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة
فقالوا :
نولي هذا الأمر بعد محمد عليه الصلاة والسلام سعد بن عبادة
قام أحدهم فقال :
قد دانت لكم العرب بأسيافكم وتوفي رسول الله صل الله عليه وسلم وهو عنكم راض وبكم قرير عين استبدوا بهذا الأمر دون الناس
فأجابه الجميع :
أن قد وفقت في الرأي
فقال قائل منهم :
فإن أبت مهاجرة قريش
نقول :
منكم أمير ومنا أمير
فقال سعد بن عبادة :
هذا أول الوهن
ثم بلغ عمر بن الخطاب أن بعض الأنصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة
يقولون : منا أمير ومنكم أمير فذهب إلى أبي بكر فأخبره
فقال : إن إخواننا الأنصار اجتمعوا ويقولون كذا فهلم بنا إليهم (بلغه أحد الأنصار)
فخرج عمر وأبو بكر فوجدا أبا عبيدة فقالا : معنا
فذهب الثلاثة إلى الأنصار
يقول عمر :
فزورت كلاما في نفسي(أي جهزت) فلـما أردت أن أتكلم أشار إلي أبو بكر : أن اسكت
فبدأ أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه
ثم قال : إن الله بعث محمدا
(وذكر خطبة طويلة لأبي بكر) وذكر منها أن الـمهاجرين أولى بالخلافة
فقال الحباب بن الـمنذر :
يا معشر الأنصار! املكوا عليكم أمركم فإن الناس في فيئكم وفي ظلكم ولن يجترئ مجترئ على خلافكم ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم أنتم أهل العز والثروة وأولوا العدد والـمنعة فإن هم أبوا عليكم ما سألتموه فأجلوهم عن هذه البلاد وتولوا عليهم هذه الأمور فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم فإنه بأسيافكم دان لهذا الدين من دان ممن لم يكن يدين أنا جذيلها الـمحكك وعذيقها الـمرجب (أي : أنا أولى بها من غيري)
فقال عمر وأبو عبيدة لأبي بكر : ابسط يدك نبايعك
فلـما ذهبا ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه
قال : فقام أسيد بن حضير -وكان أحد النقباء- فقال : « والله لئن وليتها عليكم الـخزرج مرة لا زالت لـهم عليكم بذلك الفضيلة (يعني : أن أسيد بن حضير حسد سعد بن عبادة من الخزرج)
فقال سعد :
« أما والله! لو أن بي قوة ما أقوى على النهوض لسمعت مني في أقطارها وسككها زئيرا يجرحك وأصحابك أما والله! إذن لألحقنك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع احملوني من هذا الـمكان »
فحملوه فأدخلوه في داره فترك رضي الله عنه أياما ثم قال :
« أما والله! حتى أرميكم بما في كنانتي من نبلي وأخضب سنان رمحي وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من قومي »
فكان سعد بعد ذلك لا يصلي بصلاتهم ولا يجمع معهم ويحج ولا يفيض معهم بإفاضتهم فلم يزل كذلك حتى هلك أبو بكر رحمه الله تعالى
(« تاريخ الطبري » (2/455) بتصرف لطولها)
هذه رواية أبي مخنف لقصة السقيفة
ونورد الآن رواية الإمام البخاري لهذه القصة نفسها ونقارن
قال الإمام البخاري :
حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال :
حدثنا سليمان بن بلال عن هشام بن عروة أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صل الله عليه وسلم أن رسول الله صل الله عليه وسلم مات واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا :
منا أمير ومنكم أمير
فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح
فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر
وكان عمر يقول :
والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاما قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر
ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس فقال في كلامه :
نحن الأمراء وأنتم الوزراء
فقال حباب بن الـمنذر:
لا والله لا نفعل منا أمير ومنكم أمير
فقال أبو بكر :
لا ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء هم أوسط العرب دارا وأعربهم أحسابا فبايعوا عمر أو أبا عبيدة
فقال عمر :
بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صل الله عليه وسلم
فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس
فقال قائل :
قتلتم سعد بن عبادة
فقال عمر :
قتله الله ( « صحيح البخاري »، كتاب فضائل الصحابة باب لو كنت متخذا خليلا حديث (3667 - 3668)
* قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
« قوله : ( فقال قائل : قتلتم سعد بن عبادة )»
أي كدتم تقتلونه
وقيل : هو كناية عن الإعراض والخذلان ويرده ما وقع في رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب
« فقال قائل من الأنصار : أبقوا سعد بن عبادة لا تطئوه
فقال عمر : اقتلوه قتله الله »
نعم لم يرد عمر الأمر بقتله حقيقة
وأما قوله « قتله الله » فهو دعاء عليه وهو مشهور في كلام العرب ومنه قوله تعالى :
[قتل الإنسان ما أكفره]
وعلى الأول : هو إخبار عن إهماله والإعراض عنه
وفي حديث مالك :
« فقلت وأنا مغضب : قتل الله سعدا فإنه صاحب شر وفتنة » اهـ « الفتح » (7/384) دار الفكر)
هذه رواية الإمام البخاري وهي كما نرى مختصرة وقصيرة وهذه حقيقة السقيفة
أما ما زاده أبو مخنف من :
( أن سعد بن عبادة قال أقاتلكم وكان لا يصلي معهم ولا يجمع بجمعتهم ولا يفيض بإفاضتهم وأن الحباب بن الـمنذر رد على أبي بكر)
وغير ذلك من زيادات فكل ذلك أباطيل لا تثبت
فقصة السقيفة لم تستغرق نصف الساعة في ظاهرها وانظر كيف أصبحت الرواية أكبر مما هي عليه
وأما ما يتعلق بسعد بن عبادة
فقد أخرج أحمد في « مسنده عن حميد بن عبد الرحمن قال :
«... فتكلم أبو بكر ولم يترك شيئا أنزل في الأنصار ولا ذكره رسول الله صل الله عليه وسلم من شأنهم إلا وذكره
وقال : ولقد علمتم أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال :
« لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار واديا سلكت وادي الأنصار »
ولقد علمت يا سعد أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال -وأنت قاعد- :
« قريش ولاة هذا الأمر فبر الناس تبع لبرهم وفاجرهم تبع لفاجرهم »
فقال له سعد :
صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء
(مسند أحمد 1/18)
هذه الرواية أخرجها أحمد في « مسنده » بسند صحيح مرسل من رواية حميد بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ورحمه
وهي وإن كانت مرسلة إلا أنها أقوى بكثير من رواية ذلك الكذاب أبي مخنف
ليست هناك تعليقات