موسوعة الرد على الشيعة الجزء الحادى عشر أحداث تاريخية (مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه)
بعد أن أثيرت هذه الأمور على عثمان خرج أناس من أهل البصرة وأناس من أهل الكوفة وأناس من أهل مصر إلى الـمدينة في السنة الخامسة والثلاثين من هجرة النبي صل الله عليه وسلم يظهرون أنهم يريدون الحج وقد أبطنوا الخروج على عثمان رضي الله عنه وأرضاه واختلف في أعدادهم
فقيل :
إنهم ألفان من أهل مصر
وألفان من أهل الكوفة
وألفان من أهل البصرة
وقيل :
إن الكل ألفان
وقيل غير ذلك
وليست هناك إحصائية دقيقة ولكنهم لا يقلون عن ألفين ولا يزيدون عن ستة آلاف بأي حال من الأحوال
دخلوا مدينة رسول الله صل الله عليه وسلم وكان أولئك القوم من فرسان قبائلهم جاءوا لعزل عثمان إما بالتهديد وإما بالقوة وحاصروا بيت عثمان رضي الله تبارك وتعالى عنه في أواخر ذي القعدة وأمروه أن يخلع نفسه من الخلافة واستمر الحصار إلى الثامن عشر من ذي الحجة وهو يوم مقتل عثمان رضي الله تبارك وتعالى عنه
وقيل :
إن الحصار استمر أربعين يوما وقيل غير ذلك ولكنه لا يزيد عن الواحد والأربعين يوما
لـما حوصر عثمان رضي الله عنه في بيته ومنع من الصلاة بل ومن الـماء فكان يصلي بالناس رجل من أئمة الفتنة حتى إن عبيد الله بن عدي بن الخيار دخل على عثمان
فقال : يصلي بالناس إمام فتنة فما تأمرنا؟
قال : « الصلاة أحسن ما يعمل الناس فإذا أحسن الناس فأحسن معهم وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم»
( البخاري 695)
* وقد دخل بعض أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم بيت عثمان كلهم يريد الدفاع عنه وكان من أشهر الذين جلسوا عنده في بيته الحسن بن علي والحسين بن علي وعبد الله بن الزبير وأبو هريرة ومحمد ابن طلحة بن عبيد الله (السجاد) وعبد الله بن عمر، وقد شهروا سيوفهم في وجه أولئك البغاة الذين أرادوا قتل عثمان رضي الله تبارك وتعالى عنه
(« البداية والنهاية » (7/184)
* وجاءت أم الـمؤمنين صفية على بغلة يقودها مولاها كنانة
فلقيها الأشتر فضرب وجه بغلتها
فقالت : ردوني لا يفضحني هذا الكلب
(ابن سعد في « الطبقات » (8/1280)
وإسناده حسن
ولكن عثمان أمر الصحابة بعدم القتال بل إنه جاء في بعض الروايات أن الذين جاءوا للدفاع عن عثمان أكثر من سبعمائة من أبناء الصحابة ولكن حتى هؤلاء السبعمائة لا يصلون إلى عدد أولئك البغاة على القول بأن أقل عدد أنهم ألفان
* عن عبد الله بن عامر بن ربيعة
قال : كنت مع عثمان في الدار
فقال : أعزم على كل من رأى أن عليه سمعا وطاعة إلا كف يده وسلاحه
(« الـمصنف » لابن أبي شيبة (15/24 رقم 19508) بسند صحيح )
* وعن ابن سيرين قال :
جاء زيد بن ثابت إلى عثمان رضي الله عنه فقال :
هذه الأنصار بالباب
قالوا : إن شئت أن نكون أنصار الله مرتين كما كنا مع النبي صل الله عليه وسلم نكون معك
فقال عثمان : أما قتال فلا
(« الـمصنف » لابن أبي شيبة (15/205 رقم 19509) بسند صحيح )
* ودخل ابن عمر على عثمان
فقال عثمان : يا ابن عمر انظر ما يقول هؤلاء
يقولون : اخلعها ولا تقتل نفسك
فقال ابن عمر : إذا خلعتها أمخلد أنت في الدنيا؟
فقال عثمان : لا
قال عبد الله بن عمر : فلا أرى أن تخلع قميصا قمصكه الله فتكون سنة كلما كره قوم خليفتهم أو إمامهم خلعوه
(أحمد في كتاب « فضائل الصحابة » (1/473 رقم 7677) بإسناد صحيح )
* وقال عثمان لعبيده : كل من وضع سلاحه فهو حر لوجه الله
فهو الذي منع الناس من القتال
ومع هذا فقد حمل أربعة من شبان قريش ملطخين بالدماء محمولين كانوا يدافعون عن عثمان وهم الحسن بن علي - عبد الله بن الزبير - مروان بن الحكم - محمد بن حاطب
( « الاستيعاب » لابن عبد البر بحاشية )
( « الإصابة » (3/78) )
من قتل عثمان؟
بعد أن حوصر عثمان تسوروا عليه البيت فقتلوه رضي الله عنه وهو واضع الـمصحف بين يديه
قيل للحسن البصري (وكان الحسن البصري قد عاش تلك الفترة لأنه من كبار التابعين) :
أكان فيمن قتل عثمان أحد من الـمهاجرين أو الأنصار؟
فقال : كانوا أعلاجا من أهل مصر
(« تاريخ خليفة » (ص 176) بإسناد صحيح )
ولكن الرءوس معروفة وهم :
كنانة بن بشر
ورومان اليماني
وشخص يقال له جبلة
وسودان بن حمران
ورجل يلقب بالـموت الأسود من بني سدوس
وقيل : مالك بن الأشتر النخعي
هؤلاء كانوا من رءوس الفتنة التي قامت على عثمان رضي الله عنه
أما من باشر قتله :
فالـمشهور أنه رجل مصري يقال له جبلة
* عن عمرة بنت أرطأة قالت :
خرجت مع عائشة سنة قتل عثمان إلى مكة فمررنا بالـمدينة فرأينا الـمصحف الذي قتل وهو في حجره فكانت أول قطرة قطرت من دمه على أول هذه الآية :
[فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم]
{البقرة : 137}
قالت عمرة :
فما مات منهم رجل سويا
( أحمد 1/501 رقم 817 وإسناده صحيح
وانظر كذلك (765/766)
* وعن محمد بن سيرين قال :
كنت أطوف بالكعبة فإذا برجل يقول :
اللهم اغفرلي وما أظن أن تغفر لي
يقول : فتعجبت منه
فقلت : يا عبد الله ما سمعت أحدا يقول مثل ما تقول
فقال الرجل : إني كنت قد أعطيت الله عهدا لإن مكنني من عثمان لأصفعنه فلـما قتل وضع في سريره في البيت فكان الناس يأتون ويصلون عليه وهو في بيته فدخلت أظهر أني أريد الصلاة فلـما رأيت أن البيت ليس فيه أحد كشفت عن وجهه فصفعته وهو ميت فيبست يدي
قال ابن سيرين : رأيتها يابسة كأنها عود
( « البداية والنهاية » (7/200) )
معركة الـجمل (سنة 36 هـ)
لـما بويع علي بن أبي طالب
استأذن طلحة والزبير عليا رضي الله عنه في الذهاب إلى مكة فأذن لهما
فالتقيا هناك بأم الـمؤمنين عائشة رضي الله عنهما وكان الخبر قد وصل إليها أن عثمان قد قتل رضي الله عنه فاجتمعوا هناك في مكة وعزموا على الأخذ بثأر عثمان
فجاء يعلى بن منية من البصرة وجاء عبد الله بن عامر من الكوفة واجتمعوا في مكة على الأخذ بثأر عثمان رضي الله عنه
فخرجوا من مكة بمن تابعهم إلى البصرة يريدون قتلة عثمان وذلك أنهم يرون أنهم قد قصروا في الدفاع عن عثمان رضي الله عنه
وكان علي رضي الله عنه في الـمدينة وكان عثمان بن حنيف رضي الله عنه واليا على البصرة من قبل علي بن أبي طالب
فلـما وصلوا إلى البصرة أرسل إليهم عثمان بن حنيف : ماذا تريدون؟
قالوا : نريد قتلة عثمان
فقال لهم : حتى يأتي علي ومنعهم من الدخول
ثم خرج إليهم جبلة وهو أحد الذين شاركوا في قتل عثمان فقاتلهم في سبعمئة رجل فانتصروا عليه وقتلوا كثيرا ممن كان معه وانضم كثير من أهل البصرة إلى جيش طلحة والزبير وعائشة رضي الله تبارك وتعالى عنهم أجمعين
خرج علي رضي الله عنه من الـمدينة إلى الكوفة وذلك لـما سمع أنه وقع هناك قتال بين عثمان بن حنيف وهو والي علي على البصرة وبين طلحة والزبير وعائشة ومن معهم فخرج علي رضى الله عنه وجهز جيشا قوامه عشرة آلاف لـمقاتلة طلحة والزبير
وهنا يظهر لنا جليا أن علي بن أبي طالب هو الذي خرج إليهم ولم يخرجوا عليه ولم يقصدوا قتاله كما تدعي بعض الطوائف ومن تأثر بهم ولو كانوا يريدون الخروج على علي لذهبوا إلى الـمدينة مباشرة وليس إلى البصرة
فطلحة والزبير وعائشة ومن كان معهم لم يحدث قط أنهم أبطلوا خلافة علي ولا طعنوا عليه ولا ذكروا فيه جرحا ولا بايعوا غيره ولا خرجوا لقتاله إلى البصرة فإنه لم يكن بالبصرة يومئذ
ولذلك قال الأحنف بن قيس :
لقيت طلحة والزبير بعد حصر عثمان
فقلت : ما تأمراني فإني أراه مقتولا؟
قالا : عليك بعلي
قال : ولقيت عائشة بعد قتل عثمان في مكة
فقلت : ما تأمريني؟
قالت : عليك بعلي
( « فتح الباري » (13/38)
وقال : « أخرجه الطبري بإسناد صحيح » )
مفاوضات قبيل القتال :
وأرسل علي
الـمقداد بن الأسود والقعقاع بن عمرو ليتكلما مع طلحة والزبير
واتفق الـمقداد والقعقاع من جهة وطلحة والزبير من جهة أخرى على عدم القتال وبين كل فريق وجهة نظره
فطلحة والزبير يريان أنه لا يجوز ترك قتلة عثمان
وعلي يرى أنه ليس من الـمصلحة تتبع قتلة عثمان الآن بل حتى تستتب الأمور فقتل قتلة عثمان متفق عليه والاختلاف إنما هو في متى يكون ذلك
وبعد الاتفاق نام الجيشان بخير ليلة وبات السبئية (وهم قتلة عثمان) بشر ليلة
لأنه تم الاتفاق عليهم وهذا ما ذكره الـمؤرخون الذين أرخوا لهذه الـمعركة أمثال :
الطبري وابن كثير وابن الأثير وابن حزم وغيرهم
عند ذلك أجمع السبئيون رأيهم على أن لا يتم هذا الاتفاق وفي السحر والقوم نائمون
هاجم مجموعة من السبئيين جيش طلحة والزبير وقتلوا بعض أفراد الجيش وفروا
فظن جيش طلحة أن جيش علي غدر بهم
فناوشوا جيش علي في الصباح
فظن جيش علي أن جيش طلحة والزبير قد غدر فاستمرت الـمناوشات بين الفريقين حتى كانت الظهيرة فاشتعلت الـمعركة
محاولات وقف القتال :
وقد حاول الكبار من الجيشين وقف القتال ولكن لم يفلحوا
فكان طلحة يقول : يا أيها الناس أتنصتون؟
فأصبحوا لا ينصتونه
فقال : أف أف فراش نار وذبان طمع
(« تاريخ خليفة بن خياط » 182)
وعلي يمنعهم ولا يردون عليه
وأرسلت عائشة كعب بن سور بالـمصحف لوقف الـمعركة
فرشقه السبئيون بالنبال حتى أردوه قتيلا
وذلك أن الحرب والعياذ بالله إذا اشتعلت لا يستطيع أحد أن يوقفها
وقد ذكر البخاري أبياتا من الشعر لامرئ القيس :
الحرب أول ما تكون فتية تسعى بزينتها لكل جهول
حتى إذا اشتعلت وشب ضرامها ولت عجوزا غير ذات حليل
شمطاء ينكر لونها وتغيرت مكروهة للشم والتقبيل
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
« والفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء فصار الأكابر رضي الله عنهم عاجزين عن إطفاء الفتنة وكف أهلها وهذا شأن الفتن كما قال تعالى :
[واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب]
{الأنفال : 25}
وقعة الجمل كانت في سنة ست وثلاثين من الهجرة
أي : في بداية خلافة علي رضي الله عنه
بدأت بعد الظهر وانتهت قبيل مغيب الشمس من اليوم نفسه
كان مع علي عشرة آلاف
وأهل الجمل كان عددهم ما بين الخمسة والستة آلاف
وراية علي كانت مع محمد بن علي بن أبي طالب
وراية أهل الجمل مع عبد الله بن الزبير
قتل في هذا اليوم كثير من الـمسلمين وهي فتنة سلم الله تبارك وتعالى منها سيوفنا ونسأل الله لهم الرضوان والـمغفرة
مقتل طلحة والزبير :
وقتل طلحة والزبير ومحمد بن طلحة
أما الزبير فلم يشارك في هذه الـمعركة ولا طلحة
وذلك أنه يروى أن الزبير رضي الله عنه لـما جاء إلى الـمعركة لقي علي بن أبي طالب
فقال له علي : أتذكر أن الرسول صل الله عليه وسلم قال : تقاتل عليا وأنت ظالم »
فرجع الزبير في ذلك اليوم ولم يقاتل
(« الـمصنف » لابن أبي شيبة (15/283 رقم 196744) وفيه رجل مجهول)
فالصحيح أنه لم يقاتل ولكن هل وقع هذا بينه وبين علي؟
الله أعلم؟
لأنه ليس للرواية سند قوي ولكن هي الـمشهورة في كتب التاريخ
والـمشهور أكثر أن الزبير لم يشارك في هذه الـمعركة وقتل الزبير غدرا على يد رجل يقال له ابن جرموز
* وقتل طلحة بسهم غرب (بسهم غير مقصود ) والـمشهور أن الذي رماه مروان بن الحكم أصابه في قدمه مكان إصابة قديمة فمات منها رضي الله تبارك وتعالى عنه وهو يحاول منع الناس من القتال ولـما انتهت هذه الـمعركة وقتل الكثير خاصة في الدفاع عن جمل عائشة لأنها كانت تمـثل رمزا لهم فكانوا يستبسلون في الدفاع عنها
ولذلك بمجرد أن سقط الجمل هدأت الـمعركة وانتهت وانتصر علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وإن كان الصحيح أنه لم ينتصر أحد ولكن خسر الإسلام وخسر الـمسلمون في تلك الـمعركة
بعد الـمعركة :
فلـما انتهت الـمعركة صار علي رضي الله عنه يمر بين القتلى فوجد طلحة بن عبيد الله
فقال بعد أن أجلسه ومسح التراب عن وجهه :
عزيز علي أن أراك مجدلا تحت نجوم السماء أبا محمد
وبكى علي رضي الله عنه
وقال : وددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة
(« تاريخ دمشق » لابن عساكر
الـمختصر (11/7 0 2)
« أسد الغابة » (3/88)
وقال البوصيري : « رجاله ثقات »)
* وكذلك رأى علي محمد بن طلحة بن عبيد الله فبكى
وكان محمد بن طلحة يلقب بـ « السجاد » من كثرة عبادته رضي الله تبارك وتعالى عنه
وكل الصحابة بلا استثناء الذين شاركوا في هذه الـمعركة ندموا على ما وقع
* وابن جرموز هذا دخل على علي ومعه سيف الزبير
يقول : قتلت الزبير قتلت الزبير
فلـما سمعه علي قال :
« إن هذا السيف طالـما فرج الكرب عن رسول الله صل الله عليه وسلم »
ثم قال :
« بشر قاتل ابن صفية بالنار »
ولم يأذن له بالدخول عليه
(« طبقات ابن سعد » (3/105) بسند حسن)
ولـما انتهت الـمعركة أخذ علي رضي الله عنه أم الـمؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرسلها معززة مكرمة إلى مدينة الرسول صل الله عليه وسلم كما أمره صل الله عليه وسلم
عن علي قال :
قال رسول الله صل الله عليه وسلم :
« سيكون بينك وبين عائشة أمر »
قال علي : فأنا أشقاهم يا رسول الله
قال : « لا ولكن إذا كان ذلك فارددها إلى مأمنها »
ففعل رضي الله عنه ما أمر به رسول الله صل الله عليه وسلم
( أخرجه أحمد في « الـمسند » (6/393)
وقال الحافظ في « الفتح »(13/0 6) « سنده حسن »)
لـماذا لم يقتل علي قتلة عثمان؟
علي رضي الله عنه كان ينظر نظر مصلحة ومفسدة فرأى أن الـمصلحة تقتضي تأخير القصاص لا تركه فأخر القصاص من أجل هذا كما فعل النبي صل الله عليه وسلم في حادثة الإفك وذلك أنه تكلم في عائشة رضي الله عنها بعض الناس
* ومن أشهر من تكلم في عائشة حسان بن ثابت وحمنة بنت جحش ومسطح بن أثاثة
وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول
فصعد النبي صل الله عليه وسلم الـمنبر وقال :
« من يعذرني في رجل وصل أذاه إلى أهلي؟
(يعني : عبد الله بن أبي بن سلول )
فقام سعد بن معاذ وقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله
إن كان منا معشر الأوس قتلناه وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا بقتله
فقام سعد بن عبادة فرد على سعد بن معاذ
وقام أسيد بن حضير فرد على سعد بن عبادة
فصار النبي صل الله عليه وسلم يخفضهم
( متفق عليه)
وعلم أن الأمر عظيم وذلك أنه قبل مجيء النبي صل الله عليه وسلم إلى الـمدينة كان الأوس والخزرج قد اتفقوا على أن يجعلوا عبد الله بن أبي بن سلول ملكا عليهم
فله عندهم منزلة عظيمة وهو الذي رجع بثلث الجيش في معركة أحد والنبي صل الله عليه وسلم هنا ترك جلد عبد الله بن أبي بن سلول لـماذا؟
للمصلحة إذ رأى أن جلده أعظم مفسدة من تركه
* وكذلك علي رضي الله عنه رأى أن تأخير القصاص أقل مفسدة من تعجيله لأن عليا رضي الله عنه لا يستطيع أن يقتل قتلة عثمان أصلا
لأنهم غير معروفين بأعيانهم وإن كان هناك رؤوس للفتنة ولهم قبائل تدافع عنهم والأمن غير مستتب ومازالت الفتنة قائمة ومن يقول إنهم لن يقتلوا عليا رضي الله عنه؟
وقد قتلوه بعد ذلك
* ولذلك لـما وصلت الخلافة إلى معاوية لم يقتل قتلة عثمان أيضا لـماذا؟
لأنه صار يرى ما كان يراه علي
كان علي يراه واقعا ومعاوية كان يراه نظريا فلـما آلت الخلافة إليه رآه واقعا
نعم معاوية أرسل من قتل بعضهم ولكن بقي آخرون إلى زمن الحجاج في خلافة عبد الـملك بن مروان حتى قتل آخرهم
الـمهم أن عليا رضي الله عنه ما كان يستطيع أن يقتلهم ليس عجزا ولكن خوفا على الأمة
لـما بويع علي بن أبي طالب
استأذن طلحة والزبير عليا رضي الله عنه في الذهاب إلى مكة فأذن لهما
فالتقيا هناك بأم الـمؤمنين عائشة رضي الله عنهما وكان الخبر قد وصل إليها أن عثمان قد قتل رضي الله عنه فاجتمعوا هناك في مكة وعزموا على الأخذ بثأر عثمان
فجاء يعلى بن منية من البصرة وجاء عبد الله بن عامر من الكوفة واجتمعوا في مكة على الأخذ بثأر عثمان رضي الله عنه
فخرجوا من مكة بمن تابعهم إلى البصرة يريدون قتلة عثمان وذلك أنهم يرون أنهم قد قصروا في الدفاع عن عثمان رضي الله عنه
وكان علي رضي الله عنه في الـمدينة وكان عثمان بن حنيف رضي الله عنه واليا على البصرة من قبل علي بن أبي طالب
فلـما وصلوا إلى البصرة أرسل إليهم عثمان بن حنيف : ماذا تريدون؟
قالوا : نريد قتلة عثمان
فقال لهم : حتى يأتي علي ومنعهم من الدخول
ثم خرج إليهم جبلة وهو أحد الذين شاركوا في قتل عثمان فقاتلهم في سبعمئة رجل فانتصروا عليه وقتلوا كثيرا ممن كان معه وانضم كثير من أهل البصرة إلى جيش طلحة والزبير وعائشة رضي الله تبارك وتعالى عنهم أجمعين
خرج علي رضي الله عنه من الـمدينة إلى الكوفة وذلك لـما سمع أنه وقع هناك قتال بين عثمان بن حنيف وهو والي علي على البصرة وبين طلحة والزبير وعائشة ومن معهم فخرج علي رضى الله عنه وجهز جيشا قوامه عشرة آلاف لـمقاتلة طلحة والزبير
وهنا يظهر لنا جليا أن علي بن أبي طالب هو الذي خرج إليهم ولم يخرجوا عليه ولم يقصدوا قتاله كما تدعي بعض الطوائف ومن تأثر بهم ولو كانوا يريدون الخروج على علي لذهبوا إلى الـمدينة مباشرة وليس إلى البصرة
فطلحة والزبير وعائشة ومن كان معهم لم يحدث قط أنهم أبطلوا خلافة علي ولا طعنوا عليه ولا ذكروا فيه جرحا ولا بايعوا غيره ولا خرجوا لقتاله إلى البصرة فإنه لم يكن بالبصرة يومئذ
ولذلك قال الأحنف بن قيس :
لقيت طلحة والزبير بعد حصر عثمان
فقلت : ما تأمراني فإني أراه مقتولا؟
قالا : عليك بعلي
قال : ولقيت عائشة بعد قتل عثمان في مكة
فقلت : ما تأمريني؟
قالت : عليك بعلي
( « فتح الباري » (13/38)
وقال : « أخرجه الطبري بإسناد صحيح » )
مفاوضات قبيل القتال :
وأرسل علي
الـمقداد بن الأسود والقعقاع بن عمرو ليتكلما مع طلحة والزبير
واتفق الـمقداد والقعقاع من جهة وطلحة والزبير من جهة أخرى على عدم القتال وبين كل فريق وجهة نظره
فطلحة والزبير يريان أنه لا يجوز ترك قتلة عثمان
وعلي يرى أنه ليس من الـمصلحة تتبع قتلة عثمان الآن بل حتى تستتب الأمور فقتل قتلة عثمان متفق عليه والاختلاف إنما هو في متى يكون ذلك
وبعد الاتفاق نام الجيشان بخير ليلة وبات السبئية (وهم قتلة عثمان) بشر ليلة
لأنه تم الاتفاق عليهم وهذا ما ذكره الـمؤرخون الذين أرخوا لهذه الـمعركة أمثال :
الطبري وابن كثير وابن الأثير وابن حزم وغيرهم
عند ذلك أجمع السبئيون رأيهم على أن لا يتم هذا الاتفاق وفي السحر والقوم نائمون
هاجم مجموعة من السبئيين جيش طلحة والزبير وقتلوا بعض أفراد الجيش وفروا
فظن جيش طلحة أن جيش علي غدر بهم
فناوشوا جيش علي في الصباح
فظن جيش علي أن جيش طلحة والزبير قد غدر فاستمرت الـمناوشات بين الفريقين حتى كانت الظهيرة فاشتعلت الـمعركة
محاولات وقف القتال :
وقد حاول الكبار من الجيشين وقف القتال ولكن لم يفلحوا
فكان طلحة يقول : يا أيها الناس أتنصتون؟
فأصبحوا لا ينصتونه
فقال : أف أف فراش نار وذبان طمع
(« تاريخ خليفة بن خياط » 182)
وعلي يمنعهم ولا يردون عليه
وأرسلت عائشة كعب بن سور بالـمصحف لوقف الـمعركة
فرشقه السبئيون بالنبال حتى أردوه قتيلا
وذلك أن الحرب والعياذ بالله إذا اشتعلت لا يستطيع أحد أن يوقفها
وقد ذكر البخاري أبياتا من الشعر لامرئ القيس :
الحرب أول ما تكون فتية تسعى بزينتها لكل جهول
حتى إذا اشتعلت وشب ضرامها ولت عجوزا غير ذات حليل
شمطاء ينكر لونها وتغيرت مكروهة للشم والتقبيل
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
« والفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء فصار الأكابر رضي الله عنهم عاجزين عن إطفاء الفتنة وكف أهلها وهذا شأن الفتن كما قال تعالى :
[واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب]
{الأنفال : 25}
وقعة الجمل كانت في سنة ست وثلاثين من الهجرة
أي : في بداية خلافة علي رضي الله عنه
بدأت بعد الظهر وانتهت قبيل مغيب الشمس من اليوم نفسه
كان مع علي عشرة آلاف
وأهل الجمل كان عددهم ما بين الخمسة والستة آلاف
وراية علي كانت مع محمد بن علي بن أبي طالب
وراية أهل الجمل مع عبد الله بن الزبير
قتل في هذا اليوم كثير من الـمسلمين وهي فتنة سلم الله تبارك وتعالى منها سيوفنا ونسأل الله لهم الرضوان والـمغفرة
مقتل طلحة والزبير :
وقتل طلحة والزبير ومحمد بن طلحة
أما الزبير فلم يشارك في هذه الـمعركة ولا طلحة
وذلك أنه يروى أن الزبير رضي الله عنه لـما جاء إلى الـمعركة لقي علي بن أبي طالب
فقال له علي : أتذكر أن الرسول صل الله عليه وسلم قال : تقاتل عليا وأنت ظالم »
فرجع الزبير في ذلك اليوم ولم يقاتل
(« الـمصنف » لابن أبي شيبة (15/283 رقم 196744) وفيه رجل مجهول)
فالصحيح أنه لم يقاتل ولكن هل وقع هذا بينه وبين علي؟
الله أعلم؟
لأنه ليس للرواية سند قوي ولكن هي الـمشهورة في كتب التاريخ
والـمشهور أكثر أن الزبير لم يشارك في هذه الـمعركة وقتل الزبير غدرا على يد رجل يقال له ابن جرموز
* وقتل طلحة بسهم غرب (بسهم غير مقصود ) والـمشهور أن الذي رماه مروان بن الحكم أصابه في قدمه مكان إصابة قديمة فمات منها رضي الله تبارك وتعالى عنه وهو يحاول منع الناس من القتال ولـما انتهت هذه الـمعركة وقتل الكثير خاصة في الدفاع عن جمل عائشة لأنها كانت تمـثل رمزا لهم فكانوا يستبسلون في الدفاع عنها
ولذلك بمجرد أن سقط الجمل هدأت الـمعركة وانتهت وانتصر علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وإن كان الصحيح أنه لم ينتصر أحد ولكن خسر الإسلام وخسر الـمسلمون في تلك الـمعركة
بعد الـمعركة :
فلـما انتهت الـمعركة صار علي رضي الله عنه يمر بين القتلى فوجد طلحة بن عبيد الله
فقال بعد أن أجلسه ومسح التراب عن وجهه :
عزيز علي أن أراك مجدلا تحت نجوم السماء أبا محمد
وبكى علي رضي الله عنه
وقال : وددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة
(« تاريخ دمشق » لابن عساكر
الـمختصر (11/7 0 2)
« أسد الغابة » (3/88)
وقال البوصيري : « رجاله ثقات »)
* وكذلك رأى علي محمد بن طلحة بن عبيد الله فبكى
وكان محمد بن طلحة يلقب بـ « السجاد » من كثرة عبادته رضي الله تبارك وتعالى عنه
وكل الصحابة بلا استثناء الذين شاركوا في هذه الـمعركة ندموا على ما وقع
* وابن جرموز هذا دخل على علي ومعه سيف الزبير
يقول : قتلت الزبير قتلت الزبير
فلـما سمعه علي قال :
« إن هذا السيف طالـما فرج الكرب عن رسول الله صل الله عليه وسلم »
ثم قال :
« بشر قاتل ابن صفية بالنار »
ولم يأذن له بالدخول عليه
(« طبقات ابن سعد » (3/105) بسند حسن)
ولـما انتهت الـمعركة أخذ علي رضي الله عنه أم الـمؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرسلها معززة مكرمة إلى مدينة الرسول صل الله عليه وسلم كما أمره صل الله عليه وسلم
عن علي قال :
قال رسول الله صل الله عليه وسلم :
« سيكون بينك وبين عائشة أمر »
قال علي : فأنا أشقاهم يا رسول الله
قال : « لا ولكن إذا كان ذلك فارددها إلى مأمنها »
ففعل رضي الله عنه ما أمر به رسول الله صل الله عليه وسلم
( أخرجه أحمد في « الـمسند » (6/393)
وقال الحافظ في « الفتح »(13/0 6) « سنده حسن »)
لـماذا لم يقتل علي قتلة عثمان؟
علي رضي الله عنه كان ينظر نظر مصلحة ومفسدة فرأى أن الـمصلحة تقتضي تأخير القصاص لا تركه فأخر القصاص من أجل هذا كما فعل النبي صل الله عليه وسلم في حادثة الإفك وذلك أنه تكلم في عائشة رضي الله عنها بعض الناس
* ومن أشهر من تكلم في عائشة حسان بن ثابت وحمنة بنت جحش ومسطح بن أثاثة
وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول
فصعد النبي صل الله عليه وسلم الـمنبر وقال :
« من يعذرني في رجل وصل أذاه إلى أهلي؟
(يعني : عبد الله بن أبي بن سلول )
فقام سعد بن معاذ وقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله
إن كان منا معشر الأوس قتلناه وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا بقتله
فقام سعد بن عبادة فرد على سعد بن معاذ
وقام أسيد بن حضير فرد على سعد بن عبادة
فصار النبي صل الله عليه وسلم يخفضهم
( متفق عليه)
وعلم أن الأمر عظيم وذلك أنه قبل مجيء النبي صل الله عليه وسلم إلى الـمدينة كان الأوس والخزرج قد اتفقوا على أن يجعلوا عبد الله بن أبي بن سلول ملكا عليهم
فله عندهم منزلة عظيمة وهو الذي رجع بثلث الجيش في معركة أحد والنبي صل الله عليه وسلم هنا ترك جلد عبد الله بن أبي بن سلول لـماذا؟
للمصلحة إذ رأى أن جلده أعظم مفسدة من تركه
* وكذلك علي رضي الله عنه رأى أن تأخير القصاص أقل مفسدة من تعجيله لأن عليا رضي الله عنه لا يستطيع أن يقتل قتلة عثمان أصلا
لأنهم غير معروفين بأعيانهم وإن كان هناك رؤوس للفتنة ولهم قبائل تدافع عنهم والأمن غير مستتب ومازالت الفتنة قائمة ومن يقول إنهم لن يقتلوا عليا رضي الله عنه؟
وقد قتلوه بعد ذلك
* ولذلك لـما وصلت الخلافة إلى معاوية لم يقتل قتلة عثمان أيضا لـماذا؟
لأنه صار يرى ما كان يراه علي
كان علي يراه واقعا ومعاوية كان يراه نظريا فلـما آلت الخلافة إليه رآه واقعا
نعم معاوية أرسل من قتل بعضهم ولكن بقي آخرون إلى زمن الحجاج في خلافة عبد الـملك بن مروان حتى قتل آخرهم
الـمهم أن عليا رضي الله عنه ما كان يستطيع أن يقتلهم ليس عجزا ولكن خوفا على الأمة
ليست هناك تعليقات