موسوعة الرد على الشيعة الجزء الثالث أمهات المؤمنين (أكاذيب و ردود 1)


اتهام عائشة وحفصة رضى الله عنهما بالكفر

قالوا عن قول الله تبارك وتعالى :
[يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم * قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم * وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلـما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلـما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير * إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح الـمؤمنين والـملائكة بعد ذلك ظهير]
{التحريم : 1- 4}

قال الشيعة : [صغت ] أي : مالت إلى الكفر
وقالوا : هذه آيات من كتاب الله نزلت في عائشة وحفصة زوجتي النبي صل الله عليه و سلم

قلنا :
عن عبيد بن عمير قال : سمعت عائشة رضي الله عنها قالت :
إن النبي صلى الله عليه و سلم كان يمكث عند زينب بنت جحش بنت عمته وزوجته ويشرب عندها عسلا فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي صل الله عليه وسلم فلتقل إني لأجد منك ريح مغافير
أكلت مغافير؟ فدخل على إحداهما فقالت له ذلك فقال : لا بأس شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود إليه
وكان النبي صل الله عليه وسلم عند حفصة بنت عمر فقال لها : لا تخبري أحدا ولن أعود
فأخبرت عائشة أنها قد نجحت في خطتها وأن النبي صل الله عليه وسلم امتنع عن العسل وأنه لن يعود إليه مرة ثانية
فأنزل الله تبارك وتعالى :
[يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك]
{التحريم : 1}

* قوله تعالى [ إن تتوبا ] يعني من هذا العمل وهو ما يكون من الزوجات من الغيرة وغيرها من الأمور

* وقوله : [ صغت ] أي : مالت عن الحق في هذا الفعل فالفعل خطأ
وليس معنى مالت : كفرت
كيف وهن زوجات النبي صل الله عليه وسلم وهن أمهات الـمؤمنين وهن اللاتي أمر الله النبي صل الله عليه وسلم أن لا يطلق منهن واحدة وأمره أن لا يستبدل بهن أحدا وأن لا يتزوج عليهن
قال تعالى :
[لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا]
{الأحزاب : 52}

ثم بعد ذلك على الصحيح أذن الله بالزواج

الـمهم أن هذا دليل على أن الغيرة أمر طبيعي جدا يحصل بين النساء بل إن زوجات النبي صل الله عليه وسلم كن حزبين

فعن عائشة رضي الله عنها قالت :

إن نساء رسول الله صل الله عليه و سلم كن حزبين فحزب فيه : عائشة وحفصة وصفية وسودة
والحزب الآخر فيه : أم سلمة وسائر نساء النبي صل الله عليه وسلم أم حبيبة وجويرية وميمونة وزينب

وكان الـمسلمون قد علموا حب الرسول صل الله عليه وسلم عائشة

فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى الرسول صل الله عليه وسلم أخرها حتى إذا كان الرسول صل الله عليه وسلم في بيتها بعث صاحب الهدية إلى الرسول صل الله عليه وسلم في بيت عائشة
فكلم حزب أم سلمة يقلن لأم سلمة كلمي رسول الله صل الله عليه وسلم يكلم الناس فيقول : من أراد أن يهدي إلى رسول الله هدية فليهدها حيث كان من نسائه
فكلمته أم سلمة بما قلن لها فلم يقل لها شيئا فسألنها
فقالت : ما قال لي شيئا
فقلن لها : كلميه
قالت : فكلمته حين دار إليها أيضا فلم يقل لها شيئا
فسألنها
فقالت : ما قال لي شيئا
فقلن لها : كلميه حتى يكلمك
فدار إليها فكلمته
فقال لها : لا تؤذيني في عائشة فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة
قالت : أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله
ثم إنهن (أي : حزب أم سلمة) دعون فاطمة بنت رسول الله صل الله عليه وسلم فأرسلت إلى رسول الله صل الله عليه وسلم تقول : إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت أبي بكر فكلمته
فقال : يا بنية ألا تحبين ما أحب؟
قالت : بلى
قال : فأحبي هذه -يعني عائشة- فرجعت إليهن فأخبرتهن
فقلن : ارجعي إليه فأبت أن ترجع
فأرسلن زينب بنت جحش إلى النبي صل الله عليه وسلم فأتته فأغلظت - يعني : في الكلام-
وقالت : إن نساءك ينشدنك الله العدل في ابنة أبي قحافة : يقول فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة وهي قاعدة عند النبي صل الله عليه وسلم فسبتها حتى إن النبي صل الله عليه وسلم لينظر إلى عائشة هل تتكلم أو لا
فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها
فنظر النبي صل الله عليه وسلم إلى عائشة
وقال : إنها بنت أبي بكر

فالقصد أن نساء النبي ضرائر ويقع بين الضرائر الشيء الكثير

ونحن نقول : نعم أخطأت حفصة وعائشة ولكن ما كفرتا بالله تعالى في فعلهما ذلك


طعن الشيعة في شرف النبي صل الله عليه وسلم

قال القمي (احد كبار علماء الشيعة) في تفسيره لقوله تعالى :

( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)
(التحريم : 10)
قال : والله ما عنا بقوله " فخانتاهما " إلا الفاحشة [ لكنه لا يتكلم عن امرأة لوط وامرأة نوح ]
وإنما يتكلم عن عائشة وحفصة
ولهذا قال : وليقيمن الحد على عائشة وكان طلحة يحبها فلما أرادت أن تخرج إلى البصرة قال لها فلان لا يحل لك أن تخرجي من غير محرم فتزوجت طلحة

وقال رجب البرسي (احد كبار علماء الشيعة) ( في مشارق أنوار اليقين صفحة 86 ) :

إن عائشة جمعت أربعين دينارا من خيانة وفرقتها على مبغضي على

وقد مر بكم أنها نامت مع على في فراش واحد وفي كتاب ( بحار الأنوار) :

أن عليا جاء إلى النبي وهو جالس عند عائشة فجلس على فخذ عائش
وقالت له عائشة : يا علي أما وجدت لاستك غير فخذي

وهذا العياشي (احد كبار علماء الشيعة) في تفسيره لقول الله تبارك وتعالى :

( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل )
(آل عمران 144)
قال : بالسند عن جعفر الصادق :
تدرون مات النبي أو قتل إن الله يقول
( أفإن مات أو قتل )
فسم قبل الموت إنهما سقتاه قبل الموت السم
يقصد عائشة وحفصة

إن الطعن في زوجات النبي ووصف عائشة بما برأها الله منه في سورة النور هو طعن في رسول الله إذ أن زوج العاهرة يكون ديوثا عياذا بالله تعالى

وهذا من التشابه بين اليهود والرافضة فكما اتهم اليهود مريم العذراء بالزنا اتهم الرافضة عائشة الصديقة بنت الصديق بالزنا



أن عائشة أذاعت سر رسول الله صل الله عليه وسلم

قال تعالى :
{ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ }

-أولاً :

قد ثبت في الصحيح أن المقصود في هذه الآية هما عائشة وحفصة أمهات المؤمنين رضي الله عنهن

-ففي صحيح البخاري :

" عن عائشة رضي الله عنها قالت :
كان رسول الله صل الله عليه وسلم يشرب عسلا عند زينب بنت جحش ويمكث عندها
فواطيت أنا وحفصة على : أيتنا دخل عليها فلتقل له : أكلت مغافير إني أجد منك ريح مغافير
قال :
(لا ولكني كنت أشرب عسلا عند زينب بنت جحش فلن أعود له وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدا)"

-وفي رواية :

"(بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولا أعود له) فنزلت :
{يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك -إلى قوله- إن تتوبا إلى الله}
لعائشة وحفصة : إذ أسر النبي "

-ثانياً :

أهل السنة والجماعة لا يحاولون طمس الحقيقة بل هذه الحادثة مدوّنه في أصح كتاب بعد كتاب الله في صحيح البخاري والحديث المُسَر هو تحريم رسول الله لجاريته مارية القبطية على نفسه أو امتناعه عن أكل العسل عند زوجته زينب بنت جحش رضي الله عنها

-ثالثا :

أما قولهم قوله تعالى :
{ فقد صغت قلوبكما }
يدل على كفر عائشة وحفصة رضي الله عنهما لأن قراءتهم " فقد زاغت قلوبكما "
كما ذكرها النورى الطبرسى (احد كبار علماء الشيعة) في فصل الخطاب ص 313
والبياضي (احد كبار علماء الشيعة) في الصراط المستقيم 3/168
وقالوا الزيغ هو الكفر

-وهذه الدعوى باطلة أيضاً لأن الزيغ الميل وهذا الميل متعلق بالغيره لا غير والزيغ والميل في هذه المسألة والغيرة بين الضرائر ليست زيغاً عن الإسلام إلى الكفر فالغيرة من جبلة النساء

ولا مؤاخذة على الأمور الجبلية

-وعائشة وحفصة رضي الله عنهما قد مال قلبيهما إلى محبة اجتناب رسول الله صل الله عليه وسلم جاريته وتحريمهما على نفسه أو مالت قلوبهما إلى تحريم الرسول صل الله عليه وسلم لما كان مباحاً له كالعسل مثلاً


-رابعاً :

الغيرة بين أزواج النبي حاصلة في حياة النبي صل الله عليه وسلم وكان يرى ذلك ويبتسم ويقرهن على هذا لأن هذا من طبائع النساء ولم يغضب رسول الله صل الله عليه وسلم من غيرتهن

-وكذلك غيرة سارة زوجة إبراهيم عليه السلام من هاجر عليهم السلام


-خامساً :

الله عز وجل دعاهما إلى التوبة بقوله :
{ إن تتوبا إلى الله }
فهما قد تابتا ورجعا إلى الله عز وجل وهذا عتاب من الله لهما كما عاتب الله نبيه وحبيبه وصفيه محمداً صل الله عليه وسلم :
{ يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك }
هل يقول قائل نأخذ بمفهوم المخالفة لمن فطرته منكوسة وأفهامه معكوسة ويقول بأن النبي صل الله عليه وسلم لم يبتغي مرضات الله وإنما الله يربي نبيه ويربي أزواجه ويؤدبهم ويصطفيهم حتى يعلي قدرهم بين العالمين

-وهذا نظير قوله تعالى :

(وَلَوْلاَ أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لأَذَقْناكَ ضِعْفَ الحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَتَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً)
ونظير قوله تعالى :

{ يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين }
هل يقول عاقل بأن الرسول ليس من المتقين أو أنه كان يطيع الكافرين والمنافقين

-وكقوله تعالى لنوح :

{ إني أعظك أن تكون من الجاهلين }
فهل كان نوح من الجاهلين

-سادساً :

عائشة وحفصة رضي الله عنهما لو كان منهما ما يوجب الكفر لطلقهما النبي صل الله عليه وسلم
فلا يجوز للمسلم فضلاً عن النبي صل الله عليه وسلم أن يمسك الكوافر قال تعالى :
{ ولا تمسكوا بعصم الكوافر }
وأن يجعل في ذمته الكافرات المشركات لقوله تعالى :
{ لا هن لهن حل لهن ولا هم يحلون لهن }

-وهذا عند السنة و الرافضة قال القمي (احد كبار علماء الشيعة) في تفسيره ( سورة الممتحنة ) عند قوله تعالى : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر }

"عن أبي جعفر قال : من كانت عنده امرأة كافرة يعني على غير ملة الإسلام وهو على ملة الإسلام فليعرض عليها الإسلام فإن قبلت فهي امرأته وإلا فهي بريئة منه فنهى الله أن يمسك بعصمتها"
( 2/344)

أما ادعاؤهم بأن عائشة وحفصة قد سقتا السم لرسول الله صل الله عليه وسلم

فإت الرد على مثل هذه الترهات عبث وإضاعة للأوقات ومع ذلك نقول هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين
ونطالبهم بإسناد صحيح إلى رسول الله صل الله عليه وسلم بأن عائشة وحفصة قتلتا رسول الله صل الله عليه وسلم

نقول أخيرا أن أهل السنة والجماعة لا يعتقدون أن الصحابي معصوم من كبائر الإثم وصغائره بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر

ثم إذا كان صدر من أحدهم ذنب فيكون إما قد تاب منه أو أتى بحسنات تمحوه أو غفر له بسابقته أو بشفاعة محمد صل الله عليه وسلم وهم أحق الناس بشفاعته أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه
فإذا كان هذا في الذنوب المحققة فكيف بالأمور التي هم مجتهدون فيها :
إن أصابوا فلهم أجران وإن أخطئوا فلهم أجر واحد والخطأ مغفور

ثم إن القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نادر مغفور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من إيمان وجهاد وهجرة ونصرة وعلم نافع وعمل صالح


-يقول الذهبي رحمه الله :

" فالقوم لهم سوابق وأعمال مكفرة لما وقع بينهم وجهاد محّاءٌ وعبادة ممحصة ولسنا ممن يغلو في أحد منهم ولا ندعي فيهم العصمة "
( سير أعلام النبلاء 10 / 93 في ترجمة الشافعي )


قولهم أن عائشة قاتلت عليا والله يقول { وقرن في بيوتكن }

-أولاً :

إن الكلام عما شجر بين الصحابة ليس هو الأصل بل الأصل الاعتقادي عند أهل السنة والجماعة هو الكف والإمساك عما شجر بين الصحابة وهذا من قول النبي صل الله عليه وسلم :
" وإذا أصحابي فأمسكوا "

-ثانيا :

إذا دعت الحاجة إلى ذكر ما شجر بينهم فلابد من التحقيق والتثبت في الروايات المذكورة حول الفتن بين الصحابة
قال الله عز وجل :

{ يا أيها الذين امنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين }
وهذه الآية تأمر المؤمنين بالتثبت في الأخبار المنقولة إليهم عن طريق الفساق لكيلا يحكموا بموجبها على الناس فيندموا
- فوجوب التثبت والتحقيق فيما نقل عن الصحابة وهم سادة المؤمنين أولى وأحرى خصوصا ونحن نعلم أن هذه الروايات دخلها الكذب والتحريف أما من جهة اصل الرواية أو تحريف بالزيادة والنقص يخرج الرواية مخرج الذم واللعن

- وأكثر المنقول من المطاعن الصريحة هو من هذا الباب يرويها الكذابون المعروفون بالكذب

مثل ابي مخنف لوط بن يحيى ومثل هشام بن محمد بن السائب الكلبي وأمثالهما
( منهاج السنة 5 / 72 وانظر دراسة نقدية "
مرويات ابي مخنف في تاريخ الطبري / عصر الراشدين ليحيى اليحيى )

-ثالثاً :

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" أما أهل السنة فإنهم في هذا الباب وغيره قائمون بالقسط شهداء لله وقولهم عدل لا يتناقض وأما الرافضة وغيرهم من أهل البدع ففي أقوالهم من الباطل والتناقض ما ننبه إن شاء الله تعالى على بعضه وذلك أن أهل السنة عندهم أن أهل بدر كلهم في الجنة وكذلك أمهات المؤمنين :
عائشة وغيرها وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير هم سادات أهل الجنة بعد الأنبياء "

-رابعاً :

أهل السنة يقولون : إن أهل الجنة ليس من شرطه سلامتهم عن الخطأ بل ولا عن الذنب بل يجوز أن يُذهب الرجل منهم ذنباً صغيراً أو كبيراً ويتوب منه وهذا متفق عليه بين المسلمين ولو لم يتب منه فالصغائر مغفورة باجتناب الكبائر عند جماهيرهم بل وعند الأكثرين منهم أن الكبائر قد تُمحى بالحسنات التي أعظم منها وبالمصائب المكفرة

- فأهل السنة والجماعة لا يعتقدون أن الصحابي معصوم من كبائر الإثم وصغائره بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر ثم إذا كان صدر من أحدهم ذنب فيكون إما قد تاب منه أو أتى بحسنات تمحوه أو غفر له بسابقته أو بشفاعة محمد صل الله عليه وسلم وهم أحق الناس بشفاعته أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه فإذا كان هذا في الذنوب المحققة فكيف بالأمور التي هم مجتهدون فيها : إن أصابوا فلهم أجران وإن أخطئوا فلهم أجر واحد والخطأ مغفور


- ثم إن القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نادر مغفور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من إيمان وجهاد وهجرة ونصرة وعلم نافع وعمل صالح


- يقول الذهبي رحمه الله :

" فالقوم لهم سوابق وأعمال مكفرة لما وقع بينهم وجهاد محّاءٌ وعبادة ممحصة ولسنا ممن يغلو في أحد منهم ولا ندعي فيهم العصمة "
( سير أعلام النبلاء 10 / 93 في ترجمة الشافعي )

-خامساً :

من أجل ذلك لا يجوز ان يدفع النقل المتواتر في محاسن الصحابة وفضائلهم بنقول بعضها منقطع وبعضها محرف وبعضها يقدح فيما علم فإن اليقين لا يزول بالشك ونحن تيقنا ما ثبت في فضائلهم فلا يقدح في هذا أمور مشكوك فيها فكيف إذا علم بطلانها
( منهاج السنة 6 / 305 )

- قال ابن دقيق العيد :

" وما نقل عنهم فيما شجر بينهم واختلفوا فيه فمنه ما هو باطل وكذب فلا يلتفت إليه وما كان صحيحا أولناه تأويلا حسنا لأن الثناء عليهم من الله سابق وما ذكر من الكلام اللاحق محتمل للتأويل والمشكوك والموهوم لا يبطل الملحق المعلوم "

-سادساً :

فإن أهل الجمل وصفين لم يقاتلوا على نصب إمام غير علي ولا كان معاوية يقول إنه الإمام دون علي ولا قال ذلك طلحة والزبير وإنما كان القتال فتنة عند كثير من العلماء بسبب اجتهادهم في كيفية القصاص من قاتلي عثمان رضي الله عنه وهو من باب قتال أهل البغي والعدل وهو قتال بتأويل سائغ لطاعة غير الإمام لا على قاعدة دينية
أي ليس بسبب خلاف في أصول الدين

- ويقول عمر بن شبه :

" إن أحدا لم ينقل ان عائشة ومن معها نازعوا عليا في الخلافة ولا دعوا أحدا ليولوه الخلافة وإنما أنكروا على علي منعه من قتال قتلة عثمان وترك الاقتصاص منهم "
( أخبار البصرة لعمر بن شبه نقلا عن فتح الباري 13 / 56 )

- ويؤيد هذا ما ذكره الذهبي :

" أن ابا مسلم الخولاني وأناسا معه جاءوا إلى معاوية وقالوا : أنت تنازع عليا أم أنت مثله ؟
فقال : لا والله إني لأعلم أنه أفضل مني وأحق بالأمر مني ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما وأنا ابن عمته والطالب بدمه فائتوه فقولوا له فليدفع إلي قتلة عثمان وأسلم له
فأتوا عليا فكلموه فلم يدفعهم إليه "
( سير أعلام النبلاء للذهبي 3 / 1400 بسند رجاله ثقات كما قال الأرناؤوط )

- وأيضا فجمهور الصحابة وجمهور أفاضلهم ما دخلوا في فتنة


- قال عبد الله بن الإمام أحمد بإسناده إلى :

" محمد بن سيرين قال : هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم عشرة آلاف فما حضرها منهم مائة بل لم يبلغوا ثلاثين "

- قال ابن تيمية :

" وهذا الإسناد من اصح إسناد على وجه الأرض ومحمد بن سيرين من أورع الناس في منطقته ومراسيله من أصح المراسيل "
( منهاج السنة 6 / 236 )

-سابعاً :

ما ينبغي أن يعلمه المسلم حول الفتن التي وقعت بين الصحابة - مع اجتهادهم فيها وتأولهم - حزنهم الشديد وندمهم لما جرى بل لم يخطر ببالهم أن الأمر سيصل إلى ما وصل إليه وتأثر بعضهم التأثر البالغ حين يبلغه مقتل أخيه بل إن البعض لم يتصور أن الأمر سيصل إلى القتال وإليك بعض من هذه النصوص :
- وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول عنه الشعبي :
" لما قتل طلحة ورآه علي مقتولا جعل يمسح التراب عن وجهه ويقول : عزيز علي أبا محمد أن أراك مجدلا تحت نجوم السماء " .. ثم قال :" إلى الله أشكو عجزي وبجري - أي همومي وأحزاني - وبكى عليه هو واصحابه وقال : ياليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة "
- وكان يقول ليالي صفين :
" لله در مقام عبد الله بن عمر وسعد بن مالك - وهما ممن اعتزل الفتنة - إن كان برا إن أجره لعظيم وإن كان إثما إن خطره ليسير "
( منهاج السنة 6 / 2099 )
فهذا قول أمير المؤمنين رغم قول أهل السنة أن عليا ومن معه أقرب إلى الحق
- وهذا الزبير بن العوام رضي الله عنه وهو ممن شارك في القتال بجانب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها يقول :
" إن هذه لهي الفتنة التي كنا نحدث عنها
فقال مولاه : أتسميها فتنة وتقاتل فيها ؟!
قال : " ويحك إنا نبصر ولا نبصر ماكان أمر قط إلا علمت موضع قدمي فيه غير هذا الأمر فإني لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر "
( فتح الباري 12 / 67 )
- هذه عائشة أم المؤمنين تقول فيما يروي الزهري عنها :
" إنما أريد أن يحجر بين الناس مكاني ولم أحسب أن يكون بين الناس قتال ولو علمت ذلك لم اقف ذلك الموقف أبدا "
( مغازي الزهري )

-ثامناً :

كيف يلام الصحابة بأمور كانت متشابهة عليهم فاجتهدوا فأصاب بعضهم وأخطأ الآخرون وجميعهم بين أجر وأجرين ثم بعد ذلك ندموا على ما حصل وجرى وما حصل بينهم من جنس المصائب التي يكفر الله عز وجل بها ذنوبهم ويرفع بها درجاتهم ومنازلهم

- قال صل الله عليه وسلم :

" لا يزال البلاء بالعبد حتى يسير في الأرض وليس عليه خطيئة "

- وعلى أقل الأحوال لو كان ما حصل من بعضهم في ذلك ذنبا محققا فإن الله عز وجل يكفره بأسباب كثيرة من أعظمها الحسنات الماضية من سوابقهم ومناقبهم وجهادهم والمصائب المكفرة والاستغفار والتوبة التي يبدل بها الله عز وجل السيئات حسنات ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم

( للتوسع راجع منهاج السنة 6 / 205 فقد ذكر عشر أسباب مكفرة )

-تاسعاً :

فالمرء لا يعاب بزلة يسيرة حصلت منه في من فترات حياته وتاب منها فالعبرة بكمال النهاية لا ينقص البداية سيما وإن كانت له حسنات ومناقب ولو لم يزكه أحد فكيف إذا زكاه خالقه العليم بذات الصدور
{ ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم }

-عاشراً :

علي رضي الله عنه لم يكفر الذين قاتلوه وهذا ثابت في كتب السنة وكتب الرافضة
فأما عند السنة :
فقد قال شيخ الإسلام إن الصحابة قاتلوا الخوارج بأمر النبي ولدفع شرهم عن المسلمين إلا أنهم لم يكفروهم بل حرم علي بن أبي طالب أموالهم وسبيهم وبرهن شيخ الإسلام على أن علي بن أبي طالب لم يكفر الخوارج بالصريح من أقواله
فذكر طارق بن شهاب قال :
" كنت مع علي حين فرغ من قتال أهل النهروان فقيل له : أمشركون هم ؟
قال : من الشرك فروا
قيل : فمنافقون ؟
قال : إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا
قيل فما هم ؟
قال : قوم بغوا علينا فقاتلناهم

( رواه ابن أبي شيبة في المصنف 37942)

- وأما في كتب الرافضة فهو ثابت أيضا وهو كما يلي :


- بحار الأنوار المجلسي (احد كبار علماء الشيعة) ج 23 ص 324 عن ابن طريف عن ابن علوان عن جعفر عن أبيه عليه السلام :

"كان يقول لأهل حربه انا لم نقاتلهم على التكفير لهم ولم نقاتلهم على التكفير لنا و لكنا رأينا انا على حق و رأوا أنهم على حق"

- و سائل الشيعة ج 15 ص 83 عن جعفر ابن محمد عن ابيه عن علي عليه السلام انه قال :

" القتل قتلان قتل كفارة و قتل درجة و القتال قتالان قتال الفئة الباغية حتى يفيؤا و قتال الفئة الكافرة حتى يسلموا "

- وجاء في " جواهر الكلام الشيخ الجواهري (احد كبار علماء الشيعة) " ج12 ص 338 عن جعفر عن ابيه عليه السلام :

" أن عليا عليه السلام لم يكن ينسب أحدا من أهل البغي إلى الشرك و لا إلى النفاق و لكن كان يقول إخواننا بغوا علينا "

-الحادي عشر :
حديث النبي وقوله لعائشة :

" تقاتلين علياً وأنت ظالمة له "
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
" فهذا لا يعرف في شيء من كتب العلم المعتمدة ولا له إسناد معروف وهو بالموضوعات أشبه منه بالأحاديث الصحيحة بل هو كذب قطعاً فإن عائشة لم تقاتل ولم تخرج لقتال وإنما خرجت لقصد الإصلاح وظنت أن في خروجها مصلحة للمسلمين ثم تبين لها فيما بعد أن ترك الخروج كان أولى فكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتى تبلَّ خمارها "

-الثاني عشر :

وليس في ذلك مخالفة لقوله تعالى :
{ وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى }
فهي رضي الله عنها لم تتبرج تبرج الجاهلية الأولى

- والمراد بالاستقرار في البيوت لا ينافي الخروج لمصلحة مأمور بها كما لو خرجت للعمرة أو للحج

- فخروج المرأة إن كان لمصلحة شرعية فهو جائز بل حتى يجوز للمرأة المتوفى عنها زوجها أن تخرج أثناء عدتها لمصلحة شرعية راجحة
- فقد صح عن رسول الله صل الله عليه وسلم من حديث جابر بن عبد الله قال
:" طُلّقَتْ خَالَتُهُ فَأَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ إلَى نَخْلٍ لَهَا فَلَقِيَتْ رَجُلاً فَنَهَاهَا فَجَاءَتْ رَسُولَ اللّهِ صل الله عليه وسلم فَقَالَ :
"اخْرُجِي فَجُدّي نَخْلَكِ لَعَلّكِ أَنْ تَصَدّقِي وَتَفْعَلِي مَعْرُوفا"
( النسائي 6/210) وقال الألباني صحيح


قالوا بأن الفتنة من بيت عائشة

قام النبي صل الله عليه وسلم خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة فقال :

( ههنا الفتنة ههنا الفتنة ههنا الفتنة من حيث يطلع قرن الشيطان )

-الرد :

مقصود الحديث أن منشأ الفتن من جهة المشرق
ويبدو واضحاً من خلال أطراف الحديث أن النبي صل الله عليه وسلم إنما أراد أهل المشرق ولم يقصد عائشة رضي الله عنها بسوء ومن جمع طرق الحديث تبين له ذلك جيدا

أما قولهم أشار إلى بيت عائشة :

فهذا كذب وزور وبهتان فلم يرد في طرق الحديث أشار إلى بيت عائشة وإنما نحو بيت عائشة
وجاء في رواية عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : " رأيت رسول الله صل الله عليه وسلم يشـير إلى المشرق فقال :
 ( إن الفتنـة هاهنـا إن الفتنـة هاهنـا من حيث يطلع قرن الشيطان ) أو قال ( قرن الشمس )


- وفي رواية أخرى قال :

ذكر النبي صل الله عليه وسلم :
(اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك لنا في يمننا )
قالوا : يا رسول الله وفي نجدنا
قال :
( اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك لنا في يمننا )
قالوا : يا رسول الله وفي نجدنا فأظنه
قال في الثالثة :
( هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان )

-وعن سالم بن عبد الله بن عمر أنه قال :

"يا أهل العراق ! ما أسألكم عن الصغيرة وأركبكم للكبيرة سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول :
" سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم إن الفتنة تجيء من ههنا وأومأ بيده نحو المشرق من حيث يطلع قرنا للشيطان "
البخاري 7094

ثم هذا طعن بالنبي صل الله عليه وسلم فبيت عائشة هو بيت النبي صل الله عليه وسلم وبه دفن



موقف عائشة من مقتل عثمان وأنها تقول اقتلوا نعثلا فقد كفر

أولا :

الحق أن عائشة أم المؤمنين كانت تكنّ للخليفة عثمان كل احترام وتقدير وهي تدرك عظيم منزلته في قلب رسول الله صل الله عليه وسلم

-وقد روت عن النبي صل الله عليه وسلم فضائل ثابتة عن عثمان رضي الله عنه ومنها قوله صل الله عليه وسلم لعائشة :

"ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة "
مسلم 2401

- وأما ما رواه ابن أبي الحديد الشيعي المعتزلي من أنها كانت تنادي بقتله وتسميه نعثلا فهذا لا أساس له من الصحة وهو من فريات السبئية لعنهم الله ليوغروا عليه صدور المسلمين وليظفروا بمبتغاهم في الطعن على الصحابة رضوان الله عليهم وقد تقدم قريبا أن هذا الكلام المنسوب إلى عائشة رضوان الله عنها

ذكره ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة

-كما أن الرواية التي نحن بصددها فقد جاءت من طريق سيف بن عمر

قال يحيى بن معين : وابن أبي حاتم : ضعيف الحديث
وقال النسائي : كذاب
وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الأثبات
قال وقالوا : إنه كان يضع الحديث
وقال الدارقطني : متروك
وقال ابن أبي حاتم : مرّة : متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي
وقال أبوداود : ليس بشيء
وقال ابن عدّي : عامّة حديثه منكر

ليست هناك تعليقات