كتاب صفة صلاة النبي صل الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها الجزء الأول


صفة صلاة النبي صل الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
تأليف محمد ناصر الدين الألباني

مقدمة الكتاب الأولى

الحمد لله الذي فرض الصلاة على عباده وأمرهم بإقامتها وحسن أدائها وعلق النجاح والفلاح بالخشوع فيها وجعلها فرقانا بين الإيمان والكفر وناهية عن الفحشاء والمنكر
والصلاة والسلام على نبينا محمد المخاطب بقوله تعالى :
وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم
[ النحل : 44 ]
فقام صل الله عليه وسلم بهذه الوظيفة حق القيام وكانت الصلاة من أعظم ما بينه للناس قولا وفعلا حتى إنه صلى مرةة على المنبر يقوم عليه ويركع ثم قال لهم :
( إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي )
(البخاري ومسلم)
وأوجب علينا الاقتداء به فيها فقال :
( صلوا كما رأيتموني أصلي )

(البخاري ومسلم)
وبشر من صلاها كصلاته أن له عند الله عهدا أن يدخله الجنة فقال :
(صحيح صحيح أبي داود)
( خمس صلوات افترضهن الله عز وجل من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له ومن لم يفعل فليس له على الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه )
وعلى آله وصحبه الأتقياء البررة الذين نقلوا إلينا عبادته صل الله عليه وسلم وصلاته وأقواله وأفعاله وجعلوها - وحدها - لهم مذهبا وقدوة وعلى من حذا حذوهم وسلك سبيلهم إلى يوم الدين

وبعد فإني لما انتهيت من قراءة (كتاب الصلاة) من " الترغيب والترهيب " للحافظ المنذري رحمه الله وتدريسه على بعض إخواننا السلفيين - وذلك منذ أربع سنين - تبين لنا جميعا ما للصلاة من المنزلة والمكانة في الإسلام وما لمنن أقامها وأحسن أداءها من الأجر والفضل والإكرام وأن ذلك يختلف - زيادة ونقصا - بنسبة قربها أو بعدها من صلاةة النبي صل الله عليه وسلم كما أشار إلى ذلك بقوله
(صحيح أبي داود) :
( إن العبد ليصلي الصلاة ما يكتب له منها إلا عشرها تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها )
ولذلك فإني نبهت الإخوان إلى أنه لا يمكننا أداؤها حتى الأداء - أو قريبا منه - إلا إذا علمنا صفة صلاةة النبي صل الله عليه وسلم  مفصلة وما فيها من : واجبات وآداب وهيئات وأدعية وأذكار ثم حرصنا على تطبيق ذلك عمليا فحينئذ نرجو أن تكون صلاتنا تنهانا عن الفحشاء والمنكر وأن يكتب لنا ما ورد  فيها من الثواب والأجر
ولما كان معرفة ذلك على التفصيل يتعذر على أكثر الناس - حتى على كثير من العلماء - لتقيدهم بمذهب معين وقد علم كل مشتغل بخدمة السنة المطهرة جمعا وتفقها أن في كل مذهب من المذاهب سننا لا توجد في المذاهب الأخرى وفيهاا جميعها ما لا يصح نسبته إلى النبي صل الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال وأكثر ما يوجد ذلك في كتب المتأخرينن وكثيرا ما نراهم يجزمون بعزو ذلك إلى النبي صل الله عليه وسلم ولذلك وضع علماء الحديث - جزاهم الله خيرا - عنى بعض ما اشتهر منها  كتب التخريجات التي تبين حال كل حديث مما ورد فيها من صحة أو ضعف أو وضع ككتاب
" العناية بمعرفة أحاديث الهداية " و " الطرق والوسائل في تخريج أحاديث خلاصة الدلائل " كلاهما للشيخ عبد القادر بن محمد القرشي الحنفي و " نصب الراية لأحاديث الهداية " للحافظ الزيلعي ومختصره " الدراية " للحافظ ابن حجرر العسقلاني و " التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير " له أيضا وغيرها مما يطول الكلام  بإيرادها
أقول : لما كان معرفة ذلك على التفصيل يتعذر على أكثر الناس ألفت لهم هذا الكتاب ليتعلموا كيفية صلاة النبي صل الله عليه وسلم فيهتدوا بهديه فيها راجيا من المولى سبحانه وتعالى ما وعدنا به على لسان نبيه صل الله عليه وسلم :
( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا . . )
الحديث رواه مسلم وغيرهه وهو مخرج في
(الأحاديث الصحيحة 863)

سبب تأليف الكتاب

ولما كنت لم أقف على كتاب جامع في هذا الموضوع فقد رأيت من الواجب علي أن أضع لأخواني المسلمين - ممن همهم الاقتداء في عبادتهم بهدي نبيهم صل الله عليه وسلم - كتابا مستوعبا ما أمكن لجميع ما يتعلق بصفة صلاة النبيي صل الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم بحيث يسهل على من وقف عليه - من المحبين للنبي صل الله عليه وسلم حبا صادقا - القيام بتحقيق أمره في الحديث المتقدم :
( صلوا كما رأيتموني أصلي )
ولهذا فإني شمرت عن ساعد الجدد وتتبعت الأحاديث المتعلقة بما إليه قصدت من مختلف كتب الحديث فكان من ذلك هذا الكتاب الذي بين يديك وقدد اشترطت على نفسي أن لا أورد فيه من الأحاديث النبوية إلا ما ثبت سنده حسبما تقتضيه قواعد الحديث الشريف وأصوله وضربت صفحا عن كل ما تفرد به مجهول أو ضعيف سواء كان في الهيئات أو الأذكار أو الفضائل وغيرها لأنني أعتقد أن فيما ثبت من الحديث غنية عن الضعيف منه لأنه لا يفيد - بلا خلاف - إلا الظن والظن المرجو وهو كما قال تعالى :
لا يغني من الحق شيئا
وقال صل الله عليه وسلم :
( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث )
( البخاري ومسلم)
فلم يتعبدنا الله تعالى بالعمل به بل نهانا رسول الله صل الله عليه وسلم عنه فقال :
( اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم )
(صحيح الترمذي)
فإذا نهى عن رواية الضعيف فبالأحرى أن ينهى عن العمل به

هذا وقد كنت وضعت الكتاب على شطرين : أعلى وأدنى أما الأول فهو كالمتن أوردت فيه متون الأحاديث أو الجمل اللازمة منها ووضعتها في أماكنها اللائقة بها مؤلفا بين بعضها بحيث يبدو الكتاب منسجما من أوله إلى آخره وحرصت على المحافظة على نص الحديث ولفظه الذي ورد في كتب السنة وقد يكون له ألفاظ فأوثر منها لفظا لفائدة التأليف أو غيره وقد أضم إليه غيره من الألفاظ فإنه على ذلك بقولي :
( وفي لفظ : كذا وكذا ) أو ( وفي رواية كذا وكذا ) ولم أعزوها إلى رواتها من الصحابة إلا نادرا ولا بينت من رواها من أئمة الحديث تسهيلا للمطالعة والمراجعة

وأما الشطر الآخر فهو كالشرح لما قبله خرجت فيه الأحاديث الواردة في الشطر الأعلى مستقصيا ألفاظه وطرقه مع الكلام على أسانيدها وشواهدها تعديلا وتحريجا وتصحيحا وتضعيفا حسبما تقتضيه علوم الحديث
الشريف وقواعده وكثيرا ما يوجد في بعض الطرق من الألفاظ والزيادات ما لا يوجد في الطرق الأخرى فأضيفها إلى الحديث الواردة في القسم الأعلى إذا أمكن انسجامها مع أصله وأشرت إلى ذلك بجعلها بين قوسين مستطيلين هكذا [ ] دون أن أنص على من تفرد بها من المخرجين لأصله هذا إذا كان مصدر الحديث ومخرجه عن صحابي واحد وإلا جعلته نوعا آخر مستقلا بنفسه كما تراه في أدعية الاستفتاح وغيره وهذا شيء عزيز نفيس لا تكاد تجده هكذا في كتاب والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
ثم أذكر فيه مذاهب العلماء حول الحديث الذي خرجناه ودليل كل منهم مع مناقشتها وبيان ما لها وما عليها ثم نستخلص من ذلك الحق الذي أوردناه في القسم الأعلى وقد أورد فيه بعض المسائل التي ليس عليها نص في السنة إنما هي من المجتهد فيها ولا تدخل في موضوع كتابنا هذا
ولما كان طبع الكتاب بشطريه مما لم يتيسر لنا القيام به - لأسباب قاهرة - فقد رأينا أن نطبع الشطر الأول منه مستقلاا عن الآخر إن شاء الله تعالى وسميته :
" صفة صلاة النبي صل الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها "

أسأل الله تعالى أن يجعله خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به إخواني المؤمنين إنه سميع مجيب

منهج الكتاب

ولما كان موضوع الكتاب إنما هو بيان هدي النبي صل الله عليه وسلم في الصلاة كان من البدهي أن لا أتقيد فيه بمذهب معين للسبب الذي مر ذكره وإنما أورد فيه ما ثبت عنه صل الله عليه وسلم كما هو مذهب المحدثين قديما وحديثا وقدد  أحسن من قال :
أهل الحديث هم أهل النبي وإن لم يصحبوا أنفسه أنفاسه صحبوا

ولذلك فإن الكتاب سيكون إن شاء الله تعالى جامعا لشتات ما تفرق في بطون كتب الحديث والفقه - على اختلاف المذاهب مما له علاقة بموضوعه - بينما لا يجمع ما فيه من الحق أي كتاب أو مذهب وسيكون العامل به إن شاء اللهه ممن قد هداه الله لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم

ثم إني حين وضعت هذا المنهج لنفسي - وهو التمسك بالسنة الصحيحة - وجريت عليه في هذا الكتاب وغيره - مما سوف ينتشر بين الناس إن شاء الله - كنت على علم أنه سوف لا يرضي ذلك كل الطوائف والمذاهب بل سوف يوجهه بعضهم أو كثير منهم ألسنة الطعن وأقلام اللوم إلي ولا بأس من ذلك علي فإني أعلم أيضا أن إرضاء الناس غاية لاا تدرك وأن :
( من أرضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس )
(صحيح الصحيحة 2311)
كما قال رسول الله صل الله عليه وسلم
ولله در من قال : ولست بناج من مقالة طاعن ولو كنت في غار على جبل وعر

ومن ذا الذي ينجو من الناس سالما ولو غاب عنهم بين خافيتي نسر

فحسبي أنني معتقد أن ذلك هو الطريق الأقوم الذي أمر الله تعالى به المؤمنين وبينه نبينا محمد سيد المرسلين وهو الذي سلكه السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وفيهم الأئمة الأربعة - الذين ينتمي اليوم إلى مذاهبهم جمهور المسلمين - وكلهم متفق على وجوب التمسك بالسنة والرجوع إليها وترك كل قول يخالفها مهما كان القائلل عظيما فإن شأنه صل الله عليه وسلم أعظم وسبيله أقوم ولذلك فإني اقتديت بهداهم واقتفيت آثارهم وتبعت أوامرهمم بالتمسك بالحديث وإن خالف أقوالهم ولقد كان لهذه الأوامر أكبر الأثر في نهجي هذا النهج المستقيم وإعراضي عنن التقليد الأعمى فجزاهم الله تعالى عني خيرا

ليست هناك تعليقات