كتاب هل تبحث عن وظيفة ؟ للشيخ محمد العريفى الوصية السادسة


الوصية السادسة

أهل الجنة قوم سمت نفوسهم عن التعلق بمحبة الخلق إلى التعلق بمحبة الخالق
يحبهم ربهم ويحبونه
ربهم أحب إليهم من أهلهم وأموالهم وأنفسهم
طالما تملقوا إليه في الأسحار وبكوا من خشيته في النهار
اشتاقت عيونهم إلى رؤيته وتقطعت قلوبهم من عظم محبته

فليتك تحلو والحياة مريرة **
وليتك ترضى والأنام غضاب **
وليت الذي بيني وبينك عامر **
وبيني وبين العالمين خراب **
إذا صح منك الود فالكل هين **
وكل الذي فوق التراب تراب
اشتاقت نفوسهم لرؤية ربهم حتى استحقوا النظر إليه يوم القيامة فبشرهم الله بذلك وقال
﴿ وجوه يومئذ ناضرة ∗ إلى ربها ناظرة ﴾
فكن من هؤلاء واحذر أن تكون ممن تعلقت نفوسهم بالعشق المحرم

فقد تحب ( أو تحبين ) أحداً لأنه قوام لليل صوام للنهار أو حافظ للقرآن أو داع إلى الله فهذه المحبة لله وصاحبها مأجور عليها والمتحابون في الله يوم القيامة يكونون على منابر من نور يغبطهم عليها الأنبياء والشهداء
وقد تحب شخصاً ( أو تحبينه ) لجمال وجهه أو رقة كلامه أو تغنجه ودلاله دون النظر إلى صلاحه وطاعته لله فهذه المحبة لغير الله ولا تزيدك من الله إلا بعداً وقد هدد الله أصحابها فقال :
﴿ الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ﴾
وقال :
﴿ ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً ∗ يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً ∗ لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً ﴾
بل إن هؤلاء المتحابين الذين اجتمعوا على ما يغضب الله يعذبون يوم القيامة وينقلب حبهم إلى عداوة كما قال تعالى :
﴿ ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً ومأواكم النار ﴾
وإن من أكبر أسباب وقوع هذا العشق المحرم
النظر إلى الأفلام الهابطة التي يختلط فيها الرجال بالنساء حتى يقع في قلب الناظر إليها أن الاختلاط أمر عادي فيبدأ في البحث عن معشوق أو معشوقة

وأعظم من ذلك إذا كانت هذه الأفلام مما يقع فيها مشاهد الحب والغرام واللمسات والقبلات فإذا رآها الشباب والفتيات حركت فيهم الساكن وأظهرت الباطن ونزعت الحياء وقربت البلاء
وكذلك من رأى صور الفجور ومشاهد المجون فلا بد أن تندفع نفسه إلى تقليدها في كل حين في السوق وعلى فراشه وفي مكتبه ولا يزال الشيطان يدعوه إليها لذلك لما أمر الله تعالى بحفظ الفروج عن الزنا أمر قبل ذلك بغض البصر فقال سبحانه
﴿ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم ﴾
وفي الحديث
{ العين تزني وزناها النظر }

ومن أسباب التعلق بهذا العشق
الاستماع إلى الأغاني
وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه :
" الغناء رقية الزنا "
يعني طريقه ووسيلته
عجباً هذا يقوله ابن مسعود لما كان الغناء يقع من الإماء المملوكات يوم كان الغناء بالدف والشعر الفصيح
يقول رضي الله عنه :
هو رقية الزنا
فماذا يقول لو رأى زماننا وقد تنوعت الأصوات والألحان وأصبحت الأغاني تسمع في السيارة والطائرة والبر والبحر وكم في الأغاني من شرور فما يذكر فيها إلا الحب والغرام والعشق والهيام

بالله عليك هل سمعت مغنياً غنّى في الحث على غضّ البصر ؟
أو كفالة الأيتام ؟
أو الصلاة في المسجد ؟
أو التوبة ؟
ما سمعنا عن شيء من ذلك بل كل إناء بما فيه ينضح
امتلأ قلب هذا المغني بالشهوات وتعلق بالملذات فبدأ ينفق مما عنده ويلغ في قلوب الشباب والفتيات ويدعوهم إلى الولوغ فيما ولغ فيه
وإذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً إحداهن بالتراب

إن تعلق الشاب بشاب مثله وافتتان الفتاة بفتاة مثلها لهو الخطر الأكبر والخطب الأعظم
ومن تساهل بالنظر الحرام أوقعه ذلك في أحد الخطرين إما عشق النساء أو عشق المردان ولا يزال الشيطان به حتى يقع في الفاحشة عياذاً بالله
وقد ذمَّ الله هذه الفاحشة الشنيعة وجعلها قرينة الشرك والقتل فقال :
﴿ والذين لا يدعون مع الله إالهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ﴾
ثم ذكر الله تعالى عذاب الزناة يوم القيامة فقال :
﴿ ومن يفعل ذلك يلق أثاماً ∗ يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً ∗ إلا من تاب ﴾
وكم من فتاة ضيعت شبابها وفضحت أهلها أو قتلت نفسها بسبب ما تسميه العشق وكم من فتى أشغل أيامه وساعاته وأضاع أنفاس حياته فيما يسميه العشق ونحن في زمن كثرت فيه المغريات وتنوعت الشهوات
وترك المفسدون في قنواتهم ومجلاتهم مخاطبة العقول والأفهام ولجئوا إلى مخاطبة الغرائز وإثارة الحرام فأصبح الشباب والفتيات حيارى بين مجلات تغري وشهوات تسري وقنوات تعري وأفلام تزين وتجرئ
ودواء ذلك كله الصحبة الصالحة وغض البصر والنكاح الحلال وملء وقت الفراغ بما ينفع ولا شك أن الرفاهية الزائدة ونقص الإيمان تجرّ إلى هذه التوافه

قال الشيخ :
كان ابن عم لي يسكن في إحدى الدول المجاورة التي يظهر فيها السفور وكان هذا الرجل غنياً منعماً وكبر أولاده وبناته فلما وصلت إحدى بناته إلى المرحلة الجامعية طلبت منه أن يشتري لها سيارة تنتقل بها كيفما شاءت
فغضب وقال : السيارة مفتاح شر وقد يتعرض لك الفساق وتجعلك تختلطين بالرجال في الشارع وإدارة المرور وغير ذلك وأنا وإخوانك لم نقصر معك
فأصرت الفتاة وبكت حتى اشترى لها السيارة وبدأت تذهب وتجئ كيفما شاءت فلما انهت سنة من الجامعة وجاءت العطلة
قالت لأبيها : أريد أن أقضي الإجازة في بريطانيا مع صديقاتي لدراسة اللغة الإنجليزية !
فعجب الأب المسكين وقال : في بريطانيا !! لا ضرورة لذلك
فأصرت عليه وتباكت
فقال لها : نعم تذهبين ولكن أذهب معك أنا أو أخوك
فغضبت وقالت : أنا واثقة في نفسي ولا يمكن أن أتعرض لمكروه
فأبى عليها لكنها تعرف دواءه بكت وأقفلت على نفسها في غرفتها وأضربت عن الطعام والشراب حتى رق لها قلبه ودمعت عينه
وقال : أخرجي من عزلتك وسوف تسافرين إلى بريطانيا
ففرحت الفتاة وبدأت تجمع حقائبها وترتب ملابسها لكن الأب في هذه المرة طفح عنده الكيل وعلم أنه لا بد أن يجد حلاً حازماً
فماذا فعل ؟
رفع الأب سماعة الهاتف واتصل بأحد أقاربهم يسكن في مدينة تقع على طريق مكة المكرمة
اتصل به وقال له : يا فلان  !! هل تذكر فلان ابن عمنا الذي يسكن في خيمة في البر ؟
قال صاحبه : نعم وهو لا يزال على حاله في البر يرعى الغنم وعنده إبل ويشتغل ببيع السمن والإقط فسأله صاحبنا : هل تزوج ؟
قال : لا ومن يزوجه وهو إعرابي في الصحراء لا يقر له قرار يرحل بخيمته كل حين
فقال : حسناً أنا آت إلى مكة بعد يومين وسوف أتغدى عندك وأريدك أن تدعو فلاناً ليتغدى معنا
قال : حسناً ثم ودعه وأقفل الهاتف
وجاء الأب إلى ابنته وقال : سوف نذهب للعمرة بالسيارة ثم تسافرين إلى بريطانيا بالطائرة عن طريق مطار جدة
فلما كان يوم السفر جمعوا الحقائب وسارت العائلة في أمان الله
فلما انتصف بهم الطريق إلى مكة توجه الأب إلى مدينة صاحبه وقال لأهله : نرتاح قليلاً في بيت فلان ونتغدى ثم نكمل السفر
وصل إلى بيت صاحبه فدخلت النساء عند النساء ودخل هو عند الرجال والتقى بصاحبه راعي الإبل والغنم فتحدث معه طويلاً ثم

عرض عليه أن يزوجه ابنته !!
فوافق فوراً ثم دعوا مأذوناً شرعياً وعقد النكاح
ثم خرج الأب ونقل حقائب البنت العروس من سيارته إلى سيارة زوجها
ثم صاح بأهله ليخرجوا
فخرجت زوجته بأطفالها وخرجت البنت الرقيقة تنفض يديها من غبار المنزل وتتأفف من ذبابه وحشراته
فلما ركبت مع أبيها زف إليها بشرى زواجها فظنت أنه يمزح
لكنه بدا جاداً وأمرها بالنزول مع زوجها فأبت وبكت وتعلقت بأمها
فتوجه الأب إلى الزوج وقال : زوجتك العروس تستحي أن تأتي لتركب معك فتعال أنت وخذها
فنزل الرجل فرحاً مستبشراً متغنجاً متدللاً وفتح باب السيارة وحملها معه ثم أركبها في سيارته وشق الصحراء وغاب بين كثبان الرمال ومضى بها إلى خيمة السعادة
أما الأب فقد كان حازماً تغلب على بكاء الأم وتوسلاتها ورجع ببقية العائلة إلى بلده
ومضى أسبوع فاتصل الأب بصاحبه الذي في المدينة وسأله عن أخبار صهره الجديد وابنته
فقال : قد رأيتهما في السوق قبل يومين وهما بخير
ومضت الأيام والشهور والأب يتلقى الأخبار من صاحبه هاتفياً فلما مضت سنة اتصل به صاحبه وبشره بأن ابنته قد رزقت بغلام
وبعد شهور ذهبت العائلة لزيارة ابنتهم ووصلوا إلى مدينة صاحبهم واصطحبوه معهم
وشقوا الصحراء ومشوا بين الكثبان وبدؤوا يبحثون عن ابنتهم وخيمتها وبينما هم يبحثون إذ أقبلوا على خيمة عند بابها امرأة حامل وبجانبها طفل صغي فلما اقتربوا فإذا هي ابنتهم
فرحبت وحيت وصاحت بزوجها وجاء وأكرمهم
فكان زواجها من هذا الرجل خيراً لها من جامعتها ومن بريطانيا

مع ملاحظة أن تزويج البنت بغير رضاها لا يجوز ولكني أوردت هذه الحادثة لبيان عاقبة الترف والفراغ على الشباب والفتيات
وقد يزين الشيطان للفتى أو للفتاة أنه جميل جذاب وأن الطرف الآخر معجب به فإذا مشى في الأسواق أو ضاحك الرفاق ظن أنه يلفت الأنظار ويفتن الواقف والمار فيدفعه ذلك للتعرض والتبذل ويحتال عليه أصحاب الشهوات حتى يعبثوا به ( أو بها ) فإذا قضوا شهواتهم منه ( أو منها ) ذهبوا يبحثون عن فريسة أخرى

قال الشيخ :
ألقيت محاضرة في أحد المساجد فلما خرجت من المسجد فإذا شاب ينتظرني عند سيارتي جسمه نحيل ووجهه شاحب ومظهره مخيف
فلما رأيته فزعت وقلت له : ماذا تريد ؟!
فقال لي : أنا يا شيخ قررت أن أتوب
فظننت أنه سيتوب من تهريب المخدرات أو قطع الطريق أو القتل إذ أن مظهره قد يوحي بذلك
لكنني سألته وقلت : تتوب من ماذا ؟
فقال : من مغازلة الفتيات ؟!
فعجبت لكنني سكت وقلت له مشجعاً: نعم الحمد لله على أن وفقك الله للتوبة
فصاح بي قائلاً : ولكن هناك أمر يمنعني من التوبة !!
قلت له : ما هو ؟
فقال : إذا مشيت في السوق البنات ما يتركنني يغازلنني في كل زاوية !!
فتأمَّل كيف خدعه الشيطان
فعجباً لمسلم ( أو مسلمة ) يستغويه الشيطان بنظرة أو كلمة وهو يعلم أنه سوف يحاسب على الخطرات والنظرات ومن أعظم صفات أهل الجنة الصبر عن الشهوات لذا يقال لهم يوم القيامة :
﴿ سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ﴾
أما أهل النار فيقال لهم :
﴿ أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون ﴾

فهل تكون من الصابرين على الشهوات لتفوز بجنات النعيم

ليست هناك تعليقات