كتاب هل تبحث عن وظيفة ؟ للشيخ محمد العريفى الوصية الخامسة


الوصية الخامسة

من محبة الله تعالى للصالحين الذين هم أهل الجنة أن الله يجمع لهم بين سعادتي الدنيا والآخرة

واعلم أن الملل الدائم الذي ينزله الله بمن عصاه أو طلب السعادة في غير رضاه يضيق على أهل المعصية دنياهم وينغص عليهم عيشهم حتى يتحول ما يسعون وراءه من متع إلى عذاب يتعذبون به
فلماذا؟!

لماذا يتحول سماعهم للغناء ومواقعتهم للفحشاء وشربهم للخمر ونظرهم إلى الحرام
لماذا يتحول هذا إلى ضيق بعد أن كان سعة وحزن بعد أن كان فرحة لماذا ؟

الجواب واضح لأن الله تعالى خلق الإنسان لوظيفة واحدة لا يمكن أن تستقيم حياته لو اشتغل بغيرها
﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ﴾
فلما استعمل الإنسان جسده وروحه لغير الوظيفة التي خلق لأجلها تحولت حياته إلى جحيم
وخذ مثالاً على ذلك :
لو أن رجلاً يمشي في طريق فانقطع نعله فجأة فلما رأى ذلك قال :
لا مشكلة أستعمل القلم بدل النعل ثم وضع قلمه تحت رجله وأراد المشي
لقلنا له : أنت مجنون لأن القلم صنع للكتابة ولم يصنع للمشي
وكذلك لو احتاج قلماً فلم يجد فقال :
لا مشكلة أكتب بحذائي !! ثم تناول حذاءه وبدأ يجرّه على الورق !!
لقلنا له : أنت مجنون لأن الحذاء إنما صنع لوظيفة واحدة هي المشي ولم يصنع للكتابة
وكذلك الإنسان خلق لوظيفة واحدة هي طاعة الله وعبادته فمن استعمل حياته لغير هذه الوظيفة فلابد أن يضل ويشقى
ولو نظرت في حال من استعملوا حياتهم لغير ما خلقوا له لوجدت في حياتهم من الفساد والضياع ما لا يوجد عند غيرهم
هلا تسألت معي : لماذا يكثر الانتحار في بلاد الإباحيَّة والفجور؟
لماذا ينتحر في أمريكا سنوياً أكثر من خمسة وعشرين ألف شخص؟
وقل مثل ذلك في بريطانيا وقل مثله في فرنسا والسويد وغيرها!
لماذا ينتحرون؟!
ألم يجدوا خموراً يشربون؟ كلا بل الخمور كثيرة
ألم يجدوا بلاداً يسافرون؟ كلا بل البلاد واسعة
أم منعوا من الزنا؟
أم حيل بينهم وبين الملاعب والملاهي
كلا بل هم يفعلون ما شاءوا يتقلبون بين متع أعينهم وأبصارهم وفروجهم

إذن لماذا ينتحرون لماذا يملون من حياتهم؟!
لماذا يتركون الخمور والزنا والملاهي ويختارون الموت لماذا؟
الجواب واضح
﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً.. ﴾
 تلاحقهم المعيشة الضنك في ذهاب أحدهم ومجيئه وسفره وإقامته تأكل معه وتشرب تقوم معه وتقعد تلازمه في نومه ويقظته تنغص عليه حياته حتى الموت

ومن أعرض عن الله وتكبر ألقى الله عليه الرعب الدائم
قال الله :
﴿ سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب.. ﴾
لماذا؟
﴿ بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين.. ﴾

أما العارفون لربهم المقبلون عليه بقلوبهم فهم السعداء
﴿ من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون.. ﴾

قال الشيخ :
ذهبت للعلاج في بريطانيا
فدخلت إلى مستشفى من أكبر المستشفيات هناك لا يكاد يدخله إلا كبير أو وزير فلما دخل عليّ الطبيب ورأى مظهري قال : أنت مسلم؟
قلت : نعم
فقال : هناك مشكلة تحيرني منذ عرفت نفسي هل يمكن أن تسمعها مني؟
قلت : نعم
فقال : أنا عندي أموال كثيرة ووظيفة مرموقة وشهادة عالية وقد جربت جميع المتع
شربت الخمور المتنوعة وواقعت الزنا وسافرت إلى بلاد كثيرة ومع ذلك لا أزال أشعر بضيق دائم وملل من هذه المتع
عرضت نفسي على عدة أطباء نفسيين
وفكرت في الانتحار عدة مرات لعلي أجد حياة أخرى ليس فيها ملل
ألا تشعر أنت بمثل هذا الملل والضيق؟!
فقلت له : لا بل أنا في سعادة دائمة وسوف أدلك على حل المشكلة ولكن أجبني أنت إذا أردت أت تمتع عينيك فماذا تفعل ؟
قال : أنظر إلى امرأة حسناء أو منظر جميل
قلت : فإذا أردت أن تمتع أذنيك فماذا تفعل ؟
قال : أستمع إلى موسيقى هادئة
قلت : فإذا أردت أن تمتع أنفك فماذا تفعل ؟
قال : أشم عطراً أو أذهب إلى حديقة
قلت له : حسناً إذا أردت أن أن تمتع عينك لماذا لا تستمع إلى الموسيقى؟
فعجب مني وقال : لا يمكن لأن هذه متعة خاصة بالأذن
قلت : فإذا أردت أن تمتع أنفك لماذا لا تنظر إلى منظر جميل ؟
فعجب أكثر مني وقال : لا يمكن لأن هذه متعة خاصة بالعين ولا يمكن أن يتمتع بها الأنف
قلت له : حسناً وصلت إلى ما أريده منك
أنت تحس بهذا الضيق والملل في عينك؟
قال : لا !!
قلت : تحس به في أذنك ؟! في أنفك؟! فمك؟! فرجك؟!
قال : لا بل أحسّ به في قلبي في صدري
قلت : أنت تحس بهذا الضيق في قلبك والقلب له متعة خاصة به لا يمكن أن يتمتع بغيرها ولابد أن تعرف الشيء الذي يمتع القلب لأنك بسماعك للموسيقى وشربك للخمر ونظرك وزناك لست تمتع قلبك وإنما تمتع هذه الأعضاء !!
فعجب الرجل وقال : صحيح فكيف أمتع قلبي ؟ !!
قلت : بأن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتسجد بين يدي خالقك وتشكو بثك وهمك إلى الله فإنك بذلك تعيش في راحة واطمئنان وسعادة
فهز الرجل رأسه وقال : أعطني كتباً عن الإسلام وادع لي وسوف أسلم
ثم أكملت علاجي وسافرت ولعل الرجل يكون أسلم بعد ذلك

وصدق الله إذ يقول :
﴿ يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ∗ قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون .. ﴾
فعجباً لأقوام يلتسمون الأنس والانشراح ويبحثون عن السعادة في غير طريقها والله يقول :
﴿  أم حسب الذين اجترحوا السئيات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون.. ﴾
ففرق الله بين عيش السعداء وعيش الأشقياء في المحيا والممات

قال الشيخ : جاء إليّ شاب يوماً فتأملت وجهه فإذا هو وجه مظلم مكتئب فسألته عن حاجته فسكت
كررت عليه السؤال فلم يتكلم
نظرت إليه فإذا دموعه تسيل من عينيه فسألته : لماذا تبكي؟
فقال : لا أستطيع التنفس من شدة الضيق والمل أشعر والله يا شيخ أن على صدري جبلاً يكتم أنفاسي لم أعد أتحمل الناس ولا الأصدقاء بل أمي وأبي وأخوتي لم أعد أطيق الجلوس معهم
ضحكي مجاملة وسروري تظاهر فجئت إليك لتعالجني بالرقية أو تدلني على من يعالجني ثم احتبس صوته وصمت
فسألته : هذا الضيق لا بد أن له سبباً فما السبب؟ فقال : لا أدري
فقلت : كيف علاقتك بربك
فقال : سيئة واسمع قصتي
قلت : هاتها
فقال : لما كان عمري أربع عشرة سنة ذهب أبي إلى أمريكا للدراسة فذهبت معه وأهملني أبي هناك بين المراقص والأسواق وأنا في تلك السن المبكرة
فلما أتم أبي دراسته سنتين عدنا على الرياض فطلبت أن يعيدني إلى أمريكا لأكمل الدراسة فرفض
فدرست في السنة الثالثة المتوسطة وتعمدت أن أرسب في جميع المواد وأعدت السنة وتعمدت أن أرسب فأعدت السنة ثالثة وتعمدت أن أرسب أيضاً فلما رأى أبي ذلك أرسلني إلى أمريكا لأكمل دراستي وكان المفروض أن أنهي الدراسة في أربع سنوات لأتخرج من الثانوية لكني أنهيتها في تسع سنوات
لم تبق معصية على وجه الأرض إلا فعلتها هناك لأنني كنت أريد أن أتمتع بشبابي بقدر ما أستطيع
ثم عدت إلى الرياض وبدأت أدرس في الجامعة وأنا لا أزال على المعاصي الكبيرة والصغيرة لكن هذا الضيق الشديد بدأ يكتم

عليّ أنفاسي يضيق عليّ حياتي مللت من كل شيء
كل شيء جربته لكن الملل يلازمني !!
قال هذا الكلام كله وهو يدافع عبراته ويبكي
فسألته : هل تصلي ؟
قال : لا
قلت : أول علاج لهذا الهم هو أن تصلح علاقتك بالذي قلبك بين يديه يقلبه كما يشاء فحافظ على الصلاة في المسجد وموعدي معك بعد سبعة أيام
ومضت الأيام
وبعد أسبوع جاءني بغير الوجه الذي فارقته عليه وأول ما رآني عانقني وقال : جزاك الله خيراً والله يا شيخ إنني في سعادة ما ذقتها منذ تسع سنوات
فسألته عن الضيق والملل والاكتئاب فإذا هو قد زال عنه كله
وصدق الله إذ قال :
﴿ فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون.. ﴾

قال الشيخ :
جاءني شخص يوماً وقال :
يا شيخ أخي مصاب بسحر وأريدك أن تدلنا على أحد يقرأ عليه شيئاً من القرآن ويرقيه بالرقية الشرعية فطلبت أن أقابل أخاه
فلما جاء إليّ فإذا المريض مكتئب الوجه ضائق الصدر مضطرب الحال
فسألته من ماذا تشتكي؟
فقال : أنا مسحور !!
فسألته : ما علامات سحرك؟!
فقال : أشعر بضيق دائم يلازمني الملل والاكتئاب مللت من كل شيء وكرهت مخالطة الناس حتى أمي وأخوتي لم أعد أتحمل مجالستهم
زوجتي كثرت المشاكل بيننا فذهبت إلى أهلها منذ سنة
أولادي أمل من مجالستهم ثم دافع عبراته وسكت
فقلت له : ولماذا تجزم بأنك مصاب بسحر لعل ما أصابك هو عقوبة من الله تعالى على بعض معاصيك لعل الله اطلع عليك وأنت تعصيه فنزع منك انشراح الصدر والله يقول :
﴿ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير.. ﴾
فقال : لا أنا مسحور فأقرأ عليّ الرقية الشرعية
قلت : حاسب نفسك وراقب عملك وأبشر بالخير
فقال : لا بل أنا مسحور فاقرأ عليّ
فلما أكثر عليّ تناولت كأس ماء بجانبي ثم قرأت الفاتحة ونفثت فيه
ثم قلت له : اشرب قد قرأت عليك !!
فشرب الماء وخرج
وبعد يومين اتصل بي أخوه وقال : يا شيخ أبشر قد نفع الله بتلك القراءة
فعجبت !! وقلت : كيف؟
قال : قد كان أخي بالأمس عند أمي وأخوتي طوال اليوم وفي المساء أحضر زوجته وأولاده
والله يا شيخ إن أمي وزوجته تدعون لك وجزاك الله خيراً على فك السحر
فعجبت والله من ذلك وطلبت منه أن يحضر مع أخيه إليّ فلما حضرا
سألت المريض : هاه يا فلان وجدت السحر؟!
قال : لا ولكن وجدت شيئاً آخر وجدت أفلاماً خليعة ومخدرات
قلت : كيف ؟ !!
قال : لما ذهبت من عندك حاسبت نفسي وتأملت في الآية
﴿ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم .. ﴾
فأخذت أتلمس موضع الخل فإذا أنا لست حريصاً على الصلاة أبداً إضافة إلى أني منذ زمن مدمن النظر إلى الأفلام الخليعة فمن كثرة مشاهدتي لها أبغضت زوجتي وأولادي وصار الضيق يلازمني فبدأت أتعاطى المخدرات لإزالة هذا الضيق عني فزاد غمي غماً وكنت أظن أني مسحور لشدة هذا الضيق
فجمعت هذه الأفلام وأحرقتها ثم أخذت ما تبقى عندي من المخدرات وألقيتها في المرحاض وصببت عليها الماء وأعلنت التوبة لله تعالى
فوالله يا شيخ ما كدت أفعل ذلك حتى شعرت كأن جبلاً كان فوق صدري وانزاح عني

ليست هناك تعليقات