كتاب هل تبحث عن وظيفة ؟ للشيخ محمد العريفى الوصية السابعة


الوصية السابعة

احرص على تعلم أحكام الدين وتعليمها وهذه عبادة عظيمة بل هي وظيفة الأنبياء الذين هم أرفع أهل الجنة منازل ولشرف العلم وعلو مرتبته قال الله لنبيه :
﴿ وقل رب زدني علماً ﴾
وما أمر الله رسوله بطلب الازدياد من شيء إلا من العلم ومن نظر في حال أكثر الناس وجد عندهم من العزوف عن العلم وتعلمه وحضور مجالسه وقراءة كتبه ما أغرق كثيراً منهم في لجج الجهل والسفاهة

أوقفني مرة شاب يدرس في المرحلة الجامعية وقال : عندي سؤال !
قلت : ما سؤالك ؟
فقال : إذا أردت أن أصلي النافلة كالوتر والضحى هل يجب عليّ أن أتوضأ أم أصلي من غير طهارة ؟!
فعجبت من سؤاله وظننت أنني لم أفهم وطلبت منه إعادة السؤال فأعاده كما هو !!
فقلت : طبعاً يجب عليك أن تتوضأ عندك شك في هذا ؟ !!
فقال : هذه الصلاة تبرع مني فلماذا أتوضأ لها ؟!

وقال الشيخ :
ألقيت كلمة في أحد المساجد حول أحكام الطهارة الكبرى والصغرى فلما خرجت أمسك بي شاب جامعي وقال :

ذكرت يا شيخ أن من استيقظ من نومه وهو جنب بسبب الاحتلام فإنه يلزمه الغسل
قلت له : نعم صحيح
فصاح بي وقال : هل الذي يلزمه وضوء فقط كوضوء الصلاة أم غسل كامل ؟!
قلت : بل يلزمه غسل كامل يعمم جسده كله بالماء فإن لم يفعل لم يرتفع حدثه وبالتالي لا تصح صلاته
فقال : والله منذ سنوات إذا اصابتني جنابة في النوم اكتفيت بالوضوء كوضوء الصلاة ولم أعلم بوجوب الغسل في هذه الحالة إلا الآن !!
ولا عجب أن ترد مثل هذه الأسئلة في زمن قل علماؤه وكثر جهاله بل قد أخبر النبي صل الله عليه وسلم أن من علامات الساعة أن يقل العلم ويكثر الجهل ففي الحديث
{ إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويكثر الجهل }
وقال صل الله عليه وسلم
{ إن بين يدي الساعة لأياماً يرفع فيها العلم وينزل فيها الجهل }

ومن نظر في مجالس كثير من الناس اليوم وجد أنها تشغل بمعصية من سماع أو نظر محرم أو بأمور تافهة وأحاديث لا تفيد في دين ولا دنيا

قال الشيخ :
جلست مرة في مجلس فيه أكثر من أربعين رجلاً فكثر لغطهم حتى ارتفعت أصواتهم ومضى قرابة ساعة على ذلك
فحاولت إسكاتهم فشق عليّ وكان الذي بجانبي من أكابرهم فالتسمت منه أن يسكتهم فصاح بهم فسكتوا
فقلت لهم :
منذ أن جلسنا وأنتم تتحدثون في أمور لا أدري هل تكتب في صحيفتة الحسنات أم السيئات ولكن أسألكم سؤالاً
كلكم تحفظون سورة ﴿ قل هو الله أحد ﴾ ؟
فتصايحوا : نعم نعم
فقلت : ما معنى ﴿ الله الصمد ﴾ ؟
فسكتوا جميعاً
فقلت : تحفظون سورة الفلق؟
قالوا : نعم نعم
فقلت : ما معنى ﴿ غاسق إذا وقب ﴾ ؟!
فسكتوا
فقلت : لو أنكم أثناء جلوسكم قرأتم تفسير آية أو شرح حديث أو تعلمتم حكماً من أحكام الدين لكان خيراً لكم وأقوم
وقد قال أبو القاسم صل الله عليه وسلم
{ أيما قوم جلسوا فأطالوا الجلوس ثم تفرقوا قبل أن يذكروا الله ويصلوا على نبيه صل الله عليه وسلم إلا كانت عليهم من الله ترة ( أي ثأر وعقوبة ) إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم}
والعجب من أقوام يشغلون مجالسهم بما لا يفيد فإذا تكلم من يفيدهم أو يلقي عليهم كلمة أعرضوا عنه وشعروا بالملل
واشتاقوا إلى الاشتغال بغير ذلك من التوافه ويخشى على هؤلاء أن يكون بهم شبه ممن قال الله فيهم :
﴿ وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون ﴾

ذكر خالد بن صفوان – وهو أحد البلغاء الأدباء – كان يعمر مجالسه بتذاكر الأخبار والتاريخ والأدب
فقال له رجل يوماً : أيها الأمير ما لي إذا رأيتكم تتذاكرون الأخبار وتتدارسون الآثار وتتناشدون الأشعار مللت ووقع عليّ النوم ؟!
فقال له خالد : لأنك حمار في صورة إنسان

نعم إنّ الذي همه في دنياه الأكل والشرب والنوم ويتغافل عن طلب العلم وتعلم الدين هو أشبه بالدواب وأقرب إلى الخراب حياته محدودة وأنفاسه معدودة وأوقاته ضائعة
فانتبه أن تمضي حياتك سدى
ولتكن أنت المبادر إلى إفادة الناس في مجالسهم أحضر معك كتاباً نافعاً واقرأ عليهم منه ولو لمدة عشر دقائق تزكون بها مجلسكم وتطهرون نفوسكم

قال إبراهيم التيمي :
أتيت أبا يوسف القاضي أعوده في مرض موته فوجدته مغمى عليه

فلما أفاق قال لي : يا إبراهيم أيهما أفضل للحاج في رمي الجمار أن يرميها الرجل راجلاً أو راكباً
فقلت : راكباً
فقال : أخطأت
قلت : ماشياً
قال : أخطأت
قلت : قل فيها رضي الله عنك !!
قال : أما ما يوقف عنده للدعاء فالأفضل أن يرميه راجلاً وأما ما لا يوقف عنده فالأفضل أن يرميه راكباً
فقلت : نفع الله بعلمك وجزاك عني خيراً ثم قمت من عنده
فما بلغت باب داره حتى سمعت الصراخ عليه وإذا هو قد مات رحمه الله

وقال الفقيه الوالجي :
دخلت على أبي الريحان البيروني وهو يجود بنفسه وقد حشرج نفسه وضاق به صدره فتذكر وهو في تلك الحالة مسألة في المواريث كنت قد حدثته بها فقال لي :
كيف قلت لي يوماً حساب الجدات من جهة الأم؟!
فقلت له - إشفاقاً عليه - : أفي هذه الحالة ؟!
فقال لي : يا هذا !! أودع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة ألا يكون خيراً من أن أموت وأنا جاهل بها ؟!
فأعدت عليه تلك المسألة فحفظها
ثم خرجت من عنده فلما صرت في الطريق سمعت الصراخ عليه

فاتعظ بهذه الهمم العلية وابك على تقصيرك ودنو همتك واستدرك ما فرط من عمرك وتدارك أوقاتك وأنفاسك أن تذهب سدى
عود نفسك أن لا يمر يوم إلا وقد قرأت صفحات من كتاب نافع أو تعلمت تفسير آية أو معنى حديث
وإذا مر بك يوم فلم تكتسب تقى ولم تستفد علماً فما ذاك من عمرك

وطلب العلم من أسباب دخول الجنة
قال صل الله عليه وسلم
{ ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه}

ليست هناك تعليقات