كتاب هل تبحث عن وظيفة ؟ للشيخ محمد العريفى الوصية الثامنة


الوصية الثامنة

أهل الجنة عظموا ربهم حق التعظيم
قاموا على أقدام الخوف
خافوا من ويلات الذنوب وتركوا لذة عيشهم في سبيل أن يلقوا ربهم وهو راض عنهم

ماعز بن مالك رضي الله عنه
كان شاباً من الصحابة متزوج في المدينة
وسوس له الشيطان يوماً وأغراه بجارية لرجل من الأنصار
فخلا بها عن أعين الناس وكان الشيطان ثالثهما فلم يزل يزين كلاً منهما لصاحبه حتى زنيا
فلما فرغ ماعز من جرمه تخلى عنه الشيطان فبكى وحاسب نفسه ولامها وخاف من عذاب الله وضاقت عليه حياته وأحاطت به خطيئته حتى أحرق الذنب قلبه
فجاء إلى طبيب القلوب ووقف بين يديه وصاح من حر ما يجد
وقال : يا رسول الله إن الأبعد قد زنا فطهرني
فأعرض عنه النبي صل الله عليه وسلم
فجاء من شقه الآخر فقال : يا رسول الله زنيت فطهرني
فقال صل الله عليه وسلم : ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه
فرجع غير بعيد فلم يطق صبراً
فعاد إلى النبي صل الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله طهرني
فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه
قال : فرجع غير بعيد ثم جاء فقال : يا رسول الله طهرني
فصاح به النبي صل الله عليه وسلم وقال : ويلك وما يدريك ما الزنا؟
ثم أمر به فطرد وأخرج
ثم أتاه الثانية فقال : يا رسول الله زنيت فطهرني
فقال : ويلك وما يدريك ما الزنا؟
وأمر به فطرد وأخرج
ثم أتاه وأتاه فلما أكثر عليه
سأل رسول الله صل الله عليه وسلم قومه : أبه جنون؟
قالوا : يا رسول الله ما علمنا به بأساً
فقال : أشرب خمراً؟ فقام رجل فاستنكهه وشمه فلم يجد منه ريح خمر
فالتفت إليه النبي صل الله عليه وسلم وقال : هل تدري ما الزنا؟
قال : نعم أتيت من امرأة حراماً مثل ما يأتي الرجل من امرأته حلالاً
فقال صل الله عليه وسلم : فما تريد بهذا القول؟!
قال : أريد أن تطهرني
فقال صل الله عليه وسلم : نعم فأمر به أن يرجم فرجم حتى مات رضي الله عنه
فلما صلوا عليه ودفنوه مر النبي صل الله عليه وسلم على موضعه مع بعض أصحابه
فسمع النبي صل الله عليه وسلم رجلين يقول أحدهما لصاحبه :
انظرإلى هذا الذي ستر الله عليه ولم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلاب
فسكت النبي صل الله عليه وسلم ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار قد أحرقته الشمس حتى انتفخ وارتفعت رجلاه
فقال صل الله عليه وسلم : أين فلان وفلان ؟
قالا : نحن ذان يا رسول الله
قال : انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار
قالا : يا نبي الله !! غفر الله لك من يأكل من هذا؟
فقال صل الله عليه وسلم : ما نلتما من عرض أخيكما آنفاً أشد من أكل الميتة لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها

فطوبى لماعز بن مالك نعم وقع في الزنا وهتك الستر الذي بينه وبين ربه لكنه لما فرغ من معصيته وذهبت اللذات بقيت الحسرات وعظمت السيئات فندم وتاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم

ولا يعني كلامنا عن ماعز رضي الله عنه أننا نطلب من كل من وقع في كبيرة أن يطالب بإقامة الحد عليه لكن الذي نريده هو أن لا تتمكن المعصية من القلب حتى يألفها ولا يحدث منها توبة
وقد أخبر النبي صل الله عليه وسلم عن أحوال القلوب فقال

{ تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين
على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض
 والآخر أسود مرباداً كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه}


فأين تلك القلوب البيضاء التي ترتجف إذا وقعت في المعصية فتسارع إلى التوبة والإنابة فإن التساهل بالذنوب هو طريق السوء الخذلان في الدنيا والآخرة وأهل الجنة إذا ذكروا تذكروا

هل سمعت عن القعنبي؟ الإمام العالم المحدث
كان في شبابه يشرب النبيذ ويصحب الفساق
فدعا أصحابه يوماً ليسكروا عنده وقعد على الباب ينتظرهم
فمر شعبة بن الحجاج الإمام المحدث والناس خلفه يهرعون
فعجب القعنبي من تزاحمهم على هذا الشيخ فسأل أحدهم وقال : من هذا؟
قال : الإمام شعبة بن الحجاج
فقال مستهزئاً : وأيش شعبة؟!
قال : محدث عالم
فلما سمع القعنبي كلمة ( محدث) قام إلى شعبة وقال له : - مستهزئا ً- : حدثني (يعني ما دمت محدثاً فحدثني )
فنظر إليه شعبة وقال : ما أنت من أصحاب الحديث فأحدثك
فغضب القعنبي وأشهر سكينه وقال : تحدثني أو أطعنك بسكيني؟!
فالتفت إليه شعبة وقال : حدثنا منصور عن ربعي عن أبي مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم

{ إذا لم تستح فاصنع ما شئت }
فلما سمع القعنبي هذا الحديث وافق منه قلباً صافياً وتذكر ما يحارب به ربه منذ سنين ورمى سكينه ورجع إلى منزله وقام إلى جميع ما كان عنده من الشراب فهراقه ثم استأذن أمه بالسفر إلى المدينة لطلب العلم
ولازم مالك بن أنس حتى حفظ عنه وأصبح من كبار العلماء المحدثين وسبب هدايته موعظة عابرة لكنها صادفت قلباً حياً

ليست هناك تعليقات