مهنة المُعلم في الإسلام الجزء الأول
رفع الله مكانة العلم وأهله فقال سبحانه :
{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}
[المجادلة : 11]
قال الصحابي الجليل ابن مسعود رضي الله عنه :
"والمعنى : أن الله تعالى يرفع الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم درجات في دينهم إذا فعلوا ما أمروا به"
[اللباب في علوم الكتاب : 18/545]
يقول النبي صل الله عليه وسلم :
إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير
[رواه الترمذي/2685 وصححه الألباني]
ويقول النبي صل الله عليه وسلم :
إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له
[رواه مسلم]
قال الحافظ بدر الدين بن جماعة :
"إذا نظرت وجدت معاني الثلاثة موجودة في معلم العلم :
أما الصدقة الجارية :
فإقراؤه إياه العلم وإفادته إياه ألا ترى إلى قول النبي صل الله عليه وسلم في المصلي وحده : من يتصدق على هذا
[رواه أحمد و أبو داود]
أي بالصلاة معه لتحصل له فضيلة الجماعة ومعلم العلم يحصل للطالب فضيلة العلم التي هي أفضل من صلاة في جماعة وينال بها شرف الدنيا والآخرة
وأما العلم المنتفع به :
فظاهر لأنه كان سببًا لإيصال ذلك العلم إلى كل من انتفع به
وأما الدعاء الصالح له :
فالمعتاد على ألسنة أهل العلم والحديث قاطبة الدعاء لمشايخهم وأئمتهم
فسبحان من اختص من شاء بجزيل عطائه"
[تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم : صـ63-64]
فأنت أيها المعلم تحمل أعظم وأشرف مهنة
مهنة الأنبياء والمرسلين وفي مقدمتهم سيد البشر محمد صل الله عليه وسلم
(حكم القول بغير علم)
القول بغير علم حرام ويكون أشد حرمة إذا كان القول يتعلق بحكم شرعي لأنه يتضمن الكذب على الله تعالى ورسوله ويتضمن إضلال الناس وهو من الكبائر لقوله تعالى :
{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}
[الأعراف : 33]
فقرنه بالفواحش والبغي والشرك
من أجل ذلك كثر النقل عن السلف إذا سئل أحدهم عما لا يعلم أن يقول للسائل : لا أدري
قال ابن مسعود رضي الله عنه :
"من كان عنده علم فليقل به ومن لم يكن عنده علم فليقل : الله أعلم فإن الله قال لنبيه :
{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}
[ص : 86]
[إعلام الموقعين : 2/185]
(حكم الضرب للتعليم)
أجاز الفقهاء للمعلم أن يؤدب الصبي الذي يتعلم عنده بالضرب إذا كان هو الوسيلة الوحيدة للتأديب [هناك وسائل عديدة لتأديب الصبي وإصلاحه غير الضرب ترجع لمهارة المعلم وشخصيته] وقد جعلوا لذلك قيودًا حتى ينضبط الأمر ويحصل منه المقصود من تلك القيود :
1. أن يكون الضرب معتادًا للتعليم كما وكيفًا ومحلًا يعلم المعلم الأمن منه ويكون ضربه باليد لا بالعصا
2. أن يكون الضرب بإذن الولي لأن الضرب عند التعليم غير متعارف وإنما الضرب عند سوء الأدب فلا يكون ذلك من التعليم في شيء وتسليم الولي صبيه إلى المعلم لتعليمه لا يثبت الإذن في الضرب فلهذا ليس له الضرب إلا أن يأذن له فيه نصًا
3. أن يكون الصبي يعقل التأديب فليس للمعلم ضرب من لا يعقل التأديب من الصبيان
قال الأثرم سئل أحمد عن ضرب المعلم للصبيان فقال :
"على قدر ذنوبهم ويتوقى بجهده الضرب وإذا كان صغيرًا لا يعقل فلا يضربه"
[الآداب الشرعية والمنح المرعية : 1/ 451]
[انظر : الموسوعة الفقهية الكويتية : 13/ 13]
(حكم السب والشتم)
السب والشتم من المحرمات التي حرمها ديننا الحنيف وهما من سقطات اللسان التي تأكل الحسنات وتأتي بالسيئات ويزداد الأمر سوءًا وقبحًا إذا كان من المعلم الذي ينبغي أن يكون قدوة حسنة لتلاميذه
ومن الأدلة على تحريم السب وشتم ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صل الله عليه وسلم قال :
سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ
[رواه البخاري/ 48]
وقال صل الله عليه وسلم :
لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ
[رواه الترمذي/1977 وصححه الألباني]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال :
أتدرون ما المفلس؟
قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع
فقال : إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة
ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا
فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته
فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار
[رواه مسلم/ 2581]
(حكم السماح بالغش في الامتحانات)
وفي الغش خداع وتغرير يستوي بسببه المجتهد والمهمل والبليد والذكي والنشيط والكسول ويترتب عليه آثار سيئة فيما بعد عند تولي المناصب كالتدريس والإدارة والمصالح العامة
لا يجوز للمعلم أن يسمح للطلاب بالغش في الامتحانات بأي حال لأن الغش محرم في جميع المجالات
قال رسول الله صل الله عليه وسلم :
من غشنا فليس منا[متفق عليه]
أي : أن من غش فليس من المؤمنين الذين كمل إيمانهم ولكنه مسلم عاص لا يستحق لقب الإيمان حتى يتوب من فعله
وسماح المعلم بالغش من الخيانة للأمانة التي تحملها يقول الله تعالى : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال : 27] والواجب عليه أن ينكر على ما يراه أمامه من غش لا أن يسهل ويسمح به
(حكم تسريب الامتحانات)
يعد تسريب الامتحانات خيانة للأمانة وغشًا محرمًا وفعلًا قبيحًا ومكانة المعلم أعلى وأسمى من أن يتدنى بمستواه ومكانته لمثل هذه الأعمال السيئة
يقول الله تعالى :
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
[الأنفال : 27]
ومن وقع في هذا فقد وقع في أثم عظيم وجرم جسيم
عليه التوبة النصوح منه ثم معالجة ما يمكن علاجه مما سلف
ليست هناك تعليقات