مهنة المُعلم في الإسلام الجزء الثالث


(حكم الانشغال بغير الدرس)

وقت الدرس ملك للطالب لا يحق للمعلم تضييع جزء منه فيما لا ينفع والأصل أن ينشغل المعلم في وقت الدرس بما كلف به من شرح للمنهج المقرر وإفادة الطالب
وإهدار وقت الدرس فيما ليس له علاقة بالمنهج المقرر أو إفادة للطلاب من الإخلال بالأمانة التي تحملها المعلم والله تعالى يقول :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
[الأنفال : 27]


(حكم إنابة المدرس من يقوم بعمله)

المعلمون في المؤسسات التعليمية تنطبق عليهم أحكام الأجير الخاص في الشريعة والواجب على الأجير الخاص أن يلتزم بنص العقد الذي أجراه مع مستأجره لقول الله تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}
[المائدة : 1]
ولقوله صل الله عليه وسلم :
المسلمون على شروطهم
[الترمذي/1352 وصححه الألباني]
وقد ذكره البخاري تعليقًا بلفظ :
المسلمون عند شروطهم
[البخاري/ 92]

وبالتالي فوقت الأجير الخاص أثناء العمل مملوك لجهة عمله وليس له أن ينيب غيره في مقامه دون إذن من جهة العمل ولا يستحق من الأجرة إلا بقدر ما عمل
جاء في المدونة :
"أرأيت إن استأجرت أجيرًا يرعى لي غنمي هذه فأتاني بغيره يرعى مكانه؟
قال ـ يعني الإمام مالك : لا يكون له ذلك وإنما رضي أمانته رب الغنم وجزاءه وكفايته وأنه إنما استأجره ببدنه"
[المدونة : 3/ 448]


(حكم تأخير الصلاة بسبب العمل)

جعل الله لكل صلاة وقتًا محددًا يقول الله سبحانه وتعالى :
{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}
[النساء : 103]
والصلاة في أول وقتها أفضل من تأخيرها إلى آخره لقول النبي صل الله عليه وسلم عندما سئل أي الأعمال أحب إلى الله قال :
الصلاة على وقتها
[متفق عليه]

أما تأخير الصلاة عن وقتها بغير عذر شرعي فلا يجوز ومن أخرها بغير عذر فهو آثم
وليس التعليم أو التدريس من الأعذار التي تجيز تأخير الصلاة عن وقتها بل الواجب على المعلم أن يكون محافظًا على الصلاة وعلى أدائها في وقتها ويكون قدوة للطلبة في ذلك


(ترك صلاة الجماعة في المسجد)

صلاة الجماعة في أرجح أقوال أهل العلم أنها واجبة يأثم تاركها لغير عذر شرعي
يقول الله جل وعلا في كتابه :
{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ}
[النساء : 102]
فأمر الله تعالى بالجماعة حال الخوف -الحرب- ففي غيره أولى

إذا تعارض وقت الجماعة مع وقت الدرس فالواجب تقديم صلاة الجماعة فإن تعذر ترك الدرس أو كان في الترك ضرر على المدرس صلاها بعد انتهاء الدرس مع جماعةٍ أخرى في المدرسة أو البيت فإن تعذر ذلك فلا يُكلف الله نفسًا إلا وسعها

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في إجابة له على سؤال قدم له حول صلاة بعض المدرسين في المدرسة وترك المسجد :
"صلاة الجماعة دل على وجوبها الكتاب والسنة ففي القرآن يقول الله تعالى :
{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ}
[النساء : 102]
وهذا دليل على وجوب الصلاة مع الجماعة في حال الخوف ففي حال الأمن من باب أولى وفي كونه سبحانه وتعالى يجعلهم طائفتين دليل على أنها فرض عين لأنها لو كانت فرض كفاية لكان الواجب قد سقط بصلاة الطائفة الأولى وهذا هو الصحيح
ويدل عليه أن النبي صل الله عليه وسلم قال فيما ثبت عنه :
لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام
ثم آمر رجلًا فيصلي بالناس
ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الجماعة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار
والنبي عليه الصلاة والسلام همَّ ولم يفعل ولكننا نعلم أنه لا يهم بمثل هذه العقوبة العظيمة إلا لترك أمر واجب إذ لا يمكن أن يهم بمثل هذه العقوبة لترك أمر مستحب يُخيَّر الإنسان بين فعله وعدمه

ثم هل تجب الجماعة في المساجد أم يجوز أن تقام الجماعة في مكان العمل كالمدارس وشبهها أو في البيوت؟

هذا على قولين لأهل العلم أيضًا والصواب أنه يجب أن يصلوها جماعة في المساجد وذلك لأن المساجد إنما بنيت ليجتمع المسلمون فيها وقد استأذن رجل النبي صل الله عليه وسلم أن يصلي في بيته فأذن له 
فلما ولى قال : أتسمع النداء؟
قال : نعم
قال : فأجب
فأمره بالإجابة مع كونه أعمى وليس له قائد وهو جدير بأن يُرأف بحاله ولو كان هناك حالة رأفة لأرشد النبي صل الله عليه وسلم إليها وقال له :
استدعِ مَن يصلي معك في بيتك وبذلك تحصل الجماعة
فلما ألزمه بأن يجيب ويحضر إلى جماعة المسلمين في المساجد دلَّ على وجوب صلاة الجماعة في المسجد وأنه لا يجوز التخلف عنها حتى ولو أقامها الإنسان جماعة

وعلى هذا فنقول لهؤلاء الإخوة الذين سأل عنهم الرجل : يجب عليهم أن يصلوا في المسجد ولا يتخلفوا عنه اللهم إلا إذا كان ثمة عذر بحيث يَنْشَلُّ العمل بخروجهم إلى المسجد أو يُخشى أنهم إذا خرجوا لم يرجعوا فهذا قد يقال أنهم في هذه الحال يعذرون عن الذهاب إلى المسجد ويسوغ لهم أن يصلوا جماعة في المدرسة"
[سلسلة فتاوى نور على الدرب الشريط رقم 27]

(حكم مس المصحف بغير وضوء)

الذي عليه جماهير أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة أن المصحف لا يمسه إلا طاهر من الحدثين : الأصغر والأكبر وأن المحدث يحرم عليه أن يمس المصحف حتى يتطهر. 

قال ابن عبد البر :
"أجمع فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى وعلى أصحابهم بأن المصحف لا يمسه إلا الطاهر"
[الاستذكار : 2/ 472]
وقد استدل الجمهور بقول الله سبحانه
{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
[الواقعة : 77 - 80]

وما كتبه النبي صل الله عليه وسلم لعمرو بن حزم وفيه :
أن لا يمس القرآن إلا طاهر
[موطأ مالك : 1/ 90]

قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
"قال الإمام أحمد : لا شك أن النبي صل الله عليه وسلم كتبه له وهو أيضًا قول سلمان الفارسي وعبد الله بن عمر وغيرهما ولا يعلم لهما من الصحابة مخالف"
[مجموع الفتاوى : 21/ 266]

فلا يجوز لغير المتوضئ أن يمس المصحف أو أن يحمله إلا أنه يجوز له أن يقرأ من المصحف دون أن يمسه

قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
"إذا قرأ في المصحف أو اللوح ولم يمسه جاز ذلك وإن كان على غير طهور"
[مجموع الفتاوى : 21/ 266]
وأجاز بعض أهل العلم حمل المصحف لغير قصد التعبد كما هو الحال في التعليم وغيره سواء للمعلم أو الطالب والأولى الوضوء


(حكم لمس الكتب التي تحتوي على آيات قرآنية بغير طهارة)

المُحدِث (الغير متوضئ) لا يجوز له مس الآيات المفردة لأن حكمها حكم المصحف وأما إن كُتب مع الآيات غيرها ككتب التفسير والفقه فالحكم للأغلب فإن كان القرآن الذي فيها أكثر من غيره حرم مسها بغير وضوء وإن كان غير القرآن هو الأكثر جاز مسها

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"وما فيه شيء من القرآن حكمه حكم المصحف إن كان مفردًا فإن كتب مع القرآن غيره فالحكم للأغلب فيجوز مس كتب التفسير والحديث والفقه والرسائل التي فيها شيء من القرآن"
[شرح العدة : 1/385]
[موقع الإسلام سؤال وجواب : فتوى/ 22829]


(حكم الاحتفال بعيد المُعلم)

الاحتفال بعيد المعلم هو من جملة البدع والمحدثات التي دخلت ديار المسلمين لغفلتهم عن أحكام دينهم وهدي شريعة ربهم وتقليدهم واتباعهم للغرب في كل ما يصدره إليهم
 وقد قال صل الله عليه وسلم :
من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد
[متفق عليه]

ولم تأت بدعة محدثة من البدع إلا وهجرت أو أميتت سنة من السنن
وعيد المعلم كغيره من الأعياد التي تشبه المسلمون بغيرهم فيها ومن هذه الأعياد : 
عيد رأس السنة وعيد الأم وعيد الشجرة

فهذا اليوم الذي يحتفل فيه باسم المعلم يدخل في جملة الأيام التي يعظمها غير المسلمين مثله في ذلك مثل النيروز والمهرجان وغيرها من الأيام التي لم ترد في السنة

يقول الشيخ ابن جبرين رحمه الله :
"ورد في الأثر : إن الله وملائكته يصلون على معلم الناس الخير وهو دليل على أن المعلمين من ذكور وإناث لهم مكانة في النفوس مما يسبب لهم الاحترام والتوقير وإذا كان كذلك فإن التلاميذ ذكورًا وإناثًا عليهم أن يحترموا من يعلمهم وأن يعترفوا بحقهم وبفضلهم ويكون هذا الاحترام دائمًا مستمرًا طوال أيام العام
فكلما لقي معلمه ابتدأه بالسلام والمصافحة أو المعانقة وأظهر له الفرح والسرور والاعتراف بفضله وأبدى شكره له وحمد مسعاه وما بذله من الجهد في النصح والتوجيه مع أنه دائمًا يذكر كل من درسه وعلمه ويثني عليهم ويشكرهم ويزودهم بالدعاء لهم وجزيل الثواب على ما بذلوه من التعليم والتفهيم
فمن علمني حرفًا كنت له عبدًا
أي : معترفًا بفضله وجهده

فأما تخصيص يوم أو يومين في السنة يحتفل فيها باحترام المعلم أو المعلمة ويلقى فيها الكلمات والنصائح وتقدم فيها الهدايا والتحف فأرى أن هذا إنكار لمعروف المعلم حيث لا يذكر ولا ينشر له خبر في السنة إلا في هذا اليوم أو هذه الأيام وقد يلحق هذا بالبدع وهي اتخاذ أيام معينة في السنة كأعياد وذلك ما لم يفعله النبي صل الله عليه وسلم ولا السلف الصالح والله أعلم"
[موقع الشيخ ابن جبرين : فتوى/ 10319]

ليست هناك تعليقات