مهنة الطبيب في الإسلام الجزء التاسع


(الإجهاض)
الإجهاض :
هو إلقاء حمل ناقص الخلق بغير تمام سواء من المرأة أو من غيرها
والإجهاض له حالات :
إما أن يكون طبيعيًا وهو الذي يحصل بدون إرادة المرأة أو تدخل خارجي وهذا لا يترتب عليه إثم ولا مؤاخذة وإما أن يكون لدوافع مرضية أو علاجية أو يكون له دافع آخر ولكن الذي يهمنا هنا هو ما كان دافعه المرض والعلاج الإجهاض لدوافع مرضية أو علاجية : هذه الحالة تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول :
الإجهاض خوفًا من مرض الأم أو موتها :
والدافع إلى الإجهاض هنا قد يكون مرضيا أو علاجيا وضابط المرضي : أن تكون المرأة بحالة طبيعية لم يطرأ عليها شيء من مظاهر الخطر وإنما هو تنبؤ من الطبيب بناء على قرائن توجِب الخوف وأما العلاجي : فهو دفع لخطر واقع بالفعل ولا سبيل إلى دفعه إلا بالإجهاض والحكم في هذه الحالة بناء على المرحلة العمرية للجنين : - فإن كان في مرحلة ما قبل نفخ الروح وهي مِئَة وعشرون يوما فيجوز الإجهاض إذا توقفت عليه حياة الأم بل قال البعض بوجوبه وهذا الحكم له ضوابط :
الأول : وجود خطر حقيقي يُعرِّض حياة الأم للخطر إذا لم يجهض الجنين الثاني : إثبات الخطر بشهادة طبيبين عدلين متخصصين
الثالث : أن تكون الخطورة مرتبطة ببقاء الجنين ببطن أمه
الرابع : تعذُّر علاج الأم بغير الإجهاض
[انظر قرارات المجمع الفقهي الإسلامي : ص 123
فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر : 21 / 426
والفقه الطبي : ص 132]
وإن كان في مرحلة ما بعد نفخ الروح : فقد اختلف العلماء فيه على قولين : القول الأول : لا يجوز الإجهاض بعد نفخ الروح ولو أَدَّى إلى هلاك الأم القول الثاني : يجوز إذا كان هو السبيل الوحيد لإنقاذ أم الجنين وهو الراجح ودليل ذلك : - منع الفقهاء هتك جسد الأم في حال موتها ولو كان الجنين حَيًّا في بطنها مراعاة لحرمة جسده فَلَأن يحافظوا على روحها بإجهاض جنينها استيفاء لروحها أولى لأن حياتها ثابتة بيقين بخلاف جنينها خصوصًا أنها أقل تعرُّضًا للخطر من الجنين في هذه المجالات فتُعْطَى الأولوية في الإنقاذ - أن قواعد الشريعة قاضية بدفع الضرر الأقوى والأشد بارتكاب الأخف واختيار أهون الشَّريَن وتقديم المقطوع على المظنون وموت الأم أشد ضررًا من موت جنينها لما يتركه موتها من أثر بالغ على زوجها وأولادها واستنقاذ الأم في هذه الأحوال أكثر نجاحًا من استنقاذ الولد ثم إن الأم أصل والجنين فرع وترك استنقاذ الأم ربما أدى إلى هلاكهما معًا فيُقَدَّم ما كان فيه إنقاذ لأحدهما على ما كان فيه هلاكهما معًا - أن المشقة تجلب التخفيف ومشقة موت الأم على أسرتها أشد من فقد جنين قد يُودِي بحياة أمه ويُودِي بنفسه مع ذلك أو بعده ويراعى في هذه المسألة الضوابط التي تم ذكرها في مسألة الإجهاض قبل نفخ الروح [فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر : 21 / 427
والفقه الطبي : ص 133] القسم الثاني : الخوف من تشوه الجنين أو مرضه أو موته : وله ثلاثة أحوال : الحالة الأولى : الإجهاض إذا وُجِدَت تشوهات في الجنين : فإن كان ما قبل نفخ الروح جاز الإجهاض إذا تأكدت إصابته بالتشوهات لأن قواعد الشريعة العامة تقضي بارتكاب أخف الضررين فإجهاض الجنين -وإن كان ضررًا- لكن الإبقاء عليه حتى يولُد مشوَّهًا فيه ضرر عليه وعلى أسرته وعلى مجتمعه فيرتَكَب الضرر الأخف وهو إسقاط الجنين دفعًا للضرر الأشد وهو ما يتركه بقاؤه على الجنين وأسرته ومجتمعه خصوصًا إذا علمنا أن التشوُّهات المرضية للجنين لا يُرجى الشفاء منها وإن كان بعد نفخ الروح فلا يجوز إسقاط الجنين ودليل ذلك : - عموم الأدلة الدالة على النهي عن قتل النفس بغير حق - إجماع العلماء على تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح الحالة الثانية : إجهاض الجنين إذا أصيبت أمه بمرض ثَبَتَ انتقاله إليه : إذا نُفِخَت فيه الروح وقت الإصابة بالمرض فلا يجوز إجهاضه ودليل ذلك : - أن في إجهاضه بعد نفخ الروح قتلا لنفس بريئة من غير حق - أن إصابته بالمرض أمر يَصعُب التحقق منه لأن الكثير من الحالات التي قيل فيها بإصابة الجنين تبين خلافُها - أن أم الجنين المصابة بالمرض فعلا لم يقل أحد بجواز قتلها لليأس من حياتها فمن باب أَوْلى ألا يقال ذلك في شأن جنينها المحتمل عدم إصابته
وإن كان قبل نفخ الروح فإن أمكن اكتشاف انتقال العدوى إلى الجنين في الأربعين الأولى فإن الإجهاض يكون جائزًا لعدم اكتمال تخلق الجنين واستئناسًا بقول من أجاز الإجهاض بغير مسوِّغ في هذه المرحلة ولأن بقاء الحمل في بطن أمه في هذه الحالة يضر بصحة أمه وأما بعد هذه المرحلة فإن الجنين قد تكامَلَ خَلقُه فلا يهدر حقه في الحياة لمجرد احتمال ولأن نسبة انتقال المرض إلى الجنين ضئيلة فهي عند بعض الأطباء لا تتجاوز صفر في المئة ويمكن تقليله بالولادة عن طريق عملية قيصرية إذ أغلب الإصابات تحصل عند خروج الجنين من مخرجه الطبيعي [انظر الفقه الطبي : ص134 ، 135
فتاوى الطب والمرضى : ص 278] الحالة الثالثة : الإجهاض خشية موت الجنين أو لتحقق موته وتنقسم هذه الحالة إلى قسمين : 1) إذا ماتت المرأة الحامل وفي بطنها جنين حي : يجوز شق بطن المرأة لإخراج جنينها على الراجح ودليل ذلك :
- قول الله تعالى :
{مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة : 32] - ومن ترك الجنين يموت بموت أمه وهو قادر على إنقاذه فهو قاتل نفس فيكون شق بطن الأم مطلوبًا تحقيقًا لحياة ولدها - من القواعد المقرَّرة في الشرع : أنه (إذا تعارضت مفسدتان رُوعِيَ أعظمهما بارتكاب أخفهما) ومفسدة شق بطن الأم أهون من مفسدة موت ولدها إذ فيه استبقاء حي بإتلاف جزء من ميت والجواز يتقيد بأمرين : - غلبة الظن بحياة الجنين بعد موت أمه - وأن يكون في مدة يرى ثقات الأطباء حياته في مثلها لو أخرج من بطن أمه 2) إذا مات الجنين في بطن أمه متأثِّرًا بمرض أو عدوان عليه :
يجوز إجهاض الجنين في هذه الحالة ولكن إن أمكن إجهاضه دون إجراء عملية جراحية لأمه ودون تقطيعه في الرحم وإخراجه قطعًا فذلك أَوْلى لما يلي : - إن بقاءه في رحم المرأة فيه ضرر عليها لما يؤدي إليه بقاؤه من أمراض بالإضافة إلى ما يؤدي إليه من منعها من الحمل وإطالة عدتها إن طُلِّقت أو توفي زوجها والضرر يزال - إن إخراجه داخل في مفهوم التداوي المأمور به في قول النبي صل الله عليه وسلم : تداووا عباد الله فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء إلا الهرم [أخرجه أبو داود 2855 و الترمذي 2038 و ابن ماجة 3436 وصححه الألباني]
[انظر بحث حكم الإجهاض ليونس الطلول والفقه الطبي : ص 135]

ليست هناك تعليقات