مهنة الطبيب في الإسلام الجزء الثانى


(أحكام الأمراض المعدِيَة والوبائِيَّة)

الأصل عدم جواز المعالجة للمريض إلا بإذنه أو إذن وَلِيِّهِ عند الحاجة ويستثنى من ذلك حالات الأمراض المعدِيَة فلابد من علاجها ولو بغير إذن المريض لأن الضرر سيتعدى إلى الآخرين من الأهل والمحيطين بالمريض كما يمكن أن يتعدى الضرر إلى المجتمع بأسره وقد ورد النهي الصريح عن الإضرار بالمسلمين في قوله صل الله عليه وسلم :
لا ضرر ولا ضرار
[رواه أحمد وابن ماجة (انظر الإرواء 896)]

ولأن تمريضه سيشق على أهله أو من يقوم بتمريضه وتلبية حاجاته
[الفقه الطبي : ص 55]


(وسائل الوقاية من الأمراض المعدية وحكمها)

 التحصين (التطعيم) :
يجوز التداوي بالتطعيم إذا خشي وقوع الداء لوجود وباء أو أسباب أخرى يخشى من وقوع الداء بسببها فلا بأس بتعاطي الدواء لدفع البلاء الذي يخشى منه
وإذا حدث ضرر لمن يتناول بعض التطعيمات مثل إصابة المتناول لها بالحمَّى وبعض الأعراض الوقتية فإن مثل هذا الضرر مُغتَفَر ومتجاوز عنه في مقابل المفسدة الكبيرة التي تندفع وقاعدة الشريعة العامة في هذا أن "أدنى المفسدَتَين يُرتكب من أجل دفع أعلاهما إذا كان لا بد من موافقة إحداهما"
أما إذا ثبت بالطب أن تطعيمات معينة تُحدِث ضررًا بجسم الإنسان أو أن نسبة تأثيراتها الضارة أكثر من نسبة ما تدفعه من الأمراض فلا يجوز استعمالها حينئذ لقول النبي صل الله عليه وسلم :
لا ضرر ولا ضرار
[رواه أحمد وابن ماجة (انظر الإرواء 896)]
[الفقه الطبي : ص 56 ، 57]

الحجر الصحي :
من أهم وسائل مقاومة انتشار الأمراض الوبائِيَّة منع انتقال الناس إلى مكان فيه الوباء وعدم خروج من كانوا في مكان الوباء إلى غيره ففي الصحيحين أن النبي صل الله عليه وسلم قال :
إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا فرارا منه
[رواه البخاري 5729 و مسلم 2218]

وقد توصل العلماء في الطب الحديث إلى أن حصر المرض في مكان محدود يتحقق بإذن الله بمنع الخروج من الأرض الموبوءة

وهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما ظهر الطاعون في الشام أثناء خلافته أمر كل أهل بلد حَلُّوا به ألا يخرج منه أحد وألا يدخل إليه أحد استنادًا لحديث النبي صل الله عليه وسلم في الطاعون فطبَّق رضي الله عنه الحَجْر الصحي من قبل أكثر من ألف وأربعمِئَة سنة


(مداواة الرجال للنساء)

الأصل أن الرجل يداوي الرجل والمرأة تداوي المرأة ولا يجوز مداواة الرجال للنساء ولا النساء للرجال ولكن قد تدعو ضرورة لذلك وحينها بين الفقهاء شروط جواز مداواة الرجل للمرأة أو معالجتها وهذه الشروط كما يلي :

ألا توجد امرأة يمكنها القيام بمداواتها أو معالجتها أو نحو ذلك من الأعمال الطبية أو وجدت ولكنها لا تحسن القيام بذلك

أن يخشى على المرأة الهلاك أو حدوث البلاء أو الألم الذي لا تحتمله إن لم تُعالَج أو تأكدت الحاجة الداعية إلى العلاج

ألا يكون الطبيب ذِمِّيًّا مع وجود الطبيب المسلم الذي يمكنه مداواة ومعالجة المسلمة إلا أن يكون الذِّمِّي أمهر من المسلم وأعرف بموطن الداء

أن يَأمَن الطبيب الافتتان بالمرأة التي يقوم بمداواتها فإن كان يخشى الافتتان بها لم يجز له مداواتها أو معالجتها

أن يكون مع الطبيب والمريضة الأجنبية عنه مانع خلوة كزوج المريضة أو مْحرَمِها من الرجال :
كالأب أو الابن أو الأخ أو نحوهم لقول رسول الله :
لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان
[رواه الترمذي/1171 وصححه الألباني]

ألا يكشف الطبيب من المرأة إلا مقدار الحاجة ويستر ما عداه من بدنها ثم ينظر ويمس الموضع الذي يداويه أو يعالجه منها ويغض بصره عن غيره لأن الأصل حُرمة الكشف إلا ما استُثْنِيَ للضرورة والضرورة تقدَّر بقدرِها
وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي أن :
الأصل أنه إذا توافرت طبيبة متخصصة يجب أن تقوم بالكشف على المريضة وإذا لم يتوافر ذلك فتقوم بذلك طبيبة غير مسلمة ثقة فإن لم يتوافر ذلك يقوم به طبيب مسلم وإن لم يتوافر طبيب مسلم يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم
على أن يطّلع من جسم المرأة على قدر الحاجة في تشخيص المرض ومداواته وألا يزيد عن ذلك وأن يغض الطرف قدر استطاعته وأن تتم معالجة الطبيب للمرأة هذه بحضور محرم أو زوج أو امرأة ثقة خشية الخلوة
[المؤتمر الثامن في بروناي دار السلام محرم 1414هـ]

ليست هناك تعليقات