مهنة الطبيب في الإسلام الجزء السادس


(حكم الإذن الطبي)

معنى الإذن الطبي وأهميته :
معنى الإذن الطبي : موافقة المريض أو وليه على الإجراءات الطبية اللازمة لعلاجه
[انظر : بحث أحكام الإذن الطبي للدكتور عبد الرحمن الجرعي]
أهمية الأذن الطبي : يُشترط أن تكون المعالجة بناء على إذن المريض أو وليه فإن لم يأذن له وعالجه دون إذن ضَمِنَ ما جَنَت يداه لخروج عمله من دائرة الإباحة إلى دائرة التعدِّي
هذا فضلا عن أن من حق المريض أن يختار الطبيب الذي يعالجه لأن الثقة بين المريض والطبيب لها تأثيرها في الشفاء وذلك إذا كان المريض في حالة صحية تسمح له بذلك

وتتضح أهمية الإذن الطبي من خلال عبارات الفقهاء المصرِّحة بضرورة اعتبار صدور الإذن الطبي ممن له الحق فيه لانتفاء المسؤولية والضمان عمن باشر أفعال التطبيب والعلاج

حُكم الإذن الطبي :
يجب على الطبيب أن حصل على الإذن الطبي بالمداواة من المريض أو وليه الشرعي
[انظر زاد المعاد : 4/128
أحكام الجراحة الطبية : ص237]

الحالات التي يَسقط فيها الإذن الطبي :
الأصل أنه لا يَجري عمل طبي على بدن إلا بعد الإذن فيه من صاحبه أو من وليه إلا أنه في بعض الحالات التي يكون فيها المريض والمصابون لا يمكن الحصول على إذن مُسبَق من المريض أو المصاب أو من ولي أي منهما ولذا استُثْنِيَت بعض الحالات من اشتراط الإذن الطبي على النحو التالي :
1) الحالات الخطرة التي تهدد حياة المريض بالموت أو تهدد بتلف عضو من أعضائه ويكون فيها فاقداً للوعي أو أن حالته النفسية لا تسمح بأخذ إذنه ولا يكون وليه حاضراً لأخذ الإذن منه
ومن الأمثلة على هذه :
التهاب الزائدة الدودية التي بلغت درجة الخوف من انفجارها ما لم يجر استئصالها بالجراحة وكذلك جراحات حوادث السيارات التي كثرت في الآونة الأخيرة فيكون المريض عاجزاً عن إعطاء الإذن ولا يمكن انتظار أوليائه فلا مناص من علاجه دون إذن لكن ينبغي ألا يتم ذلك إلا بعد أن تقرر لجنة من الأطباء حاجته إلى هذا العلاج أو العملية زيادة في التثبت لضرورة المعالجة ولقطع التهمة عن الأطباء في أنهم يحرصون على الجراحة طلباً لمصلحتهم الذاتية

2) الحالات التي تقتضي المصلحة العامة معالجتها كالأمراض السارية المعدية والتي يشتد خطرها على المجتمع فإن من حق الدولة أن تفرض التداوي قسراً على المريض حتى لا يضرّ المجتمع كما أن من حقها أن تعزله في مستشفيات خاصة لذلك تعرف باسم المحجر الصحي أو مستشفى الحميّات كما أن هناك مستشفيات خاصة لمعالجة السل الرئوي (الدرن) ومستشفيات أو مستعمرات لمداواة المجذومين

3) ويستثنى كذلك الحالات اليسيرة للصغار عندما يكون العرف السائد يقتضي ذهابهم دون إذن ولي أمرهم إلى طبيب الوحدة الصحية المدرسية ونحوها مما يتسامح به الناس في العادة
[أحكام الإذن الطبي بحث للدكتور لعبد الرحمن الجرعي]

شروط الإذن الطبي :
يشترط للإذن الطبي شروط خمسة حتى يكون إذناً معتبراً : 
الشرط الأول :
أن يكون الإذن صادراً ممن له الحق وهو الشخص المريض أو وليه في حالة تعذر الحصول على إذنه أو من له الولاية كالحاكم

الشرط الثاني : أن يكون الآذن أهلاً للإذن والأهلية تعتبر بوجود أمرين
أحدهما : البلوغ و الثاني : العقل
فإن أذن المريض وليس أهلاً للإذن فلا اعتبار بإذنه وكذلك الولي الفاقد للأهلية من باب أولى

الشرط الثالث : الاختيار وعدم الإكراه فالمكره في حقيقته غير آذن

الشرط الرابع : أن تكون المعالجة المأذون بها مشروعة فلو كانت محرمة لم يصح الإذن

كما لو أذن المريض للطبيب أن يجري له جراحة تغيير الخلقة كتغيير الجنس والوشم وتغيير لون البشرة وتصغير الأنف وتكبير الشفاه ونحوها من الجراحات والعلاجات المحرمة بلا مسوغ شرعي

الشرط الخامس : أن يعطي الإذن وهو على بينة وإدراك من أمره فلابد من إيضاح الأمر له حتى يعرف ما هو مقدم عليه ويجب ترك التهويل والتهوين لأن طلبهما فيه تزييف للواقع وتغرير بالمريض
وإذا كانت المعالجة عبارة عن جراحة تجرى للمريض فيزداد شرطان على ما سبق وهما : 
الأول : أن يشمل الإذن على إجازة فعل الجراحة لأن ذلك هو المقصود من الإذن

الثاني : أن تكون دلالة الصيغة على إجازة فعل الجراحة صريحة أو قائمة مقام الصريح كقول المريض لطبيبه : أذنت لك بفعل الجراحة ونحوه ومثله الإشارة المفهومة التي تدل على رضاه بإجراء هذه الجراحة
[أحكام الجراحة الطبية : ص 252
وأحكام الإذن الطبي بحث للدكتور لعبدالرحمن الجرعي]

انتهاء الإذن الطبي
ينتهي الإذن الطبي في الحالات الآتية :
1) عند انتهاء مدته فما بعد المدة المأذون فيها يحتاج إلى أذن جديد
2) إذا شفي المريض من الداء المعالج فالشفاء علامة انتهاء الإذن الطبي
3) الموت فإذا توفي المريض انتهى الإذن بعلاجه
4) إذا انتفت الأهلية عن الإذن كما لو جُن جنوناً مطبقاً فلا يصح إذنه حينئذ ووجوده كعدمه
[أحكام الإذن الطبي بحث للدكتور لعبدالرحمن الجرعي]


(الضمان والمسؤولية الطبية)

معنى الضمان والمسؤولية :
الضَّمان : الحكم على الإنسان بتعويض الضرر الذي أصاب غيره من جهته

المسؤولية الطبية : هي المسؤولية التي يتحملها الطبيب ومن في حكمه ممن يزاولون المهن الطبية إذا نتج عن مزاولاتهم أضرار مثل تلف عضو أو إحداث عاهة أو تفاقم علة ويعبَّر عن المسؤولية في الاصطلاح الشرعي باسم الضمان
[الموسوعة الفقهية الطبية : ص 861
مجلة مجمع الفقه الإسلامي : 8/1186]

أركان المسؤولية الطبية :
الركن الأول :
السائل : وهو الشخص الذي يملك الحق في مساءلة الطبيب ومساعديه كالقاضي ونحوه

الركن الثاني :
المسؤول : وهو الذي يُوجَّه إليه السؤال ويُكلف الجواب عن مضمونه سواء كان فردًا كالطبيب أو جهة كالمستشفى

الركن الثالث :
المسؤول عنه : وهو محل المسؤولية والمراد به الضرر وسببه الناشئان عن فعل الطبيب أو مساعديه أو عنهما معًا
فإذا وُجِدَت هذه الأركان وُجِدَت المسؤولية الطبية
[الفقه الطبي : ص92]

موجبات المسؤولية المهنية أربعة أمور هي :
1) عدم اتباع الأصول العلمية وهي : الأصول الثابتة والقواعد المتعارف عليها نظريًّا وعمليًّا بين الأطباء والتي يجب أن يُلِمَّ بها كل طبيب وقت قيامه بالعمل الطبي

2) الخطأ :
وهو ما ليس للإنسان فيه قصد وهذا النوع لا إثم فيه إلا أنه من موجبات المسؤولية

3) الجهل :
سواءٌ كان جهلا  كليًّا أو جهلا جزئيًّا

4) الاعتداء :
وهو أن يُقدِم على فعل ما يوجب الضرر بالمريض قصدًا وهذا النوع هو أشد موجب من موجبات المسؤولية ويصعب إثباته بغير الإقرار إلا أنه يمكن الاهتداء إليه بالقرائن القوية كوقوع العداوة بين الطبيب والمريض أو سبق التهديد من الطبيب المتَّهَم للمريض
[الفقه الطبي : ص 92-93]

مسؤولية الطبيب :
الطبيب مسؤول أخلاقيا ودينيا ومسؤول مسؤولية جنائية أيضا والدليل على مسؤولية الطبيب : حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال :
من تطبب ولم يعلم منه طب قبل ذلك فهو ضامن
(رواه أبو داود 4586 و النسائي 4830 و ابن ماجه 3466 و حسنه الألباني)
وبناء على ذلك يضمن الطبيب الجاهل والمتعدِّي ما أتلفت يداه وقد يترتب على فعله عقوبة شرعية كالقصاص والتعزير أو التزام بالتعويض المادي

شروط انتفاء المسؤولية عن الطبيب :
الشرط الأول :
الإذن العام :
ويكون الإذن بسماح ولي الأمر (الحاكم أو السلطات) للطبيب بمزاولة مهنة الطب وهو ما يُعرَف اليوم بترخيص وزارة الصحة وإجازتها للطبيب بالعمل ذلك أن الشريعة الإسلامية تشترط فيمن يُزاوِلُون مهنة الطب أن من يُطَبِّب يكون من ذوي المهارة في صناعتهم ولهم بها معرفة

الشرط الثاني :
الإذن الخاص :
إذن المريض أو وليه إذ يشترط لرفع المسؤولية عن الطبيب أن يكون تدخله بناء على إذن المريض أو وليه إذا كان قاصرًا أو من في حكمه أو كان المريض في حال لا يتمكن فيها من الإذن للطبيب بمزاولة عمله

الشرط الثالث :
اتباع الأصول العلمية :
اشترط الفقهاء فيمن يُشَخِّص الداء ويصف الدواء أو يقوم بالجراحة أن يكون من ذوي المهارة في صناعتهم وعلى درجة عالية من المعرفة وأن تكون أعمالهم على وفق الرسم المعتاد والقواعد التي يتبعها أهل الصنعة في مهنة الطب وعلى هذا فلا يجوز للطبيب أن يُزاوِل مهنة الطب إلا إذا كان على دراية وتجربة

الشرط الرابع :
قصد العلاج :
يجب أن يكون الباعث على عمل الطبيب هو علاج المريض ورعاية مصلحته فلا يجوز للطبيب أن يقصد بعمله غرضًا آخر غير علاج المريض كأن يكون هدفه إجراء اكتشاف علمي دون أن يقصد علاج المريض
[الفقه الطبي : ص94-95
الموسوعة الفقهية : ص862]

آثار ثبوت المسؤولية الطبية :
اتفق فقهاء الشريعة على أنه لا مسؤولية تترتب على الطبيب إذا أدى عمله إلى نتائج ضارَّة بالمريض ما دام حاذِقًا في فنه وكان ذلك التطبيب بإذن المريض أو وليه وكان الطبيب قاصدًا للعلاج ولم يُقَصر أو يهمل في أداء واجبه وعمله كما أن الفقهاء لا يُرتبون على الطبيب مسؤولية جنائية إلا إذا توفر في القضية ركنان أساسيان هما :
التعدي و الضرر
[موسوعة الفقه الطبي : ص291]

أما إذا ثبت موجب المسؤولية الطبية ترتب على ذلك واحد أو أكثر من الآثار التالية :
1) الضمان :
وهو الضمان المالي كالديات والأُرُوش وفق ما جاء في شرع الله تعالى من مقاديرها وطرق تنفيذها ويَلزم في حال الخطأ غير المحض كالأخطاء التي تكون عن تقصير وإهمال وقلة احتراز

2) التعزير :
وهو عقوبة غير مقدَّرة يقررها الحاكم إذا ثبت نوع اعتداء أو تجاوز وقد يكون التعزير جسديا أو ماليا أو معنويا وهناك نوع محدد من التعزير يختص بالمهنة الطبية ألا وهو المنع من الممارسة سواء أكان منعا مطلقا أم مقيدا دائما أم مؤقتا

3) الكفارة :
وهي صيام شهرين متتابعين وذلك في حالة القتل خطأ

4) القصاص :
ويختص هذا في حالات القتل العمد العدوان

وقد ورد في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي في موضوع ضمان الطبيب ما يلي :
1) "يكون الطبيب ضامناً إذا ترتب ضرر بالمريض في الحالات الآتية :
أ- إذا تعمد إحداث الضرر
ب- إذا كان جاهلاً بالطب أو بالفرع الذي أقدم على العمل الطبي فيه
ج- إذا كان غير مأذون له من قبل الجهة الرسمية المختصة
د- إذا أقدم على العمل دون إذن المريض أو مَن يقوم مقامه
ه- إذا غرر بالمريض
و- إذا ارتكب خطأ لا يقع فيه أمثاله ولا تقره أصول المهنة أو وقع منه إهمال أو تقصير
ز- إذا أفشى سر المريض بدون مقتضى معتبر
ح- إذا امتنع عن أداء الواجب الطبي في الحالات الإسعافية (حالات الضرورة )

2) يكون الطبيب -ومن في حكمه- مسؤولاً جزائياً في الحالات السابق ذكرها إذا توافرت شروط المسؤولية الجزائية فيما عدا حالة الخطأ فلا يُسأل جزائياً إلا إذا كان الخطأ جسيماً

3) إذا قام بالعمل الطبي الواحد فريق طبي متكامل فيُسأل كل واحد منهم عن خطئه تطبيقاً للقاعدة :
"إذا اجتمعت مباشرة الضرر مع التسبب فيه فالمسؤول هو المباشر ما لم يكن المتسبب أولى بالمسؤولية منه ويكون رئيس الفريق مسؤولاً مسؤولية تضامنية عن فعل معاونيه إذا أخطأ في توجيههم أو قصر في الرقابة عليهم

4) تكون المؤسسة الصحية (عامة أو خاصة) مسؤولة عن الأضرار إذا قصّرت في التزاماتها أو صدرت عنها تعليمات ترتب عليها ضرر بالمرضى دون مسوغ"
[15/8 ، قرار : 142]


(فحص السبيلين)

إذا مس الطبيب عند الفحص فرج مريض بدون حائل وكان متوضئا فإن وضوءه ينتقض وكذلك المريض
[انظر فتاوى الطب والمرضى : ص40]

ليست هناك تعليقات