مهنة الطبيب في الإسلام الجزء الحادى عشر


(عمليات تغيير وتصحيح الجنس)

إن التنوع في الجنس البشري هو الوسيلة المثلى للإبقاء على جنس الإنسان لعمارة الأرض من خلال التزاوج بين النوعين وفق الطرق السوية المعروفة ولكل من الذكر والأنثى خصائصه وسماته التي أودعها الله فيه والتي لا ينبغي التدخل فيها بما يُغيرها أو يُعطِّل وظائفها وقد وُجِد من البشر من ابتلي بتداخل أعضاء الذكورة والأنوثة وهو المعروف بالخُنْثَى وفيما يلي تفصيل لهذا الأمر :
أنواع عمليات تغيير وتصحيح الجنس وحكم كل نوع :
1) تغيير الجنس لمجرد الرغبة :
ويُقصَد به العملية التي يتم خلالها تحويل المرء من الذكورة إلى الأنوثة أو العكس تحويلا كاملا بإنقاص بعض الأعضاء أو زيادتها أو تغيير بنية أعضائه بجراحة أو علاج
أي : أنه قد يكون أنثى في الحقيقة لكن ظاهره ذكر أو العكس
وهذه العملية محرَّمَة شرعًا لكونها مخالفة للمقاصد الشرعية والقواعد العامة للفقه الإسلامي ويُستَدَل على حرمتها بالكتاب والسنة والقياس والمعقول
2) تصحيح أو تثبيت الجنس في حالات الخُنْثَى الكاذبة : ويُقْصد بها الإجراء الجراحي الذي يتم لعلاج الاختلاف بين الأعضاء الجنسية الظاهرة وحقيقة الجنس كما تدل عليها الدلائل الطبية المعتبرة وهي عملية جائزة ويُستَدَل على جوازها بما يلي :
- أن الهدف من إجراء هذه الجراحة هو إرجاع الشيء إلى أصله وحالته الطبيعية من حيث الذكورة والأنوثة وهذا الهدف مشروع
وليس من تغيير خلق الله تعالى
- مشروعية التداوي من العلل والخُنُوثة علة خَلقِيَّة ونصوص الشرع تحثُّ على التداوي على وجه العموم - أن الضرر يُزال والخُنُوثة تحْدِث ضررًا ويتمثل هذا الضرر في القصور في العبادة والآلام النفسية والاجتماعية والجسدية فيجوز للمسلم رفع هذا الضرر
3) تحديد الجنس بالنسبة لغير مَحدَّدِي الجنس وكيفية تحديد جنسهم: والمراد بهذا النوع ما لا يمكن تحديد جنسه بسبب اجتماع علامات الذكورة والأنوثة وهو الخُنْثَى الحقيقية عند الأطباء ويتم تحديد جنسه وفق عدة معايير منها :
أولًا : الذكر الذي كملت أعضاء ذكورته والأنثى التي كملت أعضاء أنوثتها لا يحل تحويل أحدهما إلي النوع الآخر ومحاولة التحويل جريمة يستحق فاعلها العقوبة لأنه تغيير لخلق الله وقد حرم سبحانه هذا التغيير بقوله تعالى مخبرا عن قول الشيطان :
- الصبغيات (الكروموسومات) - الأعضاء الجنسية الداخلية كالمبيض والرحم في الأنثى والبروستاتا والحبل المنوي في الذَّكَر - الميول النفسية [الفقه الطبي : ص136-137] وقد جاء في قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في الدورة الحادية عَشرة المنعقدة بمكة المكرمة في 13رجب 1409هـ : {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء : 119] وقد جاء في صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال :
ثانيًا : أما من اجتمع في أعضائه علامات النساء والرجال فيُنْظَر فيه إلى الغالب من حاله فإن غلبت عليه الذكورة جاز علاجه طبِّيًّا بما يُزِيل الاشتباه في ذكورته ومن غلبت عليه علامات الأنوثة جاز علاجه طبِّيًّا بما يُزِيل الاشتباه في أنوثته سواء أكان العلاج بالجراحة أو بالهرمونات لأن هذا مرض والعلاج يُقصد به الشفاء منه وليس تغييرًا لخلق الله عز وجل
لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله عز وجل ثم قال :
ألا ألعن من لعن رسول الله وهو في كتاب الله عز وجل يعني قوله : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر : 7]
(حكم رفع أجهزة الإنعاش عن الميت دماغيًّا)

يجوز- على الراجح من أقوال الفقهاء- رفع أجهزة الإنعاش عن الميت دماغِيًّا الذي أصبح يتنفس تنفُّسًا آلِيًّا صناعِيًّا وهذا هو قول أكثر الفقهاء المعاصرين وبهذا صدر قرار المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي جاء فيه :

هو طريقة لإعانة الشخص على الموت بنفسه أو عن طريق غيره دون آلام بسبب مرضه الميؤوس من شفائه وتخليصًا له من آلامه المبرحة إما بإعطائه دواءً يُنهِي حياته أو بنزع جهاز لا يعيش بدونه كأجهزة التنفس والإنعاش أو بإيقاف علاج لا يعيش بدونه
"المريض الذي رُكِّبت على جسمه أجهزة الإنعاش يجوز رفعها إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلا نهائيا وقررت لجنة من ثلاثة أطباء اختصاصيين خبراء أن التعطيل لا رجعة فيه وإن كان القلب والتنفس لا يزالان يعملان آليا بفعل الأجهزة المركبة لكن لا يحكم بموته شرعا إلا إذا توقف التنفس والقلب توقفا تاما بعد رفع هذه الأجهزة"
[الدورة العاشرة القرار الثاني 28 /2/ 1408هـ]


(حكم ما يسمى بـ"قتل الرحمة")
التعريف به : ويرى بعض الأطباء أن الدافع لهذا القتل : دافع إنساني بقصد إنهاء عذاب المريض ومعاناته وربما معاناة أهله وذويه أيضًا حكم قتل المريض الميؤوس من شفائه طبِّيًّا دون إذنه ورضاه :
إن قيام الطبيب أو غيره بإنهاء حياة مريض ميؤوس من شفائه طبِّيًّا كحقنه بمادة مميتة أو خنقه أو غير ذلك بدافع الشفقة والرحمة يُعَدُّ فعلا محرما شرعا يُعاقَب عليه فاعله بالعقوبة الشرعية الدنيوية ويستحق الوعيد الأخروي لمن قتل غيره عمدًا بغير حق لأنه لا عِبرَة في الشريعة لباعث وقصد الرحمة لارتكاب الجريمة حكم قتل المريض الميؤوس من شفائه طبِّيًّا بإذنه ورضاه :
إذن الإنسان ورضاه سواء كان مريضًا أو غير مريض بأن يقتله غيره محرم وهذا الإذن لا يُبِيح للمأذون له القتل ولو تم لَأثِمَ الجميع لأن النفس معصومة لا تُباح إلا بما نص عليه الشرع والإذن ليس منه فيكون قتلا لنفس بغير حق وقد انعقد الإجماع على تحريم القتل بغير حق ودلت الأدلة من الكتاب والسنة على ذلك وليس للمريض الحق في أن يأذن لأحد أن يجري على جسمه فعلا حرمه الله وذلك لأن جسد الإنسان إنما هو ملك لله تعالى حيث قال تعالى :
{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ}
[المائدة : 120]
ولا يحق لأحد أن يتصرف في مملوك بما يحرمه مالكه

2) إن كان الدافع من الجراحة تحسين المظهر وتجديد الشباب والظهور بمظهر معين تقليدًا للغير دون وجود دوافع طبية تستلزم فعل الجراحة مثل تجميل الأنف بتصغيره وتغيير شكله من حيث العرض والارتفاع وتجميل الذقن وذلك بتصغير عظمها إن كان كبيرًا أو تكبيره بوضع ذقن صناعية تلحم بعضلات وأنسجة الحنك
وقد أجمع المسلمون على أنه لا يجوز لأحد أن يقتل نفسه ولا أن يقتل غيره بغير سبب شرعي وليس لأحدٍ كذلك أن يقطع عضوا من أعضائه قال ابن القيم :
"لا يجوز الإقدام على قطع عضو لم يأمر الله ورسوله بقطعه ولا أوجب قطعه كما لو أُذن له في قطع أُذُنه أو إصبعه فإنه لا يجوز له ذلك ولا يسقط الإثم عنه بالإذن" [تحفة المودود بأحكام المولود : ص 136]
(حكم الجراحة التجميلية التحسينية)
1) إن كان الدافع منه علاج تشوُّه خَلْقي أو طارئ غير معتاد بحيث يكون مظهرُ العضو مشوَّهًا بشكل غير معهود ويثير الملاحظة والاستغراب أو تَرَتَّب على التشوُّه حصول الألم أو التأثير على وظيفة العضو كضعف الإبصار أو السمع فإن الجراحة لعلاج هذا التشوُّه جائزة شرعًا
فهو غير مشروع ولا يجوز فعله
[انظر أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها : ص 182]

ليست هناك تعليقات