مهنة الطبيب في الإسلام الجزء الثانى عشر



(حكم تشريح جثث الموتى)
الأصل أن الإنسان له حرمة في حياته وبعد مماته فلا يجوز التعرض له ولا لجثته بأي نوع من الإيذاء إلا أن الأطباء قد يجرون عملية التشريح على جسم الإنسان بعد وفاته وذلك لمقاصد مختلفة ويختلف حكم التشريح تبعا للغرض منه كما يلي : 1) إن كان القصد من تشريح جثة الميت معرفة سبب الوفاة كأن يخشى أن يكون السبب أمراضًا وبائية لتتخذ على ضوئه الاحتياطات الكفيلة بالوقاية منها أو كان القصد من التشريح لغرض التحقق من دعوى جنائية فإن التشريح جائز تحقيقا لمصالح كثيرة في مجالات الأمن والعدل ووقاية المجتمع من الأمراض الوبائية ومفسدة انتهاك كرامة الجثة المشرحة مغمورة في جنب المصالح الكثيرة والعامة المتحقِّقة بذلك سواء كانت الجثة المشرحة جثة معصوم أم لا 2) إن كان القصد من تشريح جثة الميت التدريب العملي للأطباء ليتمكنوا بواسطته من المعرفة التامة بعلم الجراحة وذلك ما يسمى الجراحة التشريحية فالراجح أنها جائزة لغير المعصوم إلا عند الضرورة بشروطها وقد صدرت الفتوى بالجواز من جهات علمية كثيرة منها : قرار هيئة كبار العلماء حول تشريح جثث الموتى : صدر قرار من هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية هذا نصه : "ظهر أن الموضوع ينقسم إلى ثلاثة أقسام : الأول : التشريح لغرض التحقق عن دعوى جنائية الثاني : التشريح لغرض التحقق عن أمراض وبائية لتتخذ على ضوئه الاحتياطات الكفيلة بالوقاية منها الثالث : التشريح للغرض العلمي تعلما وتعليما وبعد تداول الرأي والمناقشة ودراسة البحث المقدم من اللجنة المشار إليه أعلاه قرر المجلس ما يلي : بالنسبة للقسمين الأول والثاني فإن المجلس يرى أن في إجازتهما تحقيقا لمصالح كثيرة في مجالات الأمن والعدل ووقاية المجتمع من الأمراض الوبائية ومفسدة انتهاك كرامة الجثة المشرحة مغمورة في جنب المصالح الكثيرة والعامة المتحققة بذلك وإن المجلس بهذا يقرر بالإجماع إجازة التشريح لهذين الغرضين سواء كانت الجثة المشرحة جثة معصوم أم لا؟ وأما بالنسبة للقسم الثالث وهو التشريح للغرض التعليمي فنظرا إلى أن الشريعة الإسلامية جاءت بتحصيل المصالح وتكثيرها وبدرء المفاسد وتقليلها وبارتكاب أدنى الضررين لتفويت أشدهما وأنه إذا تعارضت المصالح أخذ بأرجحها وحيث إن تشريح غير الإنسان من الحيوانات لا يغني عن تشريح الإنسان وحيث إن في التشريح مصالح كثيرة ظهرت في التقدم العلمي في مجالات الطب المختلفة فإن المجلس يرى جواز تشريح جثة الآدمي في الجملة إلا أنه نظرا إلى عناية الشريعة الإسلامية بكرامة المسلم ميتا كعنايتها بكرامته حيا وذلك لما روى أحمد وأبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صل الله عليه وسلم قال : كسر عظم الميت ككسره حيا ونظرا إلى أن التشريح فيه امتهان لكرامته وحيث إن الضرورة إلى ذلك منتفية بتيسير الحصول على جثث أموات غير معصومة فإن المجلس يرى الاكتفاء بتشريح مثل هذه الجثث وعدم التعرض لجثث أموات معصومين والحال ما ذكر" [فتاوى اللجنة الدائمة : 12/ 189] شروط جواز تشريح جثث الموتى : وضع العلماء شروطا لجواز تشريح جثث الموتى وهي : - التحقق من موت الإنسان الذي سيُجْرَى التشريح على جثته - موافقة ذوي الشأن أي : أهل الميت قبل وفاته أو بعده في حالة تشريح جثث المعروفين أما غير المعروفين فلا يشترط - ألا يكون ذلك بمقابل مادي - أن تُقَدَّر الضرورة بمقدارها - دفن ما تبقَّى منها لأن الأصل هو الإسراع بدفن الميت - وجود ضرورة تتطلب التشريح [انظر الفقه الطبي : ص 157 و أحكام الجراحة الطبية : ص 169]

(حكم الجراحة التجميلية التقويمية)
ضابط هذا النوع من الجراحة أن الهدف من إجرائها تحسين الوظيفة ابتداءً أي : أن الهدف الرئيسي من هذا النوع تصحيح الخلل الوظيفي في أحد الأعضاء ويأتي بعد ذلك مراعاة الشكل وتناسق الجسم وأعضائه وهذا النوع من أشهر مجالات الجراحة التجميليَّة وهو أسبق في الظهور من الجراحة التجميليَّة التحسينيَّة بل هو أساس نشأة الجراحة التجميلِيَّة حيث نشأت لتصحيح التشوهات الناشئة من الحروق والإصابات الطارئة ومن أمثلة هذا النوع جراحات الحروق والجراحة المجهرية (الميكروسكوبية) وجراحة اليد الحكم الفقهي : يجوز إجراء هذه الجراحات لما فيها من إصلاح العيوب والتشوهات الخَلْقِيَّة والطارئة ويدل على جوازها عموم أدلة مشروعية التداوي والجراحة وقواعد إزالة الحرج ورفع الضرر ولا تُعَدُّ من التغيير المحرم لخلق الله تعالى إلا أنه يُشترط لجوازها الشروط العامة للجراحة التجميليَّة الشروط العامة للجراحة التجميليَّة : 1) ألا يكون في الجراحة تغيير لخلق الله تعالى والتغيير المحرَّم لخلق الله يتحقق بإجراء الجراحة لعضو في مظهر معهود وهذا يتناول تغيير الجسم أو بعض أعضائه لطلب زيادة الحُسْن أو التنكر أو التعذيب ولا يدخل في التغيير المحرم الجراحة لعلاج الأمراض والعاهات والتشوهات الطارئة أو الخلقية مما يعد خلقة غير معهودة 2) أن يترتَّب على عدم إجراء الجراحة ضرر حسي أو نفسي 3) ألا يكون في الجراحة غِشٌّ أو تدليسٌ بإظهار الشخص بخلاف واقعه كإظهار الكبيرةِ صغيرةً ونحو ذلك 4) ألا يكون المقصود من إجراء الجراحة التَّشَبُّه المحرم بالكفار أو الفُسَّاق سواءً أكان التَّشَبُّهُ بعموم الكفار والفُسَّاق أم كان بشخص معين 5) ألا يكون في الجراحة تَشَبُّه الرجال بالنساء أو العكس 6) ألا تستلزم الجراحة كشف ما أمر الله بستره من العورات إلا لضرورة أو حاجة معتَبرة 7) ألا يكون في الجراحة إسراف محرَّم وذلك إذا أجريت الجراحة بتكلفة مادِّيَّة عالية بالنسبة لمن أُجريت له دون حاجة معتبرة 8 ) ألا يترتَّب على الجراحة ضرر أو تشويه أشد من الضرر أو التشويه المراد علاجهأو إزالته 9) أن تكون المواد المستخدمة في الترقيع والحقن ونحوهما طاهرةً ويحرم استخدام مادة نجسة إلا للضرورة [الفقه الطبي : ص 163]

(العلاج الجيني)
يقصد به نقل جزء من الحمض النووي أو نقل جين سليم أو إحلال جين سليم محل جين مريض إلى الخلية المريضة لإعادة الوظيفة التي يقوم بها هذا الجين إلى عملها المطلوب منها وينقسم العلاج الجيني بحسب الخلية المعالجة إلى نوعين : النوع الأول : العلاج الجيني للخلايا الجسدية : وهي جميع خلايا الجسم وحكمه يختلف بحسب الغرض منه فإن كان الغرض العلاج فيجوز بشروط أهمها : 1) ألا يؤدي هذا النوع من العلاج إلى ضرر أعظم من الضرر الموجود أصلًا 2) أن يغلب على الظن أن هذا العلاج حقق مصلحة الشفاء أو تخفيف الآلام 3) أن يتعذر وجود البديل 4) أن تراعى شروط نقل الأعضاء في المتبرع والمتبرع له المعتبرة شرعا وأن يجرِي عملية نقل الجين متخصصون ذو خبرة عالية وإتقان وأمانة أما استخدام العلاج الجيني في اكتساب صفات معينة مثل : الشكل فلا يجوز لما فيه من تغيير الخلقة المنهي عنه شرعا ولما فيه من العبث وامتهان كرامة الإنسان فضلا عن عدم وجود الضرورة أو الحاجة المعتبرة شرعا النوع الثاني : العلاج الجيني للخلايا الجنسية : وهو العلاج الجيني للخلايا الجنسية (التناسلية) وحكمه جواز إجراء الفحص الجيني للخلايا الجنسية لمعرفة ما إذا كان بها مرض جيني أو لا أما العلاج الجيني للخلايا الجنسية في صورته الراهنة التي لا تراعي الأحكام الشرعية وبخاصة عدم اختلاط الأنساب فحكمه المنع لما لهذا النوع من الخطورة والضرر [قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي دورة الحادية والعشرين 19/1/1435 هجرية]

ليست هناك تعليقات