أصل الأتراك

قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة أن جمهورية تركيا الحالية (آسيا الصغرى سابقًا) هي الموطن الأصلي للأتراك والتي ترجع إليها أصولهم
ولكن هذه المعلومة خاطئة تمامًا فالأتراك موطنهم الأصلي هو بلاد تركستان الموجودة بأواسط آسيا والتي تمثل أراضيها الآن جمهوريات قازاقستان و تركمانستان و طاجكستان و قيرغيزستان و أوزبكستان
والتي استقلت مؤخرًا عن الاتحاد السوفيتى بالإضافة إلى جزء تحتله الصين حتى الآن يعرف بتركستان الشرقية والذي تطلق عليه الصين إقليم سينكيانغ أي الولاية الجديدة ويوجد جزء آخر من بلاد تركستان في كل من إيران و أفغانستان والذي كان يعرف سابقا بخراسان حيث تقتسمه كل من إيران و أفغانستان و جمهورية تركمانستان السابق ذكرها

والسؤال الآن كيف انتقلت بعض قبائل الترك إلى آسيا الصغرى (الأناضول) ؟

يرجع الترك إلى الجنس المغولي (ذوى البشرة الصفراء) (أو أبناء يافث بن نوح) الذي يضم معظم قارة آسيا مثل الصينيين و اليابانيين والمغول والتتر والملايو وغيرهم

وكان الترك معروفين ببأسهم الشديد وقدرتهم الحربية الفائقة نظرًا لقسوة البيئة التي يعيشونها حيث المرتفعات والأودية الجافة والصحارى ويشاركهم في ذلك أبناء جلدتهم المغول والتتر وكانوا قبل الفتح الإسلامي يعبدون الأوثان والكواكب

وفى عصر الدولة الأموية فتح المسلمون هذه البلاد ودخل أهلها في دين الله أفواجًا وتوارد على فتحها قادة مسلمون ذوو حماسة شديدة للإسلام أشهرهم
قتيبه بن مسلم الباهلي و آل المهلب الذين ولاّهم الحجاج بن يوسف الثقفي وأعز الله الإسلام بالترك

نعود إلى السؤال الذي طرحناه سابقا كيف وصلت بعض قبائل الترك إلى آسيا الصغرى ؟

الإجابة أنه في عهد الدولة العباسية زاد نفوذ الترك فقد عمل العباسيون على توطين أقسام من جيش خراسان في الأجزاء الأناضولية التابعة لهم والمتاخمة للإمبراطورية البيزنطية وكانت الحدود بينها وبين الخلافة العباسية يطلق عليها الثغور والتي كانت مسرحًا للقتال بين الطرفين وكان الخليفة المهدى يستقدم الأتراك من فرغانة ( جمهورية قيرغيزستان الآن ) وبلخ (في خراسان) ويسكنهم الثغور مثل طرطوس و أضنة و مرعش و خرشنه وغيرها وكلها في المناطق الجبلية الفاصلة بين المسلمين والروم وزاد عدد الترك في هذه المناطق في عهد المأمون والمعتصم

وفي عهد المتوكل أصبح الأتراك هم عماد الجيش في الدولة وأصبحت الثغور الأناضولية تحت إمرتهم وكانوا يخضعون للخليفة العباسي تارة أو للحمدانيين في حلب تارة أو للطولونيين في مصر تارة أخرى ورغم هذا الانقسام فإن القتال لم ينقطع بين المسلمين والروم وكانت الحروب سجالاً بين الطرفين

وفى مراحل ضعف الدولة العباسية ظهرت دولة السلاجقة وهم من الأتراك وكانوا على صراع دائم مع الروم ومن أبرزهم ألب أرسلان الذي انتصر على الروم انتصارًا حاسمًا في معركة ملاذكرد عام 463 هجرية

وانساح السلاجقة بعد تلك المعركة في الأناضول وأسسوا إمارات كثيرة واستطاع السلاجقة المنتشرون في الأناضول أن يقدموا للمسلمين آثارًا إيجابية كثيرة منها :
استرداد بعض الأجزاء من الروم التي سبق أن أخذوها من المسلمين
فتح كثير من أراضي الأناضول وزاد التوسع والانتشار كثيرًا في أيام ملكشاه بن ألب أرسلان وبقيت بعض الإمارات الصليبية في الأناضول تم فتحها بالكامل في عهد العثمانيين

وعندما جاء الهجوم المغولي على بلاد المسلمين خاف بعض الحكام وتحالفوا مع المغول الكفرة ضد أبناء عقيدتهم المسلمين

ووقعت بلاد السلاجقة بيد المغول واستسلم أمراؤها لهم وصاروا معهم حربًا على المسلمين ثم هزم المغول في عين جالوت سنة 658 هجرية وخرجوا بعدها من بلاد الشام فسار الظاهر بيبرس عام 675 هجرية إلى بلاد السلاجقة لينتقم منهم
والتقى بهم وبحلفائهم المغول و الكرج في معركة البستان وانتصر عليهم ثم سار ففتح عاصمتهم قيصرية ومع ضعف المغول زالت دولة سلاجقة الروم وقامت عدة إمارات في الأناضول منها
أبناء أيدين وأبناء تركة وأبناء أرتنا وأبناء كرميان وأبناء حميد وأبناء أشرف قره عيسى وأبناء صاروخان وأبناء منتشا وأبناء جانبدار (أسفنديار) وأبناء بروانة وأبناء صاحب أتا وأبناء قزمان وأبناء رمضان وأبناء ذي القادر

وكادت الأناضول أن تصاب بمثل ما أصيب به المسلمون في بلاد الأندلس وبلاد التتار نتيجة لتفرق المسلمين ومحاربتهم لبعضهم البعض والاستعانة بأعداء الإسلام على المسلمين رغم ما حذرنا منه الله من آثار التفرق في كتابه الكريم :
{وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
[آل عمران : 105]


ولكن الله قيض للأناضول العثمانيين الذين استطاعوا توحيد إماراتها ونجت بإذن الله من ويلات التفرق

ليست هناك تعليقات