مهنة الطبيب في الإسلام الجزء الخامس


(التداوي بالأدوية المحتوية على الجيلاتين)

تعريف الجيلاتين :
الجيلاتين مادة شفافة لا طعم لها ولا رائحة غير قابلة للذوبان تُستَخْلَص من جلود وأعصاب وعظام الحيوانات بغليها الطويل في الماء
[المعجم الوسيط : 1/150]

حكم الجيلاتين :
مادة الجيلاتين إن أُخِذَت من حيوان مأكول اللحم مُذَكًّى ذكاة شرعية فهي طاهرة ويجوز استعمالها في الدواء وغيره وأما إن أُخِذَت من خنزير أو ميتة أو حيوان لم يُذَكَّ تذكية شرعية فيَحرُم التداوي بها في الجملة


(حكم استعمال الأدوية المحتوية على مواد مستَخْلَصَة من أجزاء الخنزير)

الأنسولين الخنزيري :
كان الأنسولين يستخرج من الخنزير ومن الأبقار ولا يزال وهناك بعض الأشخاص الذين لا يتحملون الأنسولين البقري ويحدث لهم حساسية وفي هذه الحالة كانوا يحولون إلى الأنسولين الخنزيري
أما الآن فقد تم تصنيع أنسولين إنساني كيميائيًا وبواسطة هندسة الجينات وبالتالي لم تعد هناك حاجة للأنسولين الخنزيري واختفى نتيجة ذلك من الأسواق وإن كان الأنسولين الإنساني أغلى ثمناً من مثيله الحيواني
[مجلة مجمع الفقه الإسلامي بحث : التداوي بالمحرمات لمحمد علي البار : 8/1404]

وجمهور العلماء المعاصرين على عدم جواز التداوي بالأنسولين الخنزيري إلا في حالة الضرورة المقيَّدة بضوابطها الشرعية المتمثلة فيما يأتي :
أن يكون المريض في حالة يخشى عليه فيها من الموت أو الضرر الشديد
أن لا يتوفر غير الأنسولين الخنزيري في متناول المريض
أن يصفه طبيب حاذق ثقة

ومستند أصحاب هذا القول هو الرأي الفقهي القائل بجواز التداوي بالنجاسات والمحرَّمات في حال الضرورة ولهذا فقد استدَلُّوا بالأدلة الدالة على استثناء حال الضرورة من أصل تحريم التداوي بالنجس
وهذا التفصيل المذكور إنما هو عند الحاجة الشديدة للإنسولين الخِنزيري أو غيره من الأدوية المأخوذة من الخنزير
أما الواقع الطبي فقد تغير كثيرًا حيث أمكن تصنيع الإنسولين الإنساني دون الحاجة للإنسولين الحيواني
[الفقه الطبي : ص 69]

 الكبسولات الدوائية المصنَّعة من جيلاتين الخنزير :
يجوز استعمال الأدوية المصنَّعة محافظها من جيلاتين الخنزير إذا تحققت استحالة العظام والجلود استحالةً كاملةً وتغير اسمها وصفتها
دليل ذلك :
اعتمد القائلون بجواز استعمال محافظ الأدوية المصنَّعة من جيلاتين الخِنزير إذا تحققت الاستحالة الكاملة للعظام والجلود المستخلص منها الجيلاتين على رأي جمهور الفقهاء القائلين بطهارة النجاسات بالاستحالة ولأن تحويله إلى مادة مُباحة إصلاح له

فعظام وجلود الخنازير المتفق على نجاستها إذا تحققت استحالتها الكاملة عند تحويلها إلى جيلاتين تصبح طاهرة فيحل استعمال الأدوية المصنَّعة حافظتها من مادة الجيلاتين لزوال عِلَّة التحريم وهي النجاسة أما إذا كانت الاستحالة جزئية فلا يجوز استعمال هذه الأدوية في العلاج في غير حالة الضرورة والحاجة الماسَّة
[الفقه الطبي : ص70]


(التداوي بالهيبارين)

تعريف الهيبارين :
الهيبارين دواء معروف يستخدمه الأطباء بشكل واسع جدا لمنع تخثر الدم وحصول الجلطات في كثير من الأمراض بشكل وقائي وعلاجي كأمراض القلب والذبحة الصدرية وإزالة الخثرات الدموية وهو من أكثر الأدوية استخدامًا في الطب الحديث وهو في أصله مادة يفرزها الجسم لكن تُعطَى للمريض عند الحاجة من مصدر خارجي
[موسوعة الفقه الطبي المحور الخامس: ص801 ، 802]

وهناك نوعان من الهيبارين :
- الهيبارين العادي :
وهو مزيج غير متجانس من مركبات كيميائية متشابهة ذات سلاسل عديدة السكريات الكبريتية يمكن استخراجه من الأعضاء الغنية بالأوعية الدموية كرئة البقر ومخاطيات أمعاء الخنزير لكن هذا النوع من الهيبارين لا يُعتَبر مثالِيًّا لوجود مضاعفات له

- الهيبارين ذو الوزن الجزيئي المنخفض : يُستَخْلَص من الهيبارين العادي بطرق كيميائية يَنتج عنها مركبات جديدة مختلفة في خواصها وصفاتها الفيزيائية والكيميائية عن الهيبارين العادي وهو ما يُعبِّر عنه الفقهاء بالاستحالة

حكم التداوي بالهيبارين :
نظر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته السابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من 19- 23 شوال 1424هـ
في موضوع : "حكم استعمال الدواء المشتمل على شيء من نجس العين كالخنزير وله بديل أقل منه فائدة كالهيبارين الجديد ذي الوزن الجزيئي المنخفض"
وقدمت فيه بحوث قيمة وكان مما اشتملت عليه هذه البحوث ما يلي :
أن استحالة النجاسة إلى مادة أخرى مختلفة عنها في صفاتها وخواصها كتحول الزيت إلى صابون ونحو ذلك أو استهلاك المادة بالتصنيع وتغير الصفات والذات تعد وسيلة مقبولة في الفقه الإسلامي للحكم بالطهارة وإباحة الانتفاع بها شرعًا

وبعد المناقشات المستفيضة من المجلس للموضوع وما تقرر عند أهل العلم وما تقتضيه القواعد الشرعية من رفع الحرج ودفع المشقة ودفع الضرر بقدره وأن الضرورات تبيح المحظورات وارتكاب أخف الضررين لدرء أعلاهما مشروع قرر ما يأتي :

1) يباح التداوي بالهيبارين الجديد ذي الوزن الجزيئي المنخفض عند عدم وجود البديل المباح الذي يغني عنه في العلاج وإذا كان البديل يطيل أمد العلاج
2) عدم التوسع في استعماله إلا بالقدر الذي يحتاج إليه فإذا وجد البديل الطاهر يقينا يصار إليه عملاً بالأصل ومراعاة للخلاف
3) يوصي المجلس وزراء الصحة في الدول الإسلامية بالتنسيق مع شركات الأدوية المصنعة للهيبارين والهيبارين الجديد ذي الوزن الجزيئي المنخفض على تصنيعه من مصدر بقري سليم

ليست هناك تعليقات